تُعد ظاهرة "هوس التيوليب" أو ما عُرف في التاريخ لاحقاً باسم "فقاعة سوق التيوليب" الهولندية، واحدة من أشهر فقاعات انهيار الأسواق والاقتصاد عبر التاريخ.
حدث ذلك في هولندا خلال الفترة الممتدة من أوائل القرن السابع عشر إلى منتصفه، عندما دفعت التوقعات الاقتصادية والتكهنات قيمة بصيلات زهور التيوليب العثماني إلى أقصى الحدود.
وفي ذروة نمو السوق، تم تداول بصيلات أندر نباتات التيوليب وأجملها بما يصل إلى 6 أضعاف متوسط الراتب السنوي للفرد، قبل أن ينهار كل شيء بشكل مأساوي.
وصول التيوليب إلى أوروبا لأول مرة
وصلت زهور التيوليب أو الزنبق لأول مرة إلى أوروبا من الدولة العثمامية بعد فترة وجيزة من بداية عام 1550، وأصبحت الأزهار ذات الألوان الزاهية المتقنة من العناصر الثمينة والرائجة بين الأثرياء.
غالبًا ما يُعزى إدخال الزهرة إلى أوروبا إلى أوجييه دي بوسبيك، سفير شارل الخامس، الإمبراطور الروماني، إلى السلطان سليمان القانوني، الذي أرسل أول بصيلات وبذور توليب إلى فيينا، عام 1554، من الإمبراطورية العثمانية.
حيث أتت بصيلات التوليب وعدد من منتوجات الحياة النباتية الجديدة الأخرى مثل البطاطس والفلفل والطماطم والخضروات الأخرى، إلى أوروبا في القرن السادس عشر. وسرعان ما تم توزيع بصيلات النبتة من فيينا إلى أمستردام.
سرعان ما تجاوز الطلب على أنواع مختلفة من زهور التيوليب العرض، وبدأت أسعار بصيلات الزهور من الأنواع النادرة في الارتفاع إلى أسعار مهولة في شمال أوروبا.
وبحلول عام 1610 تقريباً، كانت البصيلة الواحدة من التيوليب من الصنف الجديد تمثل مهراً مقبولاً للعروس، كما كان من الممكن أن يتم بيع مصانع ومنازل مقابل مجموعة من بصيلات النبات الفريدة المعروفة بجودتها.
بلغت حمى التيوليب ذروتها في هولندا خلال الفترة من 1633 وحتى عام 1637 تحديداً. إذ بحسب الموسوعة البريطانية "بريتانيكا" للمعلومات التاريخية، وقبل عام 1633، كانت تجارة الزنبق في هولندا مقتصرة على المزارعين المحترفين والخبراء.
لكن الأسعار المتزايدة باطراد أغرت العديد من العائلات من الطبقة المتوسطة والفقيرة بالمضاربة في سوق التيوليب. فتم رهن المنازل والعقارات والصناعات لكي يتمكن الطامحون من شراء بصيلات التيوليب لإعادة بيعها بأسعار أعلى.
منتج جديد للوجاهة الاجتماعية ورمزية للثراء
بعدما ظهرت زهور التيوليب لأول مرة في أوروبا في القرن السادس عشر، حينما وصلت عبر طرق التجارة، أصبحت النبتة عملة فريدة وثمينة؛ لأن الزهرة المستوردة بدت كأنها من عالم افتراضي بسبب مظهرها الفريد وغير الشائع.
فأصبح الزنبق عنصراً فاخراً وفريداً خُصص فقط لحدائق الأثرياء، حيث "اعتُبر غياب التيوليب من حدائق الأثرياء في ذلك الوقت بأوروبا دليلاً على قلة الذوق وانعدام النُبل والثروة".
يوضح موقع "هيستوري" (History) للأحداث التاريخية، أنه في منتصف القرن السابع عشر، تمتع الهولنديون بفترة لا مثيل لها من الثروة والازدهار. حيث استقل الهولنديون حديثاً عن إسبانيا، ونمت طبقات من الأغنياء في التجارة من خلال شركة الهند الشرقية الهولندية.
مع الأموال الكثيرة فجأة، أصبحت الفنون والغرائب والعناصر الفريدة من العناصر العصرية لهواة الجمع والطبقات الراقية.
وهكذا أصبح الهولنديون مفتونين بزهور التيوليب النادرة، خاصة الفصائل "الفريدة" منها، مثل بصيلات النبات التي تنتج أزهاراً مخططة ومُرقطة وتبدو أكثر غرابة كقطعة عرض مبهرجة في الحفلات.
ويعد أعلى سعر تم توثيقه لأزهار التيوليب هو 5200 غيلدر هولندي للبصيلة الواحدة، في شتاء عام 1637. وهو الرقم المهول الذي وفقاً لموقع "بي بي سي" البريطاني يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف قيمة لوحة للفنان العالمي "رامبرانت"، و20 ضعفاً للدخل السنوي لعامل ماهر في تلك الفترة.
سبيل الطبقات الوسطى للصعود في سلم المجتمع الراقي
علاوة على تخصيص النبتة الجذّابة للأثرياء، سعت الطبقات الوسطى في المجتمع الهولندي إلى محاكاة جيرانها الأكثر ثراءً، وطالبت أيضاً بالحصول على أزهار التيوليب، حتى إن كان سعر الواحدة منها باهظ الثمن، لتحقيق شيء من الوجاهة الاجتماعية.
ولكن في الوقت نفسه، كان من المعروف أن زهور التيوليب هشة للغاية وحساسة في رعايتها، ويمكن أن تموت إذا لم يلتزم راعيها بتعليمات زراعة دقيقة.
ثم ما لبث أن بدأ المزارعون المحترفون في زراعة التيوليب في تحسين تقنيات زراعة وإنتاج الزهور محلياً في هولندا، ما أدى إلى إنشاء قطاع أعمال مزدهر استمر حتى بات يمثل رمزية لتلك الدولة الأوروبية أمام العالم إلى يومنا هذا.
انهيار تام لسوق التيوليب بين ليلة وضحاها
على الرغم من الرواج المتزايد، والاستثمار المحموم في النبات الجذاب بشكل وصل إلى حد تنسيق المضاربات بأسعار باهظة، كان يتم إعادة بيع الزهور عدة مرات دون أن تترك مكانها عند البائعين على الإطلاق، وتم بيع أنواع نادرة من البصيلات بما يعادل ملايين الدولارات لكل منها بقيمة اليوم.
في القرن السابع عشر، كانت العملة الهولندية هي الغيلدر، والتي سبقت استخدام اليورو. وفي ذروة الفقاعة، تم بيع زهور التيوليب بحوالي 10 آلاف غيلدر، وهو ما يعادل تقريباً قيمة قصر على قناة أمستردام الكبرى.
لكن المضاربة على بصيلات النبات لم تتمتع بقدر من الثقة العميقة لدى المستثمرين ورؤوس الأموال، إلى أن حدث الانهيار في وقت مبكر من عام 1637، عندما ثارت الشكوك حول ما إذا كانت الأسعار ستستمر في الارتفاع بالفعل لمثل هذا المنتج المتعلقة فرص نجاحه بشكل كبير بالوقت وحسن الرعاية.
وبين عشية وضحاها تقريباً، وقع انهيار سوق زهور التيوليب في هولندا، ما أدى إلى خسارة ثروات طائلة ودمار مالي للعديد من العائلات الهولندية.
إذ أعلن المشترون أنهم لا يستطيعون دفع السعر المرتفع المتفق عليه مسبقاً لبصيلات التيوليب، وانهار السوق.
وفي حين أن هوس التيوليب وانهيار سوقه النهائي لم يضر بالاقتصاد الهولندي بشكل دائم، استمرت بعض الأضرار الجانبية لعقود.
ففي أوروبا حتى اليوم، غالباً ما يُستشهد بما بات يُعرف "هوس التيوليب" الهولندي في القرن السابع عشر كمثال على الجشع والإفراط والهوس المالي والرغبة في التسلق الطبقي.