صاحب رواية Planet Of The Apes.. “بيير بول” العميل الفرنسي الذي تحوّل فجأة إلى كاتب عالمي

عربي بوست
تم النشر: 2023/05/05 الساعة 15:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/05 الساعة 15:12 بتوقيت غرينتش
كانت حياة بول صاخبة جداً قبل أن يتحوّل إلى روائي/ الصرة من تويتر

يُعتبر بيير بول (Pierre Boulle) واحداً من أشهر الروائيين الفرنسيين، بفضل روايتيه الشهيرتين The Bridge on the River Kwai (عام 1952) وPlanet Of The Apes (عام 1963) اللتين تحوّلتا إلى فيلمين سينمائيين نالا مجموعة من جوائز الأوسكار.

ولكن ما قد لا يعرفه كثيرون أن بيير بول، وقبل أن يُصبح كاتباً معروفاً، فقد عمل مهندساً كهربائياً ومزارعاً في جنوب شرق آسيا قبل أن يشارك في الحرب العالمية الثانية؛ كجندي في الجيش الفرنسي أولاً، ثم عميل مُكلّف بتجنيد المقاومين لتحرير الهند الصينية.

فمن هو بيير بول؟ 

وُلد في فبراير/شباط 1912 بمدينة أفينيون-جنوب فرنسا، من عائلة برجوازية كاثوليكية. والده (إيجان بول) محامٍ بارع وناقد مسرحي ينشر مقالاته في إحدى الصحف المحلية، فيما كانت والدته (جوليات ماري تيريزسيغين) ابنة عائلة تملك مطبعة لنشر الكتب.

عاش بيير بول طفولة هادئة وسعيدة، إلى جانب شقيقتيه سوزان ومادلين، تلقى خلالها تعليمه الابتدائي والثانوي على ضفاف نهر "الرون"، قبل أن ينجح في امتحان الدخول إلى المدرسة العليا للكهرباء في العاصمة الفرنسية، باريس.

عندما تخرّج في المدرسة العليا بشهادة مهندس في العام 1933، كان والد بول قد توفي بعد معاناة مع مرض بالقلب، فباعت العائلة منزلها الريفي؛ ما اضطره للعيش حياةً أقلّ من عادية، بالقرب من والدته الأرملة وشقيقتيه.

وبحسب موقع جمعية أصدقاء عمل بيير بول، فإن الروائي الفرنسي لم يتردد في قبول عرض العمل الذي تلقاه في العام 1936 من شركة بريطانية، للعمل في مزرعة للمطاط بماليزيا.

فقد شكّل الأمر بالنسبة إليه فرصة كبيرة للهروب من حياته الروتينية، خاصة أن عمله الجديد سيكون وسط الطبيعة التي لطالما عشقها وأمضى فيها وقتاً مع والده.

تقع تلك المزرعة على بعد 50 ميلاً من كوالالمبور، عاصمة ماليزيا، التي كانت في ذلك الوقت مستعمرة بريطانية. وقد عمل فيها لـ3 سنوات، اكتشف خلالها ثقافات جديدة وتقاليد وطقوساً دينية جديدة. 

مسقط رأس بيير بول في أفينيون/ وكيبيديا<br>
مسقط رأس بيير بول في أفينيون/ وكيبيديا

الحرب العالمية الثانية غيّرت حياته 

في خريف 1939، وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية، كان بيير بول لا يزال في ماليزيا. فتطوّع للمشاركة في صفوف الجيش الفرنسي، وتوجه إلى الهند الصينية (فيتنام وكمبوديا ولاوس حالياً) التي كانت مستعمرة فرنسية، وانضمّ إلى أحد معسكرات سايغون (عاصمة فيتنام) قبل أن يتمّ إرساله إلى المنطقة الحدودية ما بين لاوس وتايلاند.

ولكنه بعد أن تطوّع في الجيش الفرنسي لمحاربة ألمانيا النازية، وجد نفسه في مأزقٍ بعد انهيار القوات الفرنسية بأوروبا أمام ألمانيا عام 1940، خصوصاً أن بلاده أصبحت محتلة من طرف ألمانيا ولها رئيس جديد هو الماريشال بيتان. فأصبحت تلقائياً كل المستعمرات الفرنسية، بما فيها الهند الصينية، تابعة لألمانيا.

تمرّد بيير بول على فكرة أن فرنسا أصبحت تابعة لألمانيا النازية، والتحق في العام 1941 بحكومة فرنسا الحرة التي أسّسها شارل ديغول في المنفى، لمواصلة القتال ضد ألمانيا.

كانت خطة ديغول تقضي بإنشاء خلايا للمقاومة في الأراضي الفرنسية المحتلة، ومستعمراتها في إفريقيا وجنوب شرق آسيا.

ووفقاً لصحيفة Le Monde الفرنسية، فقد نجح بول في الاتصال بأحد ممثلي حكومة فرنسا الحرة داخل القاعدة العسكرية البريطانية في بسنغافورة، يُدعى فرانسوا جيرو دو لونغلات، الذي كان يعمل هو الآخر في إحدى المزارع الماليزية الكبرى.

انضمّ بيير بول رسمياً إلى قوات فرنسا الحرة خلال أغسطس/آب 1941، تحت إمرة فرانسوا جيرو. 

وبحسب ما جاء في موقع Babelio الفرنسي، فإنه حصل بعد ذلك على جواز سفرٍ بريطاني مزوّر يحمل اسم "بيتر جون رال"، وكُلّف بمهمة ضدّ القوات اليابانية -المتحالفة مع ألمانيا- كما أُرسل إلى الصين للتحضير من أجل تكوين مقاومة لتحرير الهند الصينية.

تغيّرت حياته مع اندلاع الحرب/ الصورة من تويتر
تغيّرت حياته مع اندلاع الحرب/ الصورة من تويتر

التحوّل المفاجئ إلى كاتبٍ روائي

في العام 1942، ألقت القوات الفرنسية الموالية لحكومة الماريشال بيتان القبض على بيير بول في الهند الصينية، وحُكم عليه بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة. 

ولكنه نجح في الهروب من سجن سايغون في العام 1944، والتحق بالوحدة العسكرية "136" التابعة لمديرية العمليات الخاصة البريطانية (SOE) في جنوب شرق آسيا، بمدينة كالكوتا الهندية.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في صيف 1945، عاد بيير بول إلى فرنسا حيث تم تقليده بعدة ميداليات وأوسمة شرفية من قِبل الجنرال ديغول، نظير مشاركته في تحرير بلاده، لكنه لم يتأخر كثيراً في السفر مُجدداً إلى ماليزيا.

بقي بيير بول في ماليزيا 3 سنوات أخرى، شعر خلالها بكثير من الملل، بعدما قارن حياته الجديدة بتلك التي عاشها خلال الحرب العالمية، ما جعله يقرر فجأة إحداث تغييرٍ جذري في حياته والتحوّل إلى كاتبٍ روائي.

وعن هذا التحول، ذكر بول أنه اتخذ القرار في لحظة جنون. وفي رسالةٍ كتبها بخط يده يوم 16 مايو/أيار 1988، وأرسلها إلى أحدٍ رُمز لاسمه بـ"ج.ل"، ردّ على سؤال هذا الأخير حول سبب قراره التحوّل إلى مؤلف روايات. 

وقال بيير: "السبب الرئيسي هو أنني لم أكن مهندساً جيداً، وأني استغرقت وقتاً طويلاً لأدرك أنني اتخذت مساراً لم يكن يعجبني. وفي اليوم الذي كنتُ فيه مقتنعاً تماماً بهذا الأمر، فإني بمجرد نزوة (أو لحظة من الجنون)، قررت فجأة أن أتبع الدافع الذي كان يدفعني إلى الكتابة".

هذه الرسالة معروضة حالياً للبيع بسعر 650 يورو على الموقع التجاري الفرنسي  Autographes، المتخصص في بيع المخطوطات التاريخية التي كتبتها الشخصيات الفرنسية، لا سيما تلك التي عاشت في القرون الوسطى وعصر النهضة والعصر الحديث.

بعدما اتخذ بيير بول قراره الحاسم، عاد للعيش في فرنسا سنة 1950، فاستقر في البداية داخل غرفة بأحد الفنادق في الحي اللاتيني بالعاصمة الفرنسية، قبل أن ينتقل لبعض الوقت ويعيش مع شقيقته مادلين.

وبالموازاة مع ذلك، بدأ حياته الجديدة ككاتب روايات المغامرات والخيال العلمي، التي حقق بعضها شهرة عالمية كبيرة، بعد تحويلها إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية.

عاد إلى باريس عام 1950 واستقرّ فيها حتى وفاته/ مواقع التواصل
عاد إلى باريس عام 1950 واستقرّ فيها حتى وفاته/ مواقع التواصل

ألّف بيير بول كتابه الأول في العام 1950، تحت عنوان "ويليام كونراد"، يروي فيه حياة جاسوس ألماني من أصول بولندية، مُندس داخل الطبقة الراقية للمجتمع البريطاني قبل بداية الحرب العالمية الثانية، وتم تكليفه بمهمة استخباراتية في جنوب شرق آسيا.

وقد تميز بول بتأليف ما معدّله كتاب واحد في السنة الواحدة، حتى وفاته يوم 30 يناير/كانون الثاني 1994. 

نشر كتابه الثاني "تدنيس مقدسات الملايو" سنة 1951، وهو يروي الكثير من الأحداث الحقيقية التي عاشها بيير شخصياً خلال فترة إقامته الأولى في مزرعة إنتاج المطاط بماليزيا.

The Bridge on the River Kwai نقلته إلى العالمية 

في العام 1952، نشر بيير بول روايته The Bridge on the River Kwai التي تُرجمت إلى عدة لغات، والتي تتناول جزءاً من حياته الحقيقية في الهند الصينية، ولكن أحداثها الرئيسية تدور في معسكرٍ ياباني لأسرى من الجيش البريطاني في جنوب تايلاند.

وخلال هذا المعسكر، يُجبر الأسرى على بناء جسرٍ خشبي على نهر كواي حتى يتسنى للجيش الياباني نقل قطاراته عبره خلال الحرب العالمية الثانية. ورغم عملية التصميم والبناء المتينة، فإن الأسرى خططوا لتفجيره.

حققت الرواية شهرةً لا مثيل لها، خصوصاً حين تمّ تحويلها إلى فيلمٍ سينمائي في العام 1957 أخرجه البريطاني دافيد لين وأنتجه الأمريكي النمساوي سام شبيغل، وقام بأدوار البطولة فيه كل من: أليك غينيس، وسيزو هاياكاوا، وويليام هولدن، وجاك هوكنز، وجيفري هورن.

قُدّرت ميزانية الفيلم بـ3 ملايين دولار، وكان رقماً خيالياً في ذلك الوقت، فيما حقق إيرادات ضخمة وصلت إلى 27.2 مليون دولار. وقد قامت شركة "كولومبيا بيكتشرز" الأمريكية بتوزيعه حول العالم.

حصد الفيلم الكثير من الجوائز العالمية الكبيرة، أبرزها 7 جوائز أوسكار سنة 1958، لـ: أفضل فيلم (سام شبيغل)، أفضل مخرج (دافيد لين)، أفضل ممثل (أليك غينيس)، أفضل تصوير (جاك هيديارد)، أفضل مونتاج (بيتر تايلور)، أفضل موسيقى لفيلم سينمائي (مالكولم أرنولند)، إضافةً إلى جائزة حصدها بيير بول عن فئة أفضل سيناريو مقتبس.

ولبيير بول رواية ثانية أكثر شهرة نشرها في العام 1963، وكانت من نوع الخيال العلمي تحت عنوان Planet Of The Apes.

تحكي قصة 3 رجال يستكشفون كوكباً بعيداً مُشابهاً للأرض، تهيمن عليه القردة الكبيرة والذكية، بينما يتم اختزال البشرية إلى حالة الحيوان. تلقي القردة القبض على أحد الرجال الثلاثة، "أوليس ميرو"، فيجد نفسه محبوساً في مختبر ليثبت ذكاءه ويساعد علماء القردة على اكتشاف أصول حضارتهم.تم تحويل هذه الرواية أيضاً إلى عدة أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية، تحمل الاسم نفسه، أشهرها الفيلمان الأمريكيان اللذان أُنجزا سنة 1968 من بطولة شارلتون هيستون، وسنة 2011 من إخراج تيم بورتون.

تحميل المزيد