انعكاس للواقع أم دعاية انتخابية؟ إلى أي مدى يمكن الوثوق بنتائج استطلاعات الرأي قبيل الانتخابات؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/05/05 الساعة 18:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/05 الساعة 18:50 بتوقيت غرينتش
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان / shutterstock

يترقب كثيرون بفارغ الصبر نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا لعام 2023، ويستبق البعض الأحداث باللجوء إلى استطلاعات الرأي للتنبؤ بالرئيس القادم للبلاد. لكن إلى أي مدى يمكن الاعتماد على هذه الاستطلاعات في التنبؤ بنتائج الانتخابات؟ وهل هي انعكاس للواقع ورأي الشارع حقاً أم أنها قد تكون مجرد دعايات انتخابية ممولة؟ 

هل يمكن الوثوق باستطلاعات الرأي في الانتخابات؟

قبل الحديث عن الانتخابات التركية على وجه الخصوص، دعونا نستعرض أولاً مدى فاعلية وموثوقية استطلاعات الرأي كمبدأ عام. 

هناك العديد من الأمثلة حول العالم التي أثبتت أنه لا يمكننا الاعتماد على  استطلاعات الرأي فقط للتنبؤ بنتائج الانتخابات أو غيرها من استفتاءات الرأي العام. 

على سبيل المثال، أدى فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، وكذلك قرار المملكة المتحدة مغادرة الاتحاد الأوروبي، إلى زعزعة ثقة الجمهور باستطلاعات الرأي التي توقعت فوز هيلاري كلينتون برئاسة أمريكا، وأوضحت ميلاً شعبياً واضحاً ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. 

لكن لماذا فشلت استطلاعات الرأي تلك في إعطاء نتائج دقيقة؟

وفقاً لما ورد في pewresearch، هناك العديد من العوامل التي جعلت استطلاعات الرأي غير دقيقة تماماً، ففي حالة الانتخابات الأمريكية على سبيل المثال، شملت تلك الاستطلاعات الطلاب الجامعيين والمثقفين بشكل رئيسي، والذين كانوا يميلون بشكل أكبر إلى هيلاري كلينتون، كذلك لم تُصَمَّم تلك الاستطلاعات بحيث تأخذ بعين الاعتبار آراء الناخبين المترددين الذين حسموا أصواتهم في نهاية المطاف لصالح دونالد ترامب. 

وبعيداً عن الحالة الأمريكية غالباً ما تتضمن استطلاعات الرأي كثيراً من الثغرات التي تعطي في النهاية نتائج غير دقيقة ولا تعكس الواقع وضمن ذلك: 

المحدودية الجغرافية: قد يجرى أحد استطلاعات الرأي في منطقة جغرافية محددة ذات توجه سياسي معين، وتُهمل باقي المناطق، ومن ثم ستعطي في هذه الحالة نتيجة غير واقعية على مستوى الدولة ككل، ولو كانت واقعية على مستوى المنطقة أو الولاية. 

طبيعة الأسئلة: أحياناً تتلاعب بعض الجهات المنظمة لاستطلاعات الرأي بصياغة الأسئلة لتحصل على النتائج التي ترغب فيها، وتستخدم استطلاع الرأي كنوع من الدعاية الانتخابية لناخب معين بدلاً من أن يكون أداة لمعرفة الرأي العام، وفقاً لما ورد في موقع brookings

محدودية العينة المشاركة في الاستطلاع: بعض استطلاعات الرأي تشمل عينة محدودة من جمهور الناخبين، ومن ثم من الطبيعي ألا تعكس الواقع بدقة. 

"تأثير العربة": من الانتقادات الموجهة لاستطلاعات الرأي أنها تخلق ما يسمى "تأثير العربة"، وبناءً عليه قد يحجم الناس عن التصويت في حال لاحظوا تقدم مرشحهم في استطلاعات الرأي، فقد يشعر كثيرون بأنه لا داعي للإدلاء بصوتهم طالما أن مرشحهم سيفوز في كل الأحوال، وقد رجح المحللون أن هذا ما حدث وقت الانتخابات الأمريكية عام 2016، إذ اطمأن الناخبون إلى حتمية فوز هيلاري كلينتون، لذلك لم يهتم كثيرون منهم بعملية التصويت. 

AA\ استطلاعات الرأي
AA\ استطلاعات الرأي

استطلاعات الرأي في الانتخابات التركية 2023

يعتبر البعض أن استطلاعات الرأي الحالية قبيل الانتخابات التركية دليل على محدودية فعالية هذه الاستطلاعات، فحتى الآن لدينا استطلاعات متضاربة جداً. بعضها رجح فوز الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، وبعضها الآخر رجح فوز منافسه كمال كليجدار أوغلو. 

على سبيل المثال، أظهر استطلاع رأي أجراه مركز "ORC" للأبحاث بأنقرة، أن كمال كليجدار أوغلو سيفوز على منافسه أردوغان بنسبةٍ قدرها 49.3%. 

لكنّ عضو البرلمان التركي عن حزب العدالة والتنمية أمر الله إيشلر، قال في حديث مع "الجزيرة" عن هذه الاستطلاعات، إنه "تم إجراؤها بدعم وتمويل مادي من المعارضة"، مشككاً في صحتها ومعتبراً إياها مجرد دعاية انتخابية قامت بها معسكر المعارضة، بهدف التأثير على آراء الناخبين على حد تعبير إيشلر، الذي أضاف أن هذه الاستطلاعات لا تعكس الواقع. 

وبالفعل تُظهر استطلاعات رأي على الضفة الأخرى، أن الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان سيفوز على منافسه بنسبة تفوق تلك التي حققها خلال الانتخابات السابقة، أي توجد توقعات بأن نسب فوزه ستتخطى حاجز 52%. 

أنواع استطلاعات الرأي في تركيا 

هناك شركات متنوعة تقوم بمهمة إجراء استطلاعات الرأي في تركيا، ويمكن تصنيف هذه الشركات إلى ثلاث فئات: 

الفئة الأولى: هي الشركات التي لا يظهر نشاطها إلا في فترة الانتخابات التركية، ويرجح أنها شركات تنشر الاستطلاعات فقط للتأثير على الرأي العام. 

الفئة الثانية: هي شركات متخصصة وموجودة في هذا المجال منذ سنوات طويلة، مع ذلك نلاحظ أنها تكون في جميع استطلاعاتها منحازة إلى حزب سياسي معين. 

الفئة الثالثة: شركات مستقلة تتبع منهجيات بحث واضحة في استطلاعاتها، وهي أقل عدداً في تركيا. 

وتجرى هذه الاستطلاعات عادة عن طريق الهاتف أو الإنترنت، أو المقابلات الشخصية وجهاً لوجه. 

ووفقاً للباحث في الشأن التركي، سعيد الحاج، فإن غالبية شركات استطلاع الرأي مسيسة، هدفها التأثير على الناخبين، كما أن معظمها يفتقر إلى الخبرة المهنية في هذا المجال.  

فوائد استطلاعات الرأي

على الرغم من كل ما سبق، يجد كثيرون أن استطلاعات الرأي لا تزال مجدية وتحمل بعض الفوائد حتى لو فشلت في التنبؤ بالفائزين بالانتخابات، فوفقاً لما ورد في موقع theweek، تشمل بعض هذه الفوائد ما يلي: 

مقياس أفضل من وسائل التواصل الاجتماعي: تعتبر استطلاعات الرأي طريقة أكثر فاعلية للحصول على آراء الناخبين أو معرفة مخاوفهم بشأن القضايا الرئيسية التي تواجهها الدولة. وعلى الرغم من أن مصادر البيانات الأخرى مثل وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن توفر بعض المعرفة لفك تشفير سلوكيات الناخبين، فإنها من غير المرجح أن تكون مصدراً جيداً للتنبؤ بنواياهم أو بنتائج الانتخابات، وفقاً للمحللين السياسيين. 

تقلل من النخبوية: بدون استطلاعات الرأي، فإن النخب من النقاد والصحفيين ستسيطر بشكل ملحوظ على الخطاب العام في الفترات التي تسبق الانتخابات، إذ يمكن أن تكون توقعاتهم وتعليقاتهم موجهة لجماهير الناخبين، على اعتبارهم الوحيدين الذين يحتلون المنابر خلال هذه الفترة. ووفقاً لبعض المحللين، فإن استطلاعات الرأي تمنح الناس فرصة للتحدث عن أنفسهم بدلاً من السماح لنجوم الإعلام فقط بالتحدث نيابة عن الجميع، كما تمنح صوتاً للأشخاص الذين لا يمتلكون عادةً إمكانية الوصول إلى وسائل الإعلام.

مساعدة التصويت الاستراتيجي: في الأساس تم ابتكار استطلاعات الرأي لمساعدة الناخبين الحائرين في صقل قرارهم. إذ يمكن لاستطلاعات الرأي تزويد الناخبين بمعلومات قيّمة تسمح لهم بالتصويت بشكل استراتيجي.

تحميل المزيد