بداية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، حصل الفارس السعودي بدر الشراري على لقب الفارس الدولي، قد يبدو الأمر عادياً بالنسبة لشاب في الثلاثينيات من عمره وشغوف بالفروسية التي غيرت حياته، لكن ماذا لو علمت أن هذا البطل الذي فاز على الكثيرين كفيف؟
يتدرب الشراري الذي يبلغ من العمر 35 عاماً رفقة حصانه "ستار" ثلاث مرات أسبوعياً، منذ يونيو/حزيران 2021، حتى حصل على بطاقة فارس من الاتحاد السعودي للفروسية، مطلع الشهر الجاري، كأول فارس كفيف بالمملكة الخليجية، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية في تقرير لها، الأحد 19 فبراير/شباط 2023.
ثقة أكبر في النفس رغم الإعاقة
أكّد الشراري، الذي يعمل في قطاع البيانات في شركة خاصة، أنّ تجربته مع الخيل غيّرت حياته، وعزّزت بالفعل من قدراته. وقال وهو يرتدي بنفسه ملابس الفروسية، إنّ ركوب الخيل منحه "ثقة أكثر في النفس وقوة أكبر" لخدمة نفسه في الكثير من أموره الشخصية.
أضاف الفارس السعودي بدر الشراري الذي ارتدى بنطالاً ضيقاً أسود اللون، وقميصاً أزرق، واعتمر خوذة سوداء وهو يهمّ بركوب فرسه "كنت انطوائياً، ولم أكن أغادر المنزل كثيراً".
تابع وهو يشدّ اللجام ويسيطر بحزم على فرسه فوق المضمار الرملي المحاط بالنخيل "علاقتي مع الخيل كسرت حاجز الانطوائية، وأصبحت أختلط مع الناس أكثر". وأكّد بفخر "إذا كنت أستطيع ترويض الخيل فيمكنني أن أفعل أي شيء".
تحدي الفارس السعودي بدر الشراري
يقطع الشراري 140 كيلومتراً ذهاباً وعودة من منزله في حي طويق في غرب الرياض إلى مركز "مدهال"، لتعليم الفروسية في حي الرمال في أقصى شرق الرياض، بمساعدة من معاونه الأفغاني نسيم.
ولد الشراري كفيفاً كحال أمه وشقيقه الأصغر، لكنّه يقول "أحاول طوال عمري ألا تمنعني إعاقتي من الاستمتاع بالحياة".
بالفعل، يبدو الفارس السعودي بدر الشراري مستمتعاً ومنطلقاً فوق فرسه الإنجليزي، رغم برودة الجو في الصباح الباكر، وهو يؤدي مختلف حركات الفروسية قبل أن يستمع لتوجيهات مدربه المصري استعداداً للقفز فوق الحواجز.
خلال أربع محاولات، نجح الشراري في ثلاث منها في القفز من دون الاصطدام بالحواجز الخشبية. ويصيح مدربه المصري أبو محمود فرحاً "أترون كيف يقفز من دون ملامستها كأنه يراها؟!".
مكانة خاصة للخيل بين السعوديين
للخيل مكانة كبيرة لدى السعوديين، إذ يحرص الكثير منهم على تعليم أبنائهم الفروسية منذ نعومة أظافرهم، وكذلك امتلاك الخيول العربية الأصيلة.
فيما تنتشر مدارس لتعليم الفروسية في أرجاء المملكة الصحراوية، وبات الكثير منها حديثاً يخصّص دورات للمكفوفين والمصابين بالتوحد، لتعزيز قدراتهم الحركية والحسيّة.
بينما يشكل ذوو الإعاقة 7,1% من إجمالي سكان المملكة، البالغ عدد نحو 34 مليون نسمة، من بينهم 811 ألف شخص مصاب بإعاقة بصرية، بحسب أرقام هيئة الإحصاء الرسمية.
من بين هؤلاء عبد الرحمن العتيبي، وهو صديق دراسة الفارس السعودي بدر الشراري، انضم منذ ثلاثة أشهر لدورة تعلّم الفروسية.
قال الشاب البالغ 31 عاماً، الذي يعاني من ضعف شديد في البصر "بتُّ أعتبر الحصان أخاً لي". وتابع بتأثر: "أنا تغيرت من بعد الخيل، أصبحت اجتماعياً أكثر، وأندمج مع الناس أكثر، وأكوّن صداقات وعلاقات أكثر".
بعكس الشراري، يمكن للعتيبي تمييز الحواجز الخشبية، لكن ليس بشكل واضح تماماً، وهو ما كان يجعله يخشى السقوط أرضاً. واسترجع بدايته "كنت خائفاً من فقرة قفز الحواجز، كنت متردداً، لكن مع الوقت كسرت هذا الخوف".
كما أكّد العتيبي أنّه تجاوز الكثير من مخاوفه في حياته عموماً. وقال بثقة "الآن مثلاً أصبحت قادراً على التحرك بمفردي".
"الفروسية علاج" لتعزيز القدرات
بينما أوضح مدير مركز "مدهال" للفروسية، مشاري الذيابي، أنّ "الفروسية تعتبر علاجاً في تعزيز القدرات الذهنية والجسدية لدى الفارس، بغض النظر عن حالته".
تابع وهو يطالع تدريب الشراري والعتيبي أنّ "الكفيف لديه القدرة والعزيمة والإصرار على التعلم، لكنّ المجتمع يُشعرِه بأنه غير قادر".
بعدما أنهى تدريبه الذي استمر نحو ساعة، ترجّل الفارس السعودي بدر الشراري من فرسه من دون مساعدة، وضمّه وقبّله، قبل أن يطالع هاتفه النقّال عبر تطبيق للمؤثرات الصوتية.
نهاية الشهر الجاري، تنظم المملكة الخليجية الغنية "كأس السعودية" للفروسية، التي يبلغ مجموع جوائرها أكثر من 35 مليون دولار، وهي الأعلى في العالم.
حيث قال الفارس السعودي بدر الشراري الكفيف بحزم وهو يمسح عرقه: "طموحي أن أشارك يوماً في كأس السعودية في الفروسية، لِمَ لا؟".