هل تشعر بأنك لا تملك الوقت الكافي للقيام بأنشطة إضافية، مثل ممارسة الرياضة أو زيارة الأصدقاء أو الترفيه عن نفسك؟ على الرغم من ضغوطات العمل ونمط الحياة السريع الذي نعيشه جميعاً، بإمكاننا أن نخلق لأنفسنا وقتاً لفعل ما نحب باتباع بعض التكتيكات البسيطة التي سنعرفكم عليها في هذا التقرير:
وقت الفراغ والسعادة، ما العلاقة بينهما؟
قد تعتقد أنك قد تكون أكثر سعادة إذا كنت تملك وقت فراغ إضافياً، لكن ذلك قد لا يكون دقيقاً. فوفقاً لدراسة نُشرت عام 2021 في دورية "Personality and Social Psychology"، فإنَّ الحصول على وقت فراغ أطول لا يرتبط بالضرورة بشعور أكبر بالسعادة.
وجدت الدراسة، التي استندت إلى بيانات جُمعت من أكثر من 35 ألف شخص في الولايات المتحدة الأمريكية، أنَّ الحصول على القليل جداً من وقت الفراغ لن يؤدي إلى استنزاف طاقتك فحسب، بل قد يتسبّب أيضاً في تقويض إنتاجيتك. وفقاً للدراسة، فإنَّ المدة المثلى لوقت الفراغ تتراوح بين ساعتين و5 ساعات يومياً. ومع ذلك، اتضح أنَّ أوقات الفراغ الممتدة لفترات طويلة قد تكون سيئةً تماماً مثل أوقات الفراغ القصيرة للغاية. لم يُبلّغ المشاركون في الدراسة ممَّن حصلوا على فترات طويلة من أوقات الفراغ تجاوزت 5 ساعات، عن مستويات سعادة ورفاهية أعلى كثيراً من أولئك الذين حصلوا على مدة أقل. وفي بعض الحالات، تراجعت مستويات الرضا عن الحياة لدى الأشخاص الحاصلين على وقت فراغ طويل.
إذاً كيف نشعر بالرضا في هذه الحالة؟
وفقاً للدراسة لا يرتبط الأمر بمدة وقت الفراغ الذي تمتلكه بقدر ما يرتبط بما ستفعله في هذا الوقت.
تقول الدكتورة كاسي هولمز، مؤلفة كتاب "Happier Hour" لمجلة Self الأمريكية: "تدور السعادة حول كيفية قضائك أي وقت لديك". بالنسبة لحالتك النفسية، قد يؤدي قضاء 3 ساعات في تصفح الهاتف الجوال إلى نتائج مختلفة تماماً عن ساعتين من الحديث مع أصدقائك. (تجدر الإشارة إلى أنَّه في حال معاناتك من مشكلة معينة تتعلَّق بالصحة النفسية أو الإنهاك بسبب الواجبات المنزلية أو ضغوط العمل، فقد تحتاج إلى وقت فراغ أطول من بضع ساعات، على الأقل على المدى القصير، من أجل الراحة والتعافي).
إذا كنت تشعر بالاستياء من الافتقار إلى الوقت الكافي للراحة، تنصح كاسي هولمز بمحاولة تحقيق أقصى استفادة من الوقت الحر المتاح تحت تصرفك عوضاً عن التركيز على الوقت المُخصّص لإنجاز الأعمال.
قد يساعد تنظيم جدولك اليومي على منحك شعوراً بمزيد من الارتياح والحرية.
وفيما يلي، طرق بسيطة نسبياً تستطيع من خلالها الحصول على وقت فراغ أكبر واستغلاله بشكل صحيح:
1- تقييم وقت فراغك الحالي
توضح كاسي أنَّ "وقت الفراغ هو الوقت الذي تقضيه كما تريد، وليس كما يتعيَّن عليك"، لذا فهو ليس فقط أيام العطلات أو ساعات النوم. لمعرفة مقدار وقت فراغك بالفعل، ابدأ بحساب أي وقت فراغ لديك في يومٍ معين. على سبيل المثال، إذا استيقظت مبكراً وأضعت بعض الوقت على هاتفك قبل الذهاب إلى العمل وتجولت أثناء العمل لمدة 15 دقيقة لتناول القهوة مع أحد زملائك أو اتصلت بشقيقتك لتخبرها عن يومك أثناء رحلة عودتك إلى المنزل. دَوّن تلك الدقائق وقم بحسابها.
تقول كاسي: "من المهم إدراك أنَّ تلك المساحة من الوقت كانت تحت تصرفك دون الحاجة إلى إجراء أي تغييرات جذرية في الحياة، لأنَّ معرفة أنَّ شيئاً ما قابل للتحقيق اخلق إحساساً بالأمل وليس اليأس".
2- الابتعاد عن العوامل المهدرة للوقت
إذا كان وقت فراغك لا يصل عادةً إلى ساعتين في اليوم، توصي كاسي بالبحث عن الأشياء المُتسبّبة في إضاعة الوقت والتخلّص منها. ينبغي لك البحث، على وجه التحديد، عن دقائق (وأحياناً ساعات) تهدرها في فعل أشياء لا تشعرك بالرضا والسعادة، من بينها -على سبيل المثال- الوقت المستهلك في التنقلات اليومية أو تصفح مواقع التواصل الاجتماعي. فعلى الرغم من صعوبة تجنُّب بعض العوامل المهدرة للوقت، فقد تستطيع على الأقل جعلها أكثر إرضاءً من خلال إضافة بعض النشاطات الممتعة إليها.
3- الاستعانة بمساعدة خارجية
توصي كاسي بالاستعانة بمساعدة آخرين -كلما أمكن ذلك- للتخفيف من عبء المهام المطلوب إنجازها. إذا كنت قادراً من الناحية المالية، فاستخدم خدمة توصيل الطلبات في شراء احتياجاتك بدلاً من الذهاب. يساهم ذلك في تخفيف أعبائك حتى يتسنَّى لك التقاط أنفاسك والاستفادة من وقت فراغك بشكل أكبر.
إذا كان دخلك المادي محدوداً، يمكنك تجربة مشاركة بعض الأعمال الروتينية مع أصدقاء يعيشون الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي نفسه. على سبيل المثال، قد تتفق مع أحد أصدقائك على الذهاب إلى المتجر هذا الأسبوع ليشتري طلبات البقالة الخاصة بكلاكما ويمكنك رد الجميل له في الأسبوع التالي بفعل الشيء نفسه، أو يمكنك أن تطلب من أحد أصدقائك اصطحاب طفلك إلى الحديقة حتى تستطيع ممارسة بعض الرياضة لمدة ساعة. يُعد طلب المساعدة إحدى طرق تحقيق المنفعة المتبادلة لتوفير بعض الوقت الحر لنفسك.
4- تخصيص بعض الوقت لأعمال تطوعية
وفقاً لدراسة أجريت عام 2012، ثمة طريقة مدهشة تشعرك بأنَّ لديك مزيداً من الوقت الممتع، وهي التخلّي عن جزء من وقتك لصالح آخرين. طلب الباحثون من 100 شخص تخصيص 30 دقيقة من وقتهم إما لأنفسهم أو لمساعدة أشخاص آخرين. أفاد الأشخاص المتطوعون بجزء من وقتهم لمساعدة آخرين بأنَّهم شعروا بقدر أكبر من السعادة والرضا عن النفس من أولئك الذين استغلوا الـ30 دقيقة في ممارسة أنشطة شخصية.
5- حدِّد أولوياتك القصوى أولاً (من بينها وقت فراغك)
توضح كاسي أنَّ أحد الأسباب الأخرى للشعور بضيق الوقت يتمثَّل في ملء جدول أعمالك دون إعطاء أولوية لإدراج أنشطة مهمة بالنسبة لك أو وقت للراحة. وفقاً لدراسة أجريت عام 2005 استشهدت بها كاسي في كتابها، يجد الناس صعوبة في فعل ذلك بسبب افتراض أنَّه سيكون لديهم وقت متاح في المستقبل أكثر مما لديهم الآن، الأمر الذي ينجم عنه جدول أعمال خانق منهك.
ينبغي التمييز بين الخطط المهمة المُستحقة لالتزامك (مثل قضاء الوقت مع أحبائك أو التطوع في منظمة خيرية) والأنشطة المستنزفة للوقت التي تجعلك تشعر في نهاية المطاف "بضيق الوقت". لفعل ذلك، توصي كاسي بالموافقة في الحال، قدر المستطاع، على النشاط، الذي تسعد بممارسته، وعدم تأجيله إلى وقتٍ ما في المستقبل.
تنصح كاسي، بشدة بإدراج "وقت الفراغ" عند إعداد جدول أعمالك وإلغاء الاعتماد على نية الاستمتاع في المستقبل، لأن ذلك قد يجعلك تشعر بالاستنزاف الجسدي والنفسي. تقول كاسي: "لا يترك التأجيل أي مساحة للعفوية أو الاستمتاع في الوقت الحالي، لذا قد تحتاج إلى إدراج وقت الفراغ في جدول أعمالك، حتى لو كان بضع ساعات فقط في عطلة نهاية الأسبوع لكي تشعر بأنَّك أقل استنزافاً.
6- لا تدع تشتت الانتباه يفسد وقت فراغك
بمجرد إعادة تنظيم جدول أعمالك، بحيث تحدد أولوياتك المهمة مع الاحتفاظ بمساحة لنفسك لفعل ما تريد (أو عدم فعل شيء على الإطلاق)، يكون الوقت قد حان للتركيز على الانخراط التام في كل ما يستغرق وقتك. تشير دراسة أجريت عام 2010، إلى أنَّ الأشخاص لا يركزون على ما يفعلونه نصف الوقت تقريباً. نعلم جميعاً هذا الشعور. على سبيل المثال، بينما كانت شريكة حياتك تخبرك عن يومها السيئ في العمل، كنت تعصف ذهنك لأفكار عملك بدلاً من الاستماع إليها بإنصات.
لنكن حقيقيين، تشتت الفكر ليس دائماً أمراً سيئاً، بل يسمح لنا أحياناً بالمواصلة والتغلب على التحديات. لكنك لا تريد أيضاً تضييع نصف ساعات الحاضر في التخطيط لما هو قادم في المستقبل. تقول كاسي: "نميل في حياتنا اليومية إلى عدم الانتباه إلى اللحظة الحالية، الأمر الذي يقوض سعادتنا. لذا، يتعيَّن عليك تخصيص وقت لتلك الأنشطة التي تجلب لك السعادة، لكن عليك أيضاً تجنّب تشتت الانتباه وإيلاء الاهتمام خلال ممارستها، بحيث تشعر بالرضا عن وقت فراغك".