تتميّز الجزائر بالعديد من الوجهات السياحية الساحرة، فهذا البلد الواقع شمال إفريقيا والذي يلقّب بالدولة القارة لمساحته الشاسعة، يحتوي على عدة مناطق سياحية، فمن يحبّ الاستمتاع بالبحر وسحر الشواطئ يجد في الجزائر مئات الشواطئ الخلابة التي تتعاقب على طول أزيد من 1200 كلم، ومن يريد الاستمتاع بسحر الصحراء فالجزائر تحتوي على واحدةٍ من أكبر صحاري العالم وأجملها، أمّا من يريد السياحة الطبية في الجزائر، فلابد له من زيارة "حمام المسخوطين" أو ما يسمى بحمام الدباغ الواقع بولاية قالمة شرقي الجزائر.
هذا الحمام الطبيعي الذي يتكون من ينابيع ساخنة تتجاوز حرارتها 96 درجة مئوية، وتعتبر الثانية عالمياً بحرارتها بعد ينابيع أيسلندا، له قصص أسطورية لا تزال متداولة بين الجزائريين وزوّار هذا الحمام العجيب.
إذ جذبت الصخور متعددة الألوان من الحجر الجيري للحمام والبخار الصاعد منها والذي يُرى من عدة أميال، آلاف الزوّار، ومنذ عصر الإمبراطورية الرومانية التي احتلت المنطقة وشيّدت الحمامات المعدنية بالمكان، لا تزال مرافق تلك الحمامات والتي أقامها الرومان مستخدمة حتى يومنا هذا.
ثاني أعلى الينابيع حرارة في العالم
حمام المسخوطين هو في الواقع مجموعة من 10 ينابيع ساخنة مختلفة تنبع من وادٍ واحد، ويبلغ معدل التدفق الإجمالي لهذه الينابيع الحرارية 1650 لتراً في الثانية: أي حوالي 100 ألف لتر في الدقيقة، كما يوجد في الموقع أيضاً تشكيلات عديدة من الأشكال المخروطية المنحوتة على الصخر الجيري.
ويعود تكوين المنطقة الجيولوجي إلى نحو 150 مليون سنة، وارتبطت بالحركة التي تكوّنت إثرها الجبال المحيطة به؛ مثل جبل دباغ الذي تحمل المدينة اسمه اليوم، وقد شهدت المنطقة العديد من التغيرات التي شكلت المرتفعات والمنخفضات والجبال والبراكين والحركات الزلزالية.
وعلاوة على درجة حرارتها البالغة 98 درجة مئوية وهو الأمر الذي جعلها ثاني أعلى الينابيع حرارة في العالم؛ إذ يمكنك أن تغلي البيض في قنوات التدفق، تتميّز مياه حمام المسخوطين، بكونها مياهاً مشبعة بالمعادن مثل الحديد وكربونات الكالسيوم، هذه المعادن والحرارة العالية جعلت هذا الحمام مستشفى طبيعياً لمن يعانون من أمراض مثل الروماتيزم والتهاب المفاصل.
سر تسميته الغريبة بحمام المسخوطين
تعدّدت الروايات بشأن تسمية هذا الحمام المعدني بـ"المسخوطين"، ففي إحدى الروايات الشعبية تعزو التسمية إلى سخط وغضب الله، إذ تقول الأسطورة إن قبيلة كانت تسكن موقع الينابيع كان يقودها أميرٌ يدعى سيدي أرزاق، سُحر هذا الأمير بجمال أخته يامنة، وقرر الزواج منها، رغم معارضة كل القبيلة.
فمسخ اللّه كل من حضر حفل الزفاف، وتحوَّل العروسان والحضور إلى صخور، وهذا ما يفسّر حسبهم الصخور المخروطية المنحوتة بقلب شلالات حمام المسخوطين، إضافةً إلى وجود مكانٍ بالقرب منه يسمى منطقة "العرايس".
الرواية الثانية، أكثر منطقية، وتعود إلى فترة الفتح الإسلامي والعهد العثماني؛ حيث كان الناس يتداوون بمياه الحمّام الساخنة، ويستعملون في علاجهم المسك والطين، حتى صار يسمى الحمام بحمام المسك والطين.
وفي فترة الاحتلال الفرنسي، حرّف الفرنسيون التسمية إلى حمام المسكوتين، وهذا بالنظر لصعوبة نطق الكلمتين بشكل صحيح باللغة الفرنسية، قبل أن يحوّر بعد الاستقلال إلى حمام المسخوطين.
بعثة إنجليزية استكشافية اختفت أثناء استكشاف ما بباطن حمام المسخوطين
الأسرار المدفونة تحت ينابيع حمام المسخوطين، دفعت المستكشفين الأجانب إلى محاولة تفسير لغز هذا المنبع الحار، خصوصاً بعد ظهور بحيرة باطنية ظهرت بعد انفجار مهول، خلال الفترة الاستعمارية، وبلغ طولها خمسين متراً وعرضها ثلاثين متراً.
وأثناء الحرب العالمية الثانية قامت بعثة بريطانية برحلة استكشافية لأغوار كهوف حمام المسخوطين، لكنها اختفت بعد ذلك في ظروف غامضة، ويعتقد السكان المحليون أن ما يوجد داخل البحيرات الجوفية هم من كانوا وراء هذه الحادثة الميتافيزيقية.