أثار زلزال تركيا وسوريا العنيف مخاوف من وقوع موجات تسونامي مدمّرة، والتي كثيراً ما تنشط عقب وقوع الزلازل، وقد تُفاقم الدمار في المدن المنكوبة وتزيد من الخسائر في الأرواح والممتلكات.
ظهرت هذه المخاوف في منطقة البحر المتوسط، على خلفية تصريحاتٍ أطلقها رئيس مرصد الزلازل في تركيا، والذي قال إن "زلزال تركيا يُنذر بخطر تسونامي في المحافظات الساحلية"، لافتاً إلى أن أنقرة أخطرت 14 دولة بذلك، ومن بينها مصر.
رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية في مصر، جاد القاضي، نفى احتمالية حدوث أمواج تسونامي، خاصة أن زلزال تركيا وسوريا لم يكن مصدره البحر.
وأكد على كلامه الجيولوجي اللبناني طوني نمر، في حديثٍ إلى الأناضول، أشار فيه إلى أن ما يحصل الآن في لبنان من هزات أرضية يأتي في إطاره الطبيعي؛ لأن الفالق الذي كُسر في تركيا يبلغ طوله حوالي 350 كيلومتراً، وهي مساحة كبيرة جداً تعادل مساحة دولة بأكملها.
لكن، ما هو تسونامي؟
أحد أخطر الكوارث الطبيعية التي يمكن أن تقع وتسبب خسائر فادحة، وقد ينتج عنها غرق مدنٍ بأكملها. تفصيلياً، هو عبارة عن مجموعة من الأمواج العاتية التي تنشأ من تحرّك مساحة كبيرة من المياه، مثل المحيط.
تختلف أمواج هذه الظاهرة الطبيعية عن الأمواج البحرية العادية في السرعة والحجم والخسائر التي تنتج عنها. فتسونامي تمرّ، أثناء نشوئها، بـ3 مراحل: التولد، ثم الانتشار، والإغراق.
تتراوح سرعتها ما بين 500 و700 كلم، وقد تصل أحياناً إلى 850 كلم في الساعة، فيما يمكن أن يصل ارتفاعها إلى 40 متراً. والمدة الفاصلة بين موجتين عملاقتين يمكن أن تكون بضع دقائق أو عدة ساعات.
يؤثر تسونامي على عمود الماء بأكمله من السطح إلى قاع البحر. كلما كان المحيط أعمق، سافر تسونامي بشكلٍ أسرع. ففي المحيط المفتوح، يتحرك بسرعة تصل إلى 500 ميل في الساعة، مع تحرك عمود الماء بأكمله صعوداً وهبوطاً.
ولكن نظراً إلى أن المحيط عميق جداً، فإن الحركة الأولية للسطح طفيفة جداً؛ لدرجة أن أي شخص على متن قارب -في المنطقة نفسها التي يحدث بها تسونامي- لن يلاحظه. ولكن الكارثة تنتظر من هم على الشاطئ.
تتألف كلمة "تسونامي" من الكلمتين اليابانيتين "تسو" (الميناء) و"نامي" (موجة). وكما يدلّ معناها، فهي سلسلة موجات ضخمة أنشأتها اضطرابات تحت الماء، وغالباً ما تكون مرتبطة بالزلازل التي تحدث في أسفل -أو قرب- المحيط، لكن ليس دائماً.
يمكن لهذه الأمواج السفر لمسافاتٍ شاسعة. ففي عام 1960، ضرب تسونامي -ناجم عن زلزال بلغت قوته 9.5 درجة قبالة الساحل التشيلي الأوسط- الشواطئ في جميع أنحاء المحيط الهادئ، حتى في أماكن بعيدة مثل اليابان، حيث قتل 200 شخص بسبب اندفاع المياه.
هل تقع موجات تسونامي دائماً بعد الزلازل؟
غالباً ما تحدث هذه الأمواج بشكل رئيسي بسبب الزلازل، لكن يمكن أن يحدث كذلك لأسباب أخرى، مثل: الأنشطة البركانية، والانهيارات الأرضية الساحلية، والزلازل المائية، وحتى سقوط أجسام فضائية واصطدامها بالمسطحات المائية.
بمعنى آخر، ليس هناك ارتباط آلي بين شدة الزلزال وتسونامي، وإنما شدة الزلزال شرطٌ ضروري لوقوع تسونامي، مع العلم أنه ليس كافياً وحده. ولكن لا تتسبب كل الزلازل في حدوث تسونامي، فهناك 4 شروط لازمة لينتج الزلزال هذه الموجات المدمّرة، وهي:
- أن يحدث الزلزال تحت المحيط، أو نتيجة الانزلاقات الأرضية في المحيط.
- أن يكون الزلزال قوياً، بما لا يقلّ عن 6.5 درجة على مقياس ريختر.
- أن يحدث على عمقٍ ضحل، أي أقلّ من 70 كيلومتراً تحت سطح الأرض.
- أن يتسبب في حركة عمودية بالبحر (تصل إلى عدة أمتار) والتي تتسبب في نزوح الكتلة المائية.
وقد يحدث الزلزال في المحيط بسبب وجود حركة على الصدع؛ مما يسبب اضطراباً في مياه المحيط ينتقل على شكل موجات سريعة تتباطأ عند وصولها المناطق الضحلة قرب السواحل فيزداد ارتفاعها وتضرب الشواطئ بقوة.
ومن الممكن أن يدفع الانهيار الأرضي الذي يحدث على طول الساحل كميات كبيرة من المياه باتجاه البحر، الأمر الذي يتسبب في إخلال حركة المياه، وبالتالي توليد موجات تسونامي. ويمكن أيضاً أن تؤدي الانهيارات الأرضية تحت الماء إلى موجات، عندما تتحرك المواد العائمة جراء الانهيارات الأرضية بعنف، مما يدفع الماء أمامها.
كما قد تسبب الأنشطة البركانية العنيفة أيضاً اضطرابات في مياه المحيط، عندما تصل الصهارة (مع ما تحمله من حطام في طريقها) إلى مياه المحيط، والتي يمكن أن تحلّ مكان كمية كبيرة من المياه وتولد موجات تسونامي مدمرة للغاية في المنطقة المجاورة.
وعند حدوث نشاط بركاني عنيف، تندفع الصهارة والحطام بسرعة باتجاه المحيط، مما يسبب أيضاً اضطرابات وأمواج مدمرة.
أول تسونامي ضرب الأرض، وما الأكثر فتكاً؟
يحتفظ تاريخ البشرية بكتابات تصف ظواهر شبيهة بتسونامي أحدثت خسائر فادحة، منها مدٌّ بحري ضرب جزيرة كريت بالبحر المتوسط في القرن العشرين قبل الميلاد، ويُعتقد أنه كان السبب العميق لاندثار الحضارة المينوية التي نشأت مطلع العصر البرونزي، نحو عام 3 آلاف قبل الميلاد.
كان المؤرخ اليوناني توسيدايديس أول من ربط الزلازل تحت الماء بموجات التسونامي. غير أن فهم طبيعتها ظل غير واضح تماماً حتى القرن العشرين، ولا تزال حتى الآن محط اهتمام كثير من الأبحاث الجارية.
وقد تسببت أمواج تسونامي على مدى العقدين الماضيين فيما يقارب 10% من الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث، خاصة في البلدان الواقعة على المحيطين الهندي والهادئ.
عرفت شواطئ المحيط الهادي، خلال القرن الماضي وبداية هذا القرن، 796 حالة تسونامي ضربت 17% منها الشواطئ اليابانية. وعند تتبع جميع الحالات، يبدو أن ما حلّ بسومطرة عام 2004 كان الأشد فتكاً على مر التاريخ.
ففي 26 ديسمبر/كانون الأول 2004، وقع زلزالٌ تحت البحر وتمركز على مسافة من الساحل الغربي لجزيرة سومطرة الإندونيسية، وتسبب في حدوث موجات مدٍّ مدمّرة على طول سواحل اليابسة المطلة على المحيط الهندي.
ويُعتبر هذا الزلزال الأكثر مأساوية في التاريخ البشري الحديث، وقد بلغت قوته أكثر من 9 درجات على مقياس ريختر، وضربت أمواجه المدمرة إندونيسيا والهند وسريلانكا وتايلاند، مخلفةً نحو ربع مليون ضحية، أكثر من 170 ألفاً منها في إندونيسيا وحدها.
في التاريخ القديم، يُعتبر تسونامي 1755 هو الأكثر فتكاً. ففي الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، تسبب زلزال بقوة 8.5 درجات في سلسلة من 3 موجات ضخمة ضربت الساحل الغربي للبرتغال وجنوب إسبانيا.
وصل ارتفاعه إلى 30 متراً في بعض الأماكن، وقد قتل 60 ألف شخص في البرتغال وإسبانيا والمغرب. كما أثر على الأمواج حتى في خليج كارلايل، حيث أبلغ الناس عن أمواج يصل ارتفاعها إلى 1.5 متر.