لم يعودوا يصنعونها مثل السابق.. لماذا أصبحت بعض أجهزتنا المنزلية أقل عمراً من الأجهزة القديمة؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/04/03 الساعة 23:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/03 الساعة 23:11 بتوقيت غرينتش
تلف الأجهزة المنزلية الحديثة بسرعة/ shutterstock

معظم الأشخاص من كبار السن سيخبرونك بأن الأجهزة المنزلية القديمة أو أي أدوات أخرى امتلكوها سابقاً، صُنعت لتدوم فترة طويلة جداً وتمتعت بمتانة أكبر، مقارنة بالأجهزة المنزلية الحديثة، التي لا يكاد ينتهي عمرها الافتراضي حتى تتعطل. وهو أمر يكاد ينطبق على كل شيء من الأجهزة الإلكترونية الدقيقة، إلى الأشياء العادية مثل الأحذية. 

يربط البعض هذه الظاهرة باجتماعٍ حدث قبل نحو 100 عام في سويسرا، بين كبار مصنعي المصابيح الكهربائية حينها، وقرارهم تقليل العمر الافتراضي للمصابيح الكهربائية؛ من أجل دفع المستهلكين إلى شراء مزيد منها، وبالتالي استمرار الإنتاج، وهو المفهوم الذي يطلق عليه "التقادم المخطط له".

قبل الأجهزة المنزلية الحديثة كانت المصابيح الكهربائية وفكرة "التقادم المخطط له"

عام 1880 اخترع توماس إديسون مصابيح كهربائية مناسبة للإنتاج التجاري على نطاق واسع. واعتمدت مصابيح أديسون على خيوط الكربون التي تتوهج عند مرور التيار الكهربائي داخلها، وكانت تلك الخيوط أكثر سمكاً بثماني مرات من المصابيح الكهربائية التي تم تصنيعها بعد 30 عاماً تقريباً وعمر افتراضي قدر بأكثر من 2500 ساعة أو أكثر. 

 التقادم المخطط له
"اللمبة المئوية" من أقدم اللمبات على وجه الأرض والتي مازلت تعمل منذ عام 1901 / Wikimedia Commons

ومع ازدياد الطلب على تلك المصابيح بشكل كبير في بداية عشرينيات القرن الماضي، أصبحت الشركات المصنعة تبيع أعداداً كبيرة من تلك المصابيح تقدَّر بالملايين، ولكن بعد فترة بدأ الطلب ينخفض بشكل كبير، والسبب هو أن المصابيح الكهربائية كانت ذات جودة عالية، وعمرها الافتراضي طويل جداً، وبالتالي لن يحتاج الناس لشراء المزيد.

وهو ما دفع كبرى الشركات حول في العالم إلى عقد اجتماع بسويسرا عام 1924م، للاتفاق حول طريقة تضمن استمرار المبيعات ومستقبل صناعة المصابيح الكهربائية. فكونَت تلك الشركات اتحاداً عُرف بـ"كارتل الفيبيس" أو "Phoebus cartel".

خفض "الكارتل" تكاليف العمل واتفقوا على توحيد متوسط ​​العمر الافتراضي للمصابيح الكهربائية عند 1000 ساعة فقط بعد أن كانت تدوم لأكثر من 2500 ساعة، ورفع الأسعار دون خوف من المنافسة، فيما وُصف بأنه "مثال كلاسيكي على "التقادم المخطط له". وأدى ذلك الاتفاق إلى تغيير طريقة صناعة المصابيح الكهربائية للأبد، وعُرف بـ"مؤامرة المصباح الكهربائي".

طابعات لا تعمل وهواتف ذكية تتعطل.. أمثلة حديثة على التقادم المخطط له 

على الرغم من مرور عدة عقود على "مؤامرة المصباح الكهربائي" وفكرة "التقادم المخطط له"، هناك أمثلة حديثة على استمرار مثل هذه الطريقة بشكل متعمد، ومثال ذلك ما حدث مع طابعات شركة كانون "canon" طراز "Canon S520 / 600 / 6xx" عام 2004.

التقادم المخطط له
تلف الأجهزة المنزلية الحديثة بسرعة/ shutterstock

اكتشف أحد المستهلكين تلف أجزاء حيوية في الطابعة وسعر إصلاحها أو استبدالها يعادل سعر طابعة جديدة من الطراز نفسه، وأن ذلك المكون كان يصاب بالعطل تقريباً مع انتهاء فترة الضمان، ودفعت الشركة تسوية بلغت مليون دولاراً.

يقول مايلز بارك، كبير المحاضرين بجامعة نيو ساوث ويلز في التصميم الصناعي، إن "بعض الناس قد يؤيدون النظرية القائلة بأن الشركات المصنعة تعمد إلى بناء (تقادم مخطط له) في منتجاتها، أي إنهم يصممون منتجات حتى لا تدوم".
ويضيف مايلز: "عادةً ما يتم الإشارة إلى شركة Apple باعتبارها واحدة من الشركات التي تمارس (التقادم المخطط له)، ولقد واجهت شركة آبل مشكلة منذ بضع سنوات، حيث تم اتهامها بتقليل سرعة أجهزة آيفون مع نفاد البطارية، وهو ما كان يُنظر إليه على أنه وسيلة لدفع الناس إلى استبدال الهواتف بطراز أحدث".

بعض الأسباب وراء سرعة تلف الأجهزة المنزلية الحديثة قد تكون معقولة

ليست كل الأجهزة التي تتلف بسرعة أو كون عمرها الافتراضي قصيراً مقارنة بالأجهزة المماثلة المصنوعة قبل عقود، صنعت بمتانة أقل، بسبب "التقادم المخطط له"، ولكن هناك أسباب أخرى قد تبدو معقولة ولها تأثير إيجابي حتى.

التقادم المخطط له
ليست كل الأجهزة التي تتلف بسرعة بسبب "التقادم المخطط له"/ shutterstock

فرغم أن الأجهزة القديمة غالباً ما تدوم فترة أطول وتتحمل الاستخدام الشاق، بسبب نوعية المواد المستخدمة في تصنيعها، فإنها لم تأخذ بعين الاعتبار التوفير في الطاقة الكهربائية مثلاً، كما أن الأجهزة المنزلية الحديثة أكثر تعقيداً من الأجهزة المنزلية القديمة، من حيث المكونات الدقيقة والإلكترونية المكونة لها، ما يعني زيادة نسبة تعطلها بشكل أكبر.
كما أن الشركات التجارية وفي الوقت الحالي تحاول إيجاد طرق لتقليل التكلفة أو تحسين بعض المواصفات، غالباً على حساب تقليل المتانة للمستخدم النهائي. وهو ما قد يكون سبباً في تلك الأعطال غير المتعمدة.

وأيضاً بسبب سياسة السوق المفتوح وسهولة نقل المنتجات من بلد لآخر، أصبح الطلب المتزايد على منتج ما،  يدفع العديد من الشركات للتنافس على إنتاج أرخص نسخة من تلك المنتجات، والتي يمكن أن تظل تعمل فترة معقولة فقط وليس إلى الأبد. وهذا المثال ينطبق على كل شيء؛ من الهواتف الذكية إلى السيارات.

وعلى الرغم من سلبيات "التقادم المخطط له"، فإننا لا نستطيع رفض هذه الممارسة دائماً. فعلى نطاق الاقتصاد، إنتاج مزيد من السلع وتصنيعها يعززان النمو ويخلقان كثيراً من الوظائف، علاوة على ذلك، فإن المنافسة في تصنيع الأجهزة المنزلية الجديدة، بهدف كسب عملاء جدد أو قدامى على حد سواء، سوف تميل إلى تشجيع الابتكار وإدخال مواصفات أفضل.

كما أن هذه المنافسة جعلت عدداً لا يحصى من السلع رخيصة الثمن، ومن ثم متاحة لأي شخص تقريباً حول العالم.

تحميل المزيد