في جزيرة جورنجا سيجا، على طول نهر الدانوب بين صربيا وكرواتيا، توجد قطعة أرض تسمى ليبرلاند (أرض الحرية)، والتي تبلغ مساحتها ثلاثة أميال مربعة، ولا يوجد فيها إلّا كوخٌ صغير وبعض الحجارة والأشجار التي تلّف قطعة الأرض، كما أنّ الوصول إليها لا يتمّ سوى عبر طريق وحيد وهو عبارة عن مسار ترابي متعرج ضيق، لكنّ الأغرب من ذلك هو أنّ هذه الأرض لا يمتلكها أحد ولا يطالب بها أحد، وذلك بعدما رفضت كل من صربيا وكرواتيا السيطرة عليها.
هذه الحالة جعلت ليبرلاند ينطبق عليها أحد القوانين الدولية، الذي بموجبه يصبح لأي أحد حق الادعاء بملكية هذه الأرض وبناء دولة مستقلة فيها، وهو الأمر الذي حدث مع السياسي التشيكي التحرري فيت جيدليكا، الذي قام بتأسيس إحدى أصغر الدول في العالم على هذه الأرض، ورسم لها علمها الخاص الذي حمل شعار النبالة، ونشيدها الوطني الخاص وعملتها الرقمية الخاصة.
قصة أرض ليبرلاند التي لا يمتلكها أحد
في أواخر القرن الـ19، كان مسار نهر الدانوب الذي يشقّ الإمبراطورية النمساوية المجرية، والتي كانت تضمّ كلاً من صربيا وكرواتيا، متعرجاً، وبات من الصعب على القوارب الكبيرة التنقل فيه، لذلك قام المسؤولون بتنفيذ عملية هندسية لتوسعة النهر، من أجل تسهيل عمليات الملاحة والتنقل في النهر، لكن هذه العملية الهندسية سببت نشوء أربع قطع أرض كبيرة متصلة بالجانب الصربي، وأصبحت قطعة أرض صغيرة من صربيا على الجانب الكرواتي.
بعد تفكّك الإمبراطورية النمساوية المجرية، عقب نهاية الحرب العالمية الأولى، وجدت كل من صربيا وكرواتيا نفسيهما ضمن حدود دولةٍ جديدة هي يوغوسلافيا، والتي انهارت بدورها سنة 1990.
في تلك الأثناء، وجد الصرب والكروات أنفسهم دولتين منفصلتين جغرافياً، بسبب نهر الدانوب الذي يقسم جغرافيا البلدين، وعندها برزت القطعة الصغيرة التي نتجت عن عملية توسعة نهر الدانوب، كجزءٍ من الصراع الحدودي بين صربيا وكرواتيا.
تسببت عملية توسعة نهر الدانوب في خسارة كرواتيا نحو 100 كيلومتر مربع من أراضيها، والتي أصبحت صربية، في حين خسر الصرب 30 كيلومتراً مربعاً فقط.
ورغم أنّ قطعة الأرض التي ولدت عليها جمهورية ليبرلاند كانت في الأصل أرضاً كرواتية، وتقع في حدودها، إلّا أنّ الكروات رفضوا السيادة عليها، لأنّ كرواتيا لا تعترف بالحدود الحالية، وإنّما تطالب بالعودة إلى الحدود الأصلية لنهر الدانوب قبل توسعته.
الأمر نفسه مع صربيا، التي يعني اعترافها أو المطالبة بها خسارتها للقطع الأربع التي كسبتها بعد توسعة نهر الدانوب، وهكذا بقيت تلك القطعة الأرضية بدون سيادة من أحد منذ سنة 1990.
سياسي تشيكي أقام دولة على هذه الأرض التي لا يطالب بها أحد
في صيف عام 2015، وبينما كان يتصفح شبكة الإنترنت، وجد فيت جيدليكا، وهو سياسي من جمهورية التشيك مقالةً على موقع ويكيبيديا تخص الدول المنبوذة والمحايدة، وقرأ عن أرض Liberland، فأتته فكرة إنشاء دولته الخاصة على هذه الأرض.
لم ينتظر السياسي التشيكي كثيراً، ليعلن في 13 أبريل/نيسان 2015، عن ميلاد جمهورية Liberland في الأرض الفاصلة بين كرواتيا وصربيا، وأعلن نفسه رئيساً لها، وذلك وفقاً لصحيفة theguardian البريطانية.
في اليوم التالي لإعلان الاستقلال، أصدرت الحكومة الصربية بياناً أعلنت فيه أن ولادة جمهورية ليبرلاند "عمل تافه"، بينما اعتبر الموقف الرسمي لكرواتيا أن جمهورية ليبرلاند "مزحة".
مع ذلك واصل فيت جيدليكا، الذي وصل إلى ليبرلاند سرياً ووضع العلم الخاص لها، والذي صممه ووضع عليه شعار النبالة، جهوده من أجل كسب الاعتراف الدولي.
700 ألف شخص يريدون العيش في Liberland!
ولأنّ من شروط تأسيس الدوّل كان امتلاكها للشعب والسكان الذين يعيشون على ترابها، قام فيت جيدليكا بإنشاء موقعٍ إلكتروني لقبول المواطنين على أرض ليبرلاند، بحسب ما جاء في مقالٍ لـBBC.
في الأسبوع الذي أعقب إعلان Liberland عن إنشائها، ودعوة السكان المحتملين للعيش فيها، تلقى فيت جيدليكا حوالي 200 ألف طلب جنسية- واحد كل ثلاث ثوان- من كل بلد تقريباً في العالم، وسرعان ما وصلت لأكثر من 700 ألف طلب.
جاء أكبر عدد من المسجلين للحصول على جنسية ليبرلاند من مصر، بنحو 82 ألفاً و167 طلباً، ثمّ تركيا، الجزائر والمغرب وتونس. وجاءت جمهورية التشيك في المرتبة السابعة، تليها الولايات المتحدة، ثم كان العراق والأردن.
وبحلول يونيو/حزيران من العام ذاته، كان رئيس جمهورية ليبرلاند قد منح حوالي 130 جنسية فقط على أنها جنسيات فخرية، ومعظمها لمن أظهر التزاماً أكبر بقضية الدولة الحديثة.
شروط الإقامة والمواطنة في Liberland الوحيدة هي أن المتقدمين يحترمون الحقوق الفردية والآراء والملكية الخاصة، وليس لديهم سجل إجرامي أو خلفية حزبية نازية أو شيوعية.
لدى ليبرلاند عدد من السفارات ومكاتب التمثيل لها في دول يقارب عددها الخمسين، كالولايات المتحدة، وبريطانيا، وتركيا، وفرنسا، وتونس وليبيا وجارتها صربيا. وتقدم Jedlicka رئيس ليبرلاند المزعوم بطلب للحصول على عضوية ليبرلاند في الأمم المتحدة، ولكن تم رفض الاعتراف.