ظهر جهاز كشف الكذب الأكثر استخداماً وشهرة "البوليغراف"، عام 1921 على يد شرطي أمريكي اسمه جون لارسون، والذي درس علم النفس أيضاً، بغرض الكشف عن حقيقة ما يقوله المتهمون في بعض الجرائم. واعتمد ذلك الجهاز على مراقبة استجابات فسيولوجية لاكتشاف ما إذا كان الشخص كاذباً أم لا.
بينما قدمت العديد من الأفلام شخصيات تستطيع خداع جهاز كشف الكذب، فالحقيقة ليست بهذه البساطة، خاصة مع التطور الكبير الذي شهده هذا المجال، وظهور أجهزة وتقنيات متطورة جداً تكشف أدق التفاصيل والتغييرات الجسدية على الشخص الذي يخضع للأسئلة أو التحقيق.
كيف يعمل جهاز كشف الكذب "البوليغراف"؟
بالنسبة للجهاز الأكثر شيوعاً "البوليغراف"، فهو يعتمد على قياس عدة أشياء مثل: معدل التنفس،
معدل النبض، ضغط الدم، وترشح العرق، وفي بعض الأحيان يسجل جهاز كشف الكذب أشياء مثل حركة الذراع والساق.
عندما يقوم الشخص بإجراء اختبار كشف الكذب يتم توصيل 4 إلى 6 أجهزة استشعار به. وتسجل الإشارات المتعددة من أجهزة الاستشعار على شريط من الورق، وفي الوقت الحالي أصبحت الاشارات تُعرض على شاشة الكومبيوتر، ويقوم بقراءتها وتحليلها شخص مختص.
عندما يبدأ اختبار كشف الكذب يسأل المحقق أو المسؤول عن الاستجواب 3 أو 4 أسئلة بسيطة بعيدة عن القضية، يطلق عليها "أسئلة التحكم"، لتسجيل إشارات الشخص بالوضع الطبيعي عندما يكون صادقاً. وفي بعض الأحيان يُطلب من المتقدم للاختبار الكذب عمداً، ثم تُطرح الأسئلة الحقيقية.
يقوم جهاز كشف الكذب بتسجيل إشارات الشخص الحيوية خلال الاستجواب، ويمكن للخبير المسؤول عن الجهاز قراءة تلك الإشارات واكتشاف أي تغيير فيها، ومقارنتها مع الإشارات التي سجلها في أسئلة التحكم، مثل تسارع معدل ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم وزيادة التعرق، وهو ما يحدث عندما يكون الشخص يكذب.
ولأن الأشخاص المختلفين يتفاعلون بشكل مختلف مع الكذب، فإن اختبار كشف الكذب ليس مثالياً ولا يمكن أن تكون النتيجة حاسمة 100%. ولذلك لا يتم الأخذ بنتائج هذا الاختبار كدليل إدانة أو براءة في معظم المحاكم حول العالم مع بعض الاستثناءات.
وبحسب جمعية علم النفس الأمريكية، استند تطوير تقنيات "جهاز كشف الكذب" على أفكار حول الأداء الفسيولوجي، ولكنها كانت، في الغالب، مستقلة عن البحث النفسي المنهجي.
واعتقد المنظرون الأوائل أن الخداع يتطلب جهداً، وبالتالي يمكن تقييمه من خلال مراقبة التغيرات الفسيولوجية. لكن مثل هذه المقترحات لم يتم إثباتها ولا تزال الأبحاث الأساسية محدودة بشأن طبيعة الخداع.
وعلى الرغم من انتقاد أجهزة كشف الكذب، من قبل العديد من المؤسسات، مثل الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم، ودار التقييم التكنولوجي الأمريكي، وجمعية علم النفس الأمريكية، لكون نتائجها غير حاسمة 100%، إلا أنها لا تزال تُستخدم اليوم في بعض عمليات الاستجواب وحتى في عمليات التوظيف في بعض المناصب الحساسة.
النصائح حول طرق خداع جهاز كشف الكذب ليست فعالة دائماً!
على الرغم من وجود العديد من المقالات والفيديوهات حول كيفية خداع جهاز كشف الكذب، لكن معظمها غير فعال على الإطلاق؛ لأن محاولة الغش في الاختبار تتطلب بعض التلاعب الجاد وحتى بعد تطبيقها أنت تخاطر أن تُتهم بالكذب حتى عند قولك الحقيقة.
بعض النصائح تعتمد على أن تحافظ على هدوئك ومعدل نبضات قلبك وإشاراتك الحيوية حتى وإن كنت تكذب، وهو أمر لا يستطيع معظم البشر فعله خاصة مع التوتر المصاحب لعمليات التحقيق.
بينما تعتمد معظم النصائح الأخرى على أن تقوم بخداع الجهاز في بداية الاستجواب، بأن تكون متوتراً عن عمد، عندما يسجل الجهاز إشاراتك الحيوية في البداية مع "أسئلة التحكم"، حينها سوف يسجل توترك على أنه وضعك الطبيعي عندما تكون صادقاً، وحين تكذب لم يكون هناك فارق كبير.
نصائح أخرى تقترح استخدام الألم لتغيير ضغط الدم؛ على سبيل المثال أن تعض لسانك أو وضع أي شيء حاد في حذائك. وأن تبدو هادئاً رغم ذلك، المشكلة أن الألم الناتج عن القيام بذلك سيؤدي إلى ارتفاع معظم المؤشرات الحيوية الأخرى لديك، ومن المحتمل أن تُقرأ إجابتك على أنها كاذبة حتى وإن كانت صادقة.
بالإضافة إلى أن النصيحة لن تكون فعالة؛ لأن بعض المحققين أو الأشخاص الذين يقومون بالاستجواب هم أناس مدربون على قراءة لغة الجسد وملاحظة أبسط التغيرات، واكتشاف الكذب دون الاعتماد على نتائج جهاز كشف الكذب.
لذا فالخلاصة أنت تستطيع التشويش على النتائج وجعلها غير حاسمة، لكنك على الأغلب لن تستطيع خداع الجهاز بالكذب في إجاباتك وظهورها إجابات صادقة، إلا في حالات نادرة للغاية.
أجهزة وتقنيات حديثة تكتشف الكذب بشكل أكثر دقة
يعمل الباحثون وشركات التكنولوجيا في جميع أنحاء العالم على تطوير المزيد من أنظمة كشف الكذب عالية التقنية. للحصول على نتائج أكثر دقة من تلك التي يقدمها "البوليغراف".
في جامعة إيراسموس في هولندا مثلاً، يستخدم فريق من الباحثين، جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي لتحديد ما إذا كان شخص ما يكذب أو يغش. من خلال البحث عن تغيرات في الدماغ في عمليات المسح أثناء الرد على الأسئلة.
بينما قدم فريق من الباحثين في "جامعة تل أبيب" طريقة جديدة للكشف عن الكذب. ويدعي الفريق أن برنامجهم وخوارزميته التي تعتمد على تتبع أدق حركات عضلات الوجه، تكتشف الكذب بدقة 73%
ويقول القائمون على هذه التقنية: "من الصعب جداً عليك إخفاء كذبة بهذه التكنولوجيا".
أحد أنظمة كشف الكذب عالية التقنية المستخدمة بالفعل هو EyeDetect من شركة Converus ومقرها ولاية يوتا. تركز هذه التقنية على حركات العين اللاإرادية لاكتشاف الأكاذيب.
يقول الموقع الرسمي للشركة إنه جهاز كشف الكذب من الجيل التالي، ويقيس التغييرات الطفيفة في سلوكيات العين لاكتشاف الأكاذيب. والنتائج دقيقة بنسبة 88%، مع اختبارات مدتها 30 دقيقة أو اختبارات تشخيصية مدتها 15 دقيقة.
وتقول شركة Converus، على موقعها الإلكتروني، إن تقنيتها استخدمت بالفعل في اختبارات الوظائف في هيئات إنفاذ القانون الأمريكية، وفي امتثال الشركات ومنع الخسائر في أمريكا اللاتينية، والتحقق من المستندات في أوكرانيا.
بينما يستخدم مركز استشاري في فلوريدا تقنية EyeDetect لـ"تحديد إن كان الأزواج غير المخلصين أو من يُعالجون من إدمان الجنس صادقين عند الكشف عن تفاصيل سوء السلوك الجنسي".
وتسوق الشركة لاستخدام هذه التقنية في التطبيقات الأمنية مثل مراقبة مرتكبي الجرائم الجنسية وقول الحقيقة في سيناريوهات مراقبة الحدود.
وتقول شركة Converus أيضاً إنه يمكن استخدام أداتها في سيناريوهات الاستخبارات المتعلقة بالتجسس والإرهاب والتهريب.