يضطر الكثير من الأشخاص إلى الجلوس في مكاتبهم لساعات طويلة من الوقت أثناء العمل، وهذا ما يؤثر على صحة العضلات والعظام، ولكن اكتشف الخبراء حلاً لتقليل الآثار الجانبية للجلوس لمدة طويلة، إذ أفادت دراسة جديدة من جامعة كولومبيا في نيويورك بأنَّ 5 دقائق فقط من المشي كل نصف ساعة يمكن أن تعوض بعض الآثار الضارة للجلوس لفترات طويلة.
5 دقائق من المشي كل نصف ساعة تقلل من آثار الجلوس لمدة طويلة
وفقاً للدراسة التي نشرتها مجلة Medicine & Science in Sports & Exercise الأمريكية، فسواء كان العمل من المنزل أو في المكتب، فإن الجلوس لفترات طويلة يرتبط بمجموعة من الآثار الصحية السلبية. على سبيل المثال، تشير دراسة أجريت عام 2017 إلى أن البقاء جالساً أثناء نوبة العمل كان مرتبطاً بالإرهاق أثناء النهار وارتفاع ضغط الدم والأمراض العضلية الهيكلية في أسفل الظهر والفخذين والكتفين.
للتقليل من تلك الآثار السلبية، قام فريق البحث، بقيادة كيث دياز الحاصل على درجة الدكتوراه، والأستاذ المساعد للطب السلوكي في كلية فاجيلوس للأطباء والجرّاحين في كولومبيا، باختبار خمس "وجبات خفيفة" مختلفة من التمارين الرياضية.
وبحسب healthnews، قام فريق البحث بتجنيد 11 بالغاً لإجراء البحث، بحيث جلس المشاركون على كرسي مكتب لمدة ثماني ساعات، وخرجوا من الكرسي فقط لإكمال مهمة المشي على جهاز المشي أو أخذ استراحة في الحمام. كما تم إعطاؤهم وجبات الطعام والسماح لهم بالعمل على جهاز كمبيوتر محمول أو القراءة.
كرّر فريق البحث التجربة خمس مرات، مع تمديد وقت الاستراحة، بما في ذلك عدم المشي، والمشي على جهاز المشي لمدة دقيقة واحدة كل 30 دقيقة، وخمس دقائق كل 30 دقيقة، ودقيقة واحدة كل 60 دقيقة، وخمس دقائق بعد كل 60 دقيقة من الجلوس.
قام الباحثون أيضاً بقياس ضغط الدم لدى المشاركين ومستويات السكر في الدم أثناء التجربة.
وجد الفريق أن أي قدر من المشي يقلل من ضغط الدم بمقدار 4-5 ملم زئبق مقارنة بعدم المشي. علاوة على ذلك، فإن المشي دقيقة واحدة كل 30 دقيقة يوفر بعض الفوائد لمستويات السكر في الدم.
بالإضافة إلى ذلك، تحسنت المزاج ومستويات التعب مع جميع مهام المشي باستثناء المشي دقيقة واحدة كل ساعة.
خلص فريق البحث إلى أنّ المشي لمدة 5 دقائق كل نصف ساعة يؤدي إلى أكبر قدر من الفوائد لمستويات السكر وضغط الدم. هذا المقدار من المشي يقلل أيضاً من ارتفاع نسبة السكر في الدم بعد الوجبات الكبيرة.
ونظراً لأن الدراسة تضمنت عينة صغيرة من المشاركين وخمسة أنظمة للمشي فقط، يقوم الفريق حالياً بالتحقيق في 25 نظاماً مختلفاً للمشي مع مجموعة متنوعة من الأشخاص.
قال كيث دياز في بيانٍ صحفي: "ما نعرفه الآن هو أنه من أجل صحة مثالية، عليك التحرك بانتظام في العمل، بالإضافة إلى ممارسة التمارين الروتينية اليومية".
وأضاف دياز: "على الرغم من أن هذا قد يبدو غير عملي، إلا أن النتائج التي توصلنا إليها تظهر أنه حتى كميات صغيرة من المشي تنتشر خلال يوم العمل يمكن أن تقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بأمراض القلب والأمراض المزمنة الأخرى".
جلوس أقل يمكن أن يكون مفيداً
هناك الكثير من الأبحاث التي خلُصت إلى أنَّ الجلوس لفترات طويلة؛ مثلما يحدث في أماكن العمل، يمثل خطراً على الصحة، حتى بالنسبة لأولئك الذين يمارسون الرياضة بانتظام.
وينصح الأطباءُ البالغين بالتحرك أكثر والجلوس أقل.
إذ يصاب الأشخاص الذين يجلسون لساعات طويلة بأمراض مزمنة بما في ذلك مرض السكري وأمراض القلب والخرف وأنواع عديدة من السرطان بمعدلات أعلى بكثير من الأشخاص الذين يتحركون طوال اليوم. كما أن نمط الحياة الذي يتسم بقلة الحركة يعرض الناس لخطر الموت المبكر بشكل أكبر. لكن مجرد ممارسة الرياضة يومياً قد لا يعكس الآثار الصحية الضارة للجلوس.
وبسبب التقدم التكنولوجي، فإن مقدار الوقت الذي يقضيه البالغون في البلدان الصناعية مثل الولايات المتحدة في الجلوس يتزايد باطراد لعقود.
إذ يقضي العديد من البالغين الآن معظم يومهم جالسين، وضاعفت جائحة COVID-19 من هذه المشكلة مع الهجرة الكثير من المؤسسات واعتمادها على نظام العمل عن بعد.
لذا فإنَّ السؤال المطروح هنا هو كيفية التخفيف من مدة الجلوس هذه أثناء حدوثه.
وفقاً للباحثين في الدراسة الجديدة، لم يكن هناك الكثير من الأبحاث التي تعطي العاملين في المكاتب إجابة مُرضية.
فوائد المشي خلال اليوم
يقول الخبراء إنه حتى المستويات الصغيرة من النشاط خلال يوم العمل تتراكم فوائدها.
قال الدكتور يو مينغ ني، اختصاصي أمراض القلب في معهد ميموريال كير للقلب والأوعية الدموية في مركز أورنج كوست الطبي في كاليفورنيا: "تُظهِر هذه الدراسة أنه حتى التحسينات الطفيفة في النشاط البدني يمكن أن يكون لها تأثيرات في نسبة السكر في الدم وضغط الدم".
وأضاف: "تذكر أنَّ التغييرات الصغيرة التي تحدث على مدى سنوات يمكن أن يكون لها تأثير دائم في الصحة. قد لا يبدو المشي لمدة خمس دقائق كل ساعة من العمل المكتبي كثيراً، لكن نتائجه تتراكم خلال يوم العمل".
وأشار: "على سبيل المثال، في يوم عمل مدته ثماني ساعات، يكون هذا بمثابة 40 دقيقة من النشاط البدني. وأضِف مشياً لمدة 15 دقيقة أثناء استراحة الغداء، وستحصل فجأة على ما يقرب من ساعة من النشاط البدني الإضافي كل يوم عمل. ومع هذه التغييرات الصغيرة، يمكن لأي شخص أن يحدث فرقاً في صحته، باستراحة مشي واحدة في كل مرة".
حتى الوقوف بدلاً من الجلوس يحدث فرقاً، وفقاً للدكتور ثيودور سترينج، رئيس قسم الطب في مستشفى جامعة ستاتن آيلاند في نيويورك.
قال سترينج لموقع Healthline: "الجلوس لفترات طويلة من الوقت يؤثر في الصحة العامة للفرد من نواحٍ كثيرة طفيفة. الوقوف والمشي لهما العديد من الفوائد للصحة الجيدة. مجرد الوقوف أمام المكتب والمشي، أو أيهما، يحرق المزيد من السعرات الحرارية على مدار اليوم. من الواضح أنَّ هذا يساعد في محاولة الحفاظ على الوزن".
وأضاف الدكتور سترينج أنَّ الوقوف والمشي يزيدان من تدفق الدم، خاصة إلى الساقين؛ مما يقلل من فرص الركود والتورم، بجانب أنه يساعد على استقلاب السكر والدهون ويمكن أن يساعد في التنفس.
وتابع سترينج: "الجلوس لفترات طويلة قد يؤدي أيضاً إلى مشكلات في الظهر وآلام. وتتمثل إحدى الفوائد الأخرى للوقوف أو المشي في الحفاظ على العضلات والأربطة والمفاصل رخوة وممتدة؛ مما يساعد في تخفيف أي ألم عضلي وتيبس، على عكس الجلوس".
كيفية ممارسة المشي أثناء العمل؟
هناك عدة نصائح للحفاظ على عادة المشي أثناء العمل، أبرزها:
1- استغل أي فرصة للمشي، فإذا كنت تسكن بالقرب من مقر عملك فحاول استخدام الدراجة أو المشي في الصباح الباكر لمكان العمل، أمّا إذا كان بعيداً وتحتم عليكِ ركوب السيارة أو الحافلة فحاولي ركن السيارة بعيداً عن المكتب أو النزول من الحافلة قبل محطتك الأخيرة لتمارس المشي لبضع دقائق، قبل الوصول لمكان العمل.
2- تجنب ركوب المصعد، وذلك باستخدام السلالم كبديل للمصعد في مكان عملك. أما إذا كنت تعمل في طابق مرتفع فيمكنك استخدام المصعد حتى طابق قريبٍ من مقر عملك ثم أكمل صعود بقية الطوابق على قدميكِ.
3- لا تجلسي طوال الوقت على الكرسي: حاول الحركة بشكل مستمر أثناء ساعات الدوام. فإذا أردت مثلاً الحديث مع أحد الزملاء، فلا تفكر أبداً في استخدام الهاتف، بل اذهب إلى مكتبه مباشرة.
4- المشي خلال الاستراحة، من المحطات الهامة خلال الدوام التي تقلل من آثار الجلوس الطويلة، فإذا كانت استراحتك لمدة ساعة فاستغل نصف ساعة منها على الأقل للمشي في الهواء الطلق بعد تناول الطعام سريعاً.