أنهوا حياته على كرسي كهربائي وأعلنوا براءته بعد 70 عاماً! قصة الطفل الذي أعدمته العنصرية الأمريكية

عربي بوست
تم النشر: 2023/05/09 الساعة 12:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/09 الساعة 12:23 بتوقيت غرينتش
كان عمر جورج 14 عاماً عين أُعدم صعقاً/ وكيبيديا

كان عُمر جورج ستيني 14 عاماً، ويعيش حياةً طبيعية وسط عائلةٍ صغيرة، حين ذهبت الشرطة في إحدى الليالي إلى منزل الطفل بغياب والديه. اختبأت أخته الصغرى في حظيرةٍ خلف المنزل وهي تكاد تموت من الخوف، حين قيّدت الشرطة أخاها واقتادوه بعيداً.

لا الطفلة، ولا الأم أو الأب، رأوا الطفل بعد تلك الليلة؛ وخلال أقلّ من شهرٍ، جرت فيه محاكمة جورج ستيني بشكلٍ سريع ومثير للريبة، صدر الحكم بإعدامه على كرسي كهربائي، رغم عدم وجود أدلة مادية كافية تُدينه.  

أُغلقت القضية وخسرت عائلة ستيني ابنها، الذي كان أصغر شخص يُعدم في الولايات المتحدة خلال القرن 20. وبعد أكثر من 60 عاماً، تبيّن أن جورج كان مظلوماً عندما أعلنت إحدى محاكم ولاية كارولينا الجنوبية إلغاء الحُكم وتبرئة الفتى. 

فما هي تهمة جورج ستيني؟

وُلد جورج ستيني جونيور يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول 1929 في مدينة "بينوود" بولاية كارولينا الجنوبية. وقد عاش حياته القصيرة في مدينة "ألكولو" الصناعية (Alcolu)، أين كان يعمل والده بورشةٍ لإنتاج الحطب.

كانت والدته عاملة في أحد مطاعم المدينة الصغيرة، أما هو فقد كان "تلميذاً نجيباً وهادئاً يحب الاعتناء بالحديقة والحيوانات"، بحسب ما جاء في مجلة Jeune Afrique الفرنسية.

عاش جورج ستيني في فترة كانت فيها العنصرية بأوجها في الولايات المتحدة. فقد كانت المدارس في مدينة "ألكولو" منفصلة بين ذوي البشرة البيضاء والسمراء، وكانت قطارات سكك الحديد تفصل بين بيوتهم. "السمر" في جهة، و"البيض" في الجهة المُقابلة.

في تقريرٍ نُشر عام 2014، أشارت صحيفة The Guardian البريطانية إلى أنه كان يُطلق على كنيسة جرين هيل "الكنيسة السوداء"، فيما كانت كنيسة كلارندون على الجانب الآخر من سكة الحديد تُسمّى "الكنيسة البيضاء".

بدأت القصة في 23 مارس/آذار 1944، حين وُجدت جثتا طفلتين من ذوي البشرة البيضاء في حفرةٍ على بُعد دقائق من "الكنيسة السوداء" داخل خندقٍ رطب. باتي جون بنيكر (11 عاماً) وماري إيما تيمس (7 سنوات).

جورج ستيني مع الطفلتين المتهم بقتلهما/ غلاف كتاب صدر عام 2020 عن الجريمة
جورج ستيني مع الطفلتين المتهم بقتلهما/ غلاف كتاب صدر عام 2020 عن الجريمة

كانت الفتاتان تتجولان على متن دراجتيهما، بحثاً عن الزهور، قبل أن تقع الجريمة. وقد أقرّ الشهود بأن المرة الأخيرة التي شوهدتا فيها، كانت حين مرّتا أمام منزل ستيني وتحدثتا إلى طفليه جورج وآيمي. 

وقد جاء في اعترافات آيمي نفسها أن الطفلتين سألاهما -هي وشقيقها جورج ستيني- ما إذا كانا يعرفان مكان تواجد أحد أنواع الزهور الذي كانتا تبحثان عنه. 

لم تعد باتي وماري إلى منزلهما خلال ذلك اليوم. وبعد بحث الأهالي، ومن بينهم والد جورج ستيني، ظهرت الجثتان بجُمجُمتين متهشمتين في اليوم التالي، وقد تعرّضتا للضرب بسلاحٍ بدائي صلب، قيل إنه مسمار تثبيت قضبان السكك الحديدية.

اعتقال جورج ستيني بظروفٍ مريبة

بعد العثور على جثتي الفتاتين، انتشرت روايتان لقصة مقتلهما. الأولى تُشير إلى أن جورج ستيني تبع الفتاتين بعدما توقفتا أمامه، وضربهما حتى الموت بواسطة المسمار. 

أما الثانية، والتي لا تزال يُهمس بها حتى اليوم، فتقول إن الطفلتين توقفتا أيضاً أمام منزل عائلة "بيضاء" معروفة في المنطقة، وطلبتا من ربة المنزل (زوجة صاحب إحدى ورش إنتاج الحطب) ما إذا كان بإمكانها مرافقتهما في الجولة.

وفي تلك اللحظة، وصل ابنها في شاحنته وعرض على الفتاتين أخذهما إلى المكان الذي يمكنهما فيه العثور على نوع الزهور الذي يبحثان عنه، فركبتا معه الشاحنة. 

تمّ تجاهل الرواية الثانية بشكلٍ مريب؛ وقد أشار موقع ati الأمريكي إلى أن شرطة مقاطعة كلاريندون داهمت منزل ستيني في المرة الأولى التي سمعت فيها من شاهد عيان أن الفتاتين تحدثتا إلى جورج. 

وسرعان ما قيّد رجال الشرطة يديه، واستجوبوه لساعاتٍ في غرفة صغيرة من دون حضور والديه، أو محامٍ، أو حتى شهود. وما لبثوا أن أعلنوا أن جورج ستيني جونيور اعترف بقتل بنيكر وتيمس، بعد فشل خطته لممارسة الجنس مع إحداهما.

كما كتب ضابط شرطة يُدعى "نيومن"، في بيانٍ بخط اليد: "لقد أَلقيتُ القبض على صبي اسمه جورج ستيني. ثم قدّم اعترافاً وأخبرني أين أجد قطعة من حديد، يبلغ طولها حوالي 15 بوصة، قال إنه وضعها في حفرة على بُعد 6 أقدام من الدراجة". 

جورج ستيني (الثاني لجهة اليمين) خلال اقتياده إلى غرفة الإعدام/ وكيبيديا
جورج ستيني (الثاني لجهة اليمين) خلال اقتياده إلى غرفة الإعدام/ وكيبيديا

في صباح اليوم التالي للحادث، نشرت الجرائد المحلية خبر اعتقال الطفل جورج جونيوس (بدلاً من جونيور) بخطأ في الاسم مُتفق عليه، وبيان الاعتراف بجريمتي القتل والاعتداء الجنسي، رغم أن التقارير الطبية للجثتين أكدتا أن الطفلتين لم تتعرضا للاعتداء الجنسي.

في ذلك الوقت، كانت ولاية كارولينا الجنوبية قد حدّدت سن الرشد بـ14 عاماً للذكور، فكان جورج ستيني جونيور بنظر قانون الولاية مسؤولاً عن أفعاله، وبالتالي أصبح مُشتبهاً بارتكابه جريمة القتل.

هيئة محلفين "من البيض" ومحامٍ مشبوه 

استغلت شرطة مقاطعة كلاريندون قانون سنّ الرشد، واعتبرت أنه ليس من واجبها إخبار والدَي جورج ستيني جونيور بمكان احتجازه، في ظلّ انتشار شائعات مفادها أنه تعرّض للضرب المبرح المُفضي إلى الموت.

بقيت حالة الغموض مسيطرة على مصير جورج ستيني حتى حلول موعد محاكمته، بعد شهرٍ واحد من تاريخ وقوع الجريمة. لم يعرف والداه عنه شيئاً خلال هذه الفترة. 

وبحسب جريدة New York Times الأمريكية، فإنّ المحامي المعيّن من طرف المحكمة لم يقم "تقريباً بأي شيء" للدفاع عن موكله جورج ستيني جونيور.

محكامة ستيني دامت ساعتين فقط/ الصورة من تويتر
محكامة ستيني دامت ساعتين فقط/ الصورة من تويتر

فخلال المحاكمة التي دامت ساعتين فقط، لم يستدعِ المحامي تشارلز بلودن الشهود، كما لم يقدّم أي دليل للتشكيك حول فرضية اتهام موكله. فالدليل الوحيد الذي استُند إليه في إدانة ستيني كان "اعترافاته"، بغياب أي وثيقة مكتوبة تؤكد اعترافه.

جرت المحاكمة من دون حضور والديه، اللذين كانا يخشيان تعرّضهما للاعتداء من قِبل الجمهور الغفير الذي حضر إلى قاعة المحكمة ومحيطها، وبلغ عدده ما يقارب 1500 شخص، وجميعهم من ذوي البشرة البيضاء.

هيئة المحلفين كانت مُشكّلة من "البيض" فقط، وقد أعلنت بعد جلسة مداولة دامت 10 دقائق فقط أن جورج ستيني جونيور مُذنب، مع عدم التوصية بالرأفة. فأصدرت على الفور إحدى محاكم مقاطعة كلاريندون حكم الإعدام بحقه صعقاً بالكهرباء، يوم 24 أبريل/نيسان 1944. 

تم تنفيذ الحكم في 16 يونيو/حزيران على كرسي كهربائي، بصعقٍ قوته 2400 فولت، داخل غرفة الإعدام في سجن ولاية كارولينا الجنوبية؛ رغم احتجاج النقابات الاجتماعية التي طلبت من حاكم الولاية (أولين جونسون) منح جورج ستيني العفو.

كيف فُتحت القضية بعد 69 عاماً؟  

كانت عائلة ستيني واثقة من براءة ابنها، لاسيما شقيقته الصغرى آيمي التي كانت برفقته يوم وقوع الجريمة، لكن فقر الحال وهاجس العنصرية منعا العائلة من استرداد الحق المعنوي. فطُويت القضية حتى العام 2009.

في ذلك العام، أي بعد 65 عاماً، قرر مؤرخ محلي يُدعى جورج فرايرسون البحث في تفاصيل الجريمة. كان فرايسون قد نشأ هو الآخر في مدينة "ألكولو"، وتذكّر القضية بعد مقالٍ صغير نُشر في صحيفة محلية.

مشهد الإعدام من فيلم Carolina Skeletons (عام 1991) الذي يروي قصة إعدام جورج

بحث فرايسون كثيراً خلف ملف القضية، وقد صرّح لاحقاً بأنه كلما بحث أكثر، اقتنع ببراءة جورج ستيني. 

أثار بحثه اهتمام محاميين اثنين في كارولينا الجنوبية، ستيف ماكنزي ومات بيرجس، فتعاونا معه للتكفل بقضية عائلة ستيني، ورفعا التماساً في أكتوبر/تشرين الأول 2014 لإعادة فتح قضية الطفل جورج وإلغاء الحكم الصادر بحقه.

قدّم المحاميان أدلة جديدة تضمّنت تصريحات تحت القسم من آيمي، شقيقة جورج ستيني، تؤكد من خلالها أنها كانت مع جورج يوم اختفاء الفتاتين. كما شهد سجينٌ كان مع جورج في السجن قبل إعدامه أن الأخير أكد له أنه أُجبر على الاعتراف بارتكاب الجريمة.

استغرق الحكم في المرة الثانية 4 أضعاف ما استغرقه في المرة الأولى؛ وفي 16 ديسمبر/كانون الأول 2014، ألغت القاضية كارمن تيفس مولن إدانة جورج ستيني بالقتل، ووصفت عقوبة الإعدام بحقه بأنها "ظلمٌ كبير".

تحميل المزيد