في واقعة يمكن أن يُطلق عليها ببساطة لقب "أسهل عملية سرقة سيارات في التاريخ"، تقف دولتان من أهم دول العالم في مواجهة غريبة أمام بعضهما البعض، ولا يبدو أن هناك أي حل يلوح في الأفق.
فبعد عقود طويلة من المماطلة، لا تزال السويد وكوريا الشمالية تتشاجران حول هذا الأمر بشكل سنوي، وهي العملية التجارية المعروفة باسم "صفقة سيارات الفولفو" التي تعود لسبعينيات القرن الماضي.
بداية القصة تعود لعقود طويلة مضت
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأت الدول في بناء نفسها مرة أخرى من الصفر تقريباً، وبالتالي كان لا بد من إعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، وكان السلام أولوية لدى الجميع.
وكان على أوروبا أن تعمل بجهد أكبر في هذا الشأن، حيث خلّفت الحرب ندوباً متعددة، وكثيراً من الارتباك والدمار للقارة، وبالتالي كانت بحاجة إلى مخرج.
وبعد قوانين ومساعٍ دولية في نبذ الكراهية ونسيان الخلافات وتغيُّرات الحدود، بدأت بعض الصناعات في التألق والانتشار عبر القارات، وكان لدى صانعي السيارات بشكل خاص فرصة مناسبة للهروب من الطرق القديمة لممارسة الأعمال التجارية.
حيث يمكن إعادة تشكيل آلاتهم بسهولة لصنع أنواع أخرى من المركبات وقطع الغيار لهم.
وبعد ما يقرب من عقدين من نهاية الحرب العالمية الثانية بلغت الحماسة أوجها في السويد، فكانت شركات صناعة السيارات تتطلع إلى تصدير أكبر عدد ممكن من السيارات، وكان الناس في دول مثل المملكة المتحدة وفرنسا والبرتغال والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وروسيا واليابان يكتشفون موثوقية وبراعة سيارات الفولفو، إلى أن تحولت عبارة "صنع في السويد" إلى ظاهرة.
العمل مزدهر
في خضم هذا النجاح الدولي، قررت شركة فولفو والحكومة السويدية أن كوريا الشمالية دولة موثوقة للقيام بأعمال تجارية، ورغم أن الدولة كانت تعتمد آنذاك على المساعدات الخارجية، فإنهم كانوا يشترون الآلات والمعدات الثقيلة من السويد؛ ما دفع إلى إنشاء أول سفارة لدولة غربية في كوريا الشمالية.
وبحلول عام 1975، أصبحت السويد أول دولة غربية تُنشئ سفارةً رسميةً لها في عاصمة كوريا الشمالية بيونغ يانغ.
توقيع الاتفاقية التجارية المشؤومة
نصَّت عقود الصفقة التجارية الموقَّعة مع كوريا الشمالية على شراء 1000 سيارة فولفو موديل 144، وأرادت الدولة الآسيوية الصغيرة التصميم الصلب والمظهر الأوروبي والاسم الشهير والمُعتمد.
ما لم تكن تعرفه شركة صناعة السيارات السويدية هو أن كوريا الشمالية لم تخطط أبداً لدفع ثمن الصفقة فعلياً. في المقابل قام السويديون، بحسن نية، بصناعة موديلات السيارات وشحنوها حسب العقد الموقع.
واستغرق الأمر عاماً كاملاً، لكنه تم، وتم توزيع السيارات على المقربين من الحكام في كوريا الشمالية، وأصبحت علامة على الصداقة الطيبة بين البلدين.
كانت سيارة الفولفو 144 سيارة سيدان رائعة في السبعينيات، وكانت جزءاً من سلسلة 140، والتي كانت تتألف من طرازٍ ذي بابين أو أربعة أبواب، وذلك قبل إيقاف تصميمها تماماً بحلول عام 1974.
وبالفعل، حققت السيارة نجاحاً كبيراً، لدرجة أنها صُنعت وصُدّرت في بلجيكا وكندا وأستراليا وماليزيا وجنوب إفريقيا، كان المظهر الجاد والمستقيم للسيارة العملية له أهمية كبيرة في ذلك الوقت.
ويبدو أنه لا يزال كذلك، إذ لا تزال كوريا الشمالية تمتلك السيارات التي سلمتها فولفو بين عامي 1972 و1973 حتى اليوم، بالرغم من ندرتها.
كوريا الشمالية ترفض دفع الثمن!
لم تتوقع السويد وفولفو عدم وفاء كوريا الشمالية بقيمة الصفقة، لهذا السبب انتظروا المال دون توجيه أي شكاوى أو مطالبات رسمية، ولم يبدأوا في السؤال عن الصفقة التي بلغت قيمتها 110 ملايين يورو، أي ما يعادل 124 مليون دولار، إلا بحلول عام 1976.
ومع ذلك، لم تستجب كوريا الشمالية للطلب، واتضح أنها لم تكن تنوي الدفع من الأساس، وحتى عام 2022، تُراسل السويد السلطات الحكومية لكوريا الشمالية، ويطلبون من بيونغ يانغ مرة كل سنتين أن تسدد ما يدينون به لها منذ السبعينيات.
ووفقاً لوزارة الخارجية السويدية، يبلغ الدين بقيمة الصرف اليوم حوالي 277 مليون يورو، أي 314 مليون دولار أمريكي، وهو المبلغ الذي سيستمر في الارتفاع ما لم يتم سداده.
من جانبها، لم تتعرض شركة فولفو لمشكلة بسبب هذا الحادث المؤسف، فقد دفعت الحكومة السويدية لشركة صناعة السيارات مستحقاتها بالكامل من الأموال العامة مقابل صفقة الـ1000 سيارة.