خلصت دراسة حديثة إلى أن المحاسبين من بين أكثر المهنيين تأثراً بانتشار برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي، فقد وجد الباحثون أن هذه التكنولوجيا قادرة على القيام بنصف أعمال المحاسبة، أو أكثر، على نحو أسرع من قيام المحاسب بها، حسب ما نشرته صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
ووجدت الدراسة التي أجراها باحثون في جامعة بنسلفانيا الأمريكية وشركة OpenAI، التي ابتكرت أداة الذكاء الاصطناعي الشهيرة ChatGPT، أن الأمر نفسه يسري على علماء الرياضيات والمترجمين الفوريين والكتَّاب، ووظائف يشغلها نحو 20% من القوة العاملة في الولايات المتحدة.
فيما أثارت أداة ChatGPT منذ ظهورها قدراً كبيراً من الاهتمام والمخاوف في الشركات والمدارس والحكومات وبين الناس عموماً، لقدرتها على معالجة كميات هائلة من المعلومات وتوليد محتوى مطور عنها -وإن لم يكن بالضرورة دقيقاً وخالياً من التحيز- بناءً على طلبات المستخدمين.
أكثر المهن تأثراً بالذكاء الاصطناعي
ونشر الباحثون دراستهم على الإنترنت هذا الشهر، وقد اعتنوا فيها بفحص مدى تأثر المهن بالتقنية الجديدة، التي تعتمد في تشغيلها على نماذج اللغة الكبيرة القادرة على تحليل النصوص وتوليدها. وعمدوا إلى تحليل المهام الوظيفية التي يمكن أن يقلل تطبيق ChatGPT، والبرامج التي يُدمج فيها، من وقت إتمامها بنسبة 50% على الأقل.
توصلت الدراسة إلى أن هذه البرامج تتفوق في أعمال الترجمة والتأليف والكتابة الإبداعية والبرمجة. وخلص الباحثون إلى أن معظم الوظائف ستتأثر بدرجةٍ ما بظهور برامج الذكاء الاصطناعي، أي نحو 80% من الموظفين في المهن التي يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يؤدي مهمة واحدة فيها على الأقل بوتيرةٍ أسرع.
وزعم الباحثون أن المهنيين العاملين بمعالجة المعلومات؛ مثل متخصصي العلاقات الدولية ومراسلي المحاكم ومهندسي البلوكتشين (Blockchain engineers)، من أكثر المهنيين عرضة للتأثر ببرامج الذكاء الاصطناعي المماثلة. أما أقل المهنيين عرضة للتأثر بها، فهم الطهاة، والعاملون بميكانيكا الدراجات النارية، والعاملون المشغِّلون لآلات استخراج النفط والغاز.
فيما اعتمد الباحثون في دراستهم على قاعدة بيانات حكومية للمهن ومختلف الأنشطة والمهام المرتبطة بها، وعملوا هم وبرامج الذكاء الاصطناعي على فحص درجات تأثُّر الأنشطة والمهمات بظهور هذه التكنولوجيا.
قال مات بين، الأستاذ المساعد في جامعة كاليفورنيا، إن الدراسة لا تحدد المهن التي ستنتهي تأثراً بظهور هذه التكنولوجيا ولا المهنيين الذين سيفقدون وظائفهم، "فدراسة درجة التأثر بأي شيء لا تعني التنبؤ بطبيعة تغيره ولا مدى سرعة تغيره"، "فالبشر عادةً ما يقاومون التغيير الذي يضر بمصالحهم"، و"تطبيق التقنيات الجديدة غالباً ما يخضع لصيرورة تتضمن مفاوضات مكثفة ومقاومة"، ومزيجاً من "الرهبة والأمل".
ويرى بين أن مهمة الشركات والمدارس وصانعي السياسات هي مساعدة الناس على التكيف مع التكنولوجيا الجديدة؛ إذ "تحتاج هذه المهمة إلى مليارات الدولارات"، وهي تشمل تدريب العمال على التعاون بفاعلية مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وإعادة تصميم الوظائف على أسس تواكبها وتعزز استقلال القائمين على كثير من المهن، وتحفظ لهم أجورهم وآفاق مستقبلهم الوظيفي، لا سيما وأن كثيراً من الأفراد بدأوا بالفعل في استخدام هذه التكنولوجيا لتسريع وتيرة عملهم، على الرغم من تواصل المخاوف بشأن الأمان والدقة.
من جهة أخرى، خلصت دراسة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بين مجموعتين من المهنيين الحاصلين على تعليم جامعي، منهم مسوِّقون ومستشارو أعمال ومتخصصو موارد بشرية وغيرهم، إلى أن المجموعة التي استعانت ببرنامج ChatGPT أتمَّت أعمالها أسرع بنحو 10 دقائق من المجموعة الأخرى. وقد صدرت هذه الدراسة في مارس/آذار، ولم تخضع بعدُ لمراجعة الأقران.
وخلال الأسبوع الماضي، نشر باحثون في شركة مايكروسوفت، التي تستثمر مليارات الدولارات في شركة OpenAI، دراسةً اعتنت بتحليل قدرات الإصدار الأحدث ChatGPT 4، وخلصوا إلى أنه قادر على القيام بمزيدٍ من "المهمات الجديدة وحل المشكلات الصعبة" بقدرات تشابه "القدرات البشرية" في مجالات عدة، منها علم الرياضيات والبرمجة والطب والقانون وعلم النفس.