بمجرد أن تُذكر سيرة "الحرب" يتبادر إلى الأذهان القصف العنيف وتبادل إطلاق النار وسقوط الضحايا.. والدمار المصاحب لتلك الحروب.
ومع ذلك، على مر التاريخ، كانت هناك العديد من الصراعات والحروب والتي امتلكت أحياناً كل مقومات الحرب، من أطراف متصارعة ومقاتلين مسلحين، وحتى إعلان الحرب بشكل رسمي، واستمر بعضها لقرون، مع فارق أنها كانت حروباً بلا ضحايا.. إليك 5 حروب غريبة لم يمُت فيها أحد على الإطلاق.
1- الحرب الأنجلو – سويدية
تمتك أوروبا تاريخاً طويلاً من الحروب والصراعات التي راح ضحيتها ملايين البشر، وشهدت أيضاً عدة حروب غريبة بحجج غريبة، وكان لها نصيب من عدة حروب بلا ضحايا أيضاً، إحداها كانت الحرب الأنجلو-سويدية بين عامي 1810 و1812، والتي لم تكن بلا ضحايا فحسب، بل كانت موجودة على الورق فقط.
كانت إنجلترا وفرنسا لا تزالان تتصارعان في "حروب نابليون"، عندما اشتعلت الحرب الأنجلو-سويدية في عام 1810، عندما طالبت فرنسا السويد بالانضمام لها، وإعلان الحرب على بريطانيا وفرض حظر تجاري عليها.
وأيضاً مصادرة جميع الشحنات البريطانية في الموانئ السويدية، ومصادرة جميع المنتجات التجارية البريطانية التي كانت موجودة في السويد نفسها. امتثل السويديون على الورق، لكن ليس في الواقع.
أعلنت السويد الحرب، دون أن يطلق أي من الجانبين رصاصة واحدة؛ لأن السويديين سمحوا للسفن البريطانية بـ"احتلال" جزيرة هانو التي استخدموها كقاعدة لمواصلة التجارة مع البريطانيين بغض النظر عن المطالب الفرنسية.
واستمرت الحرب بين السويد وبريطانيا شكلياً حتى عام 1812، وعندما ساءت العلاقات الفرنسية السويدية، وافقت السويد وبريطانيا على معاهدة أوريبرو في عام 1812؛ لتنتهي معها واحدة من أغرب الحروب.
2- حرب الكركند
في عام 1961، حقق الصيادون الفرنسيون نجاحاً هائلاً في صيد الكركند قبالة سواحل موريتانيا في شمال غرب إفريقيا؛ لذلك قرروا توسيع بحثهم وأماكن صيدهم إلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، لتصل سفنهم إلى المياه القريبة من سواحل البرازيل في وقت لاحق من ذلك العام.
لم يكن الصيادون البرازيليون سعداء لرؤية السفن الفرنسية الكبيرة تنافسهم في مصدر رزقهم، ورفعوا شكواهم للحكومة البرازيلية، وبناء على أوامر الحكومة، تدخلت البحرية البرازيلية وقامت بإرسال طرادات عسكرية للقيام بدوريات في المنطقة.
وطُلب من السفن الفرنسية المغادرة إلى عمق المياه الدولية، بعيداً عن السواحل البرازيلية أو مناطق صيد السفن البرازيلية، لكن الفرنسيين رفضوا القيام بذلك؛ مما أدى إلى نزاع معروف في التاريخ باسم "حرب الكركند"، أو "عملية الكركند"، لكنها كانت حرباً بلا ضحايا.
رداً على تصرفات البحرية البرازيلية، أمر الرئيس الفرنسي شارل ديغول مدمرة فرنسية بالذهاب لحماية السفن الفرنسية. واستمر التوتر والنزاع عامين كاملين، في نهاية المطاف تم التوصل إلى اتفاق، حيث سمح للفرنسيين بالصيد في المياه الإقليمية البرازيلية، طالما تم إعطاء نسبة مئوية من صيدهم لقوارب الصيد البرازيلية.
3- حرب الويسكي
مع أنه كان صراعاً على الحدود وملكية جزيرة وسط المحيط، لا تزال "حرب الويسكي" واحدة من أغرب الحروب، ليس لأنها حرب بلا ضحايا، ولكن بسبب أن الأسلحة التي استخدمت في هذه الحرب لم تكن البنادق أو القطع الحربية البحرية، ولكن زجاجات الويسكي.
كانت "حرب الويسكي" خلافاً بين كندا والدنمارك بدأ في عام 1973 ولم ينتهِ حتى عام 2022.
وكان الصراع يتركز حول جزيرة "هانز" الصغيرة الخالية من الموارد، والتي تقع في المنطقة القطبية الشمالية، وكانت هذه الجزيرة مهجورة منذ توقف أبناء شعب الإنويت (الإسكيمو) عن استخدامها موقعاً للصيد.
في عام 1973، رسمت كندا والدنمارك خطاً حدودياً بين جرينلاند (التي تعد جزءاً من الدنمارك) وكندا، لكنهما لم تتفقا حول من ينبغي أن تؤول له ملكية جزيرة هانز، ولذا قررت كلتا الدولتين ترك المسألة إلى وقت لاحق.
أرسلت كندا والدنمارك رحلات استكشافية لتلك الجزيرة، ودفن بعض أفراد تلك الرحلات زجاجات من "الويسكي" عليها شعار بلدانهم، بهدف إثبات ملكية الجزيرة، وصل الصراع مستوى رسمياً عام 1984، عندما أعلنت كندا رسمياً ملكيتها للجزيرة وأرسلت مجموعة رفعت العلم الكندي ودفنت زجاجات الويسكي الكندية.
فقرر وزير الدفاع الدنماركي السفر للجزيرة بنفسه ووضع زجاجة هناك من أفضل أنواع "الويسكي"، وترك لافتة كتب عليها "مرحباً بكم في الجزيرة الدنماركية"، وعلى مدى 50 عاماً تنافس البلدان وتناوبا على ترك الأعلام واللافتات وزجاجات الويسكي على الجزيرة.
لكن ذلك لا يعني أن جيوش البلدان لم تتدخل على الإطلاق؛ فقد رفع الجيش الدنماركي علم الدنمارك على أرض الجزيرة في عام 2002، وزار الجزيرة وزير الدفاع الكندي في عام 2005.
واستمرت سلسلة من تحركات الصاع بالصاع بين البلدين على مدى عقود حتى عام 2022، عندما توصل كلا الطرفين إلى اتفاقية لتقسيم الجزيرة بشكل سلمي.
4- حرب الـ335 عاماً
كانت "حرب الثلاثمئة وخمسة وثلاثين عاماً" حرباً غريبة، لأنها ولمعظم تلك الفترة لم يكن أحد يعرف أنها موجودة ولا حتى الدول التي كانت طرفاً بها. واستمرت لثلاثة قرون وانتهت، بدون إطلاق رصاصة واحدة.
بدأت هذه الحرب عام 1651، وكانت صراعاً فرعياً ناتجاً عن الحرب الأهلية الإنجليزية، بين الملكين (الفرسان)، والبرلمانين. وكانت هولندا دعمت البرلمانيين في هذه الحرب، وتعرضت بعض سفنها للتدمير على يد الملكين.
ومع فرار قوات الملكيين إلى جزر سيلي، بعد سيطرة البرلمانيين على البر الرئيسي لإنجلترا
طالبت البحرية الهولندية بتعويضات من قوات الملكيين مقابل السفن التي فقدوها خلال دعمهم للبرلمانيين. وأعلنوا الحرب على جزر سيلي التابعة لإنجلترا.
استسلم الملكيون بعد ذلك للبرلمانيين. وغادر الهولنديون بدون إطلاق رصاصة واحدة. لكن الظروف غير الاعتيادية لإعلان حرب ضد جزء من بلد، أدى إلى نسيان إعلان السلام رسمياً مع هذا الجزء.
ولم ينتبه أحد للأمر إلا في عام 1985، بعد أن راسل المؤرخ الإنجليزي الراحل روي دنكان، السفارة الهولندية في إنجلترا حول هذا الشأن. ووُقِّع في نهاية المطاف على اتفاقية في 17 أبريل/نيسان عام 1986، لتنتهي تلك الحرب.
5- حرب أروستوك
بعد نهاية الحرب الأهلية الأمريكية، نشبت حرب أروستوك بين ولاية "مين" الأمريكية ومستعمرة "نيو برونزويك" الكندية، واستمرت بين عامَي 1938 و1839، كانت "حرب أروستوك" غريبة ليس لأنها حرب بلا ضحايا، لكن ما منع سقوط الضحايا في إحدى المعارك الوشيكة، كان مرور أحد الدببة بالصدفة.
كانت أرض نيو هامبشاير جزءاً صغيراً نسبياً، لكن المنطقة الواقعة بين نيو برونزويك وماين لم تكن كذلك. كما تضمنت طريق هاليفاكس، وهو مسار ذو أهمية استراتيجية. أدى الشجار إلى استدعاء الميليشيات من كلا الجانبين، وتوغلت قوات من ولاية ماين في المنطقة المتنازع عليها.
وصلت التوترات إلى ذروتها في عام 1838 في المعركة التي عرفت بـ "معركة كاريبو"، عندما اصطدم الأمريكيون بحطابين كنديين كانوا يقطعون الأشجار الموجودة فوق قطعة أرض ذات ملكية أمريكية.
توتر الموقف وسُحبت البنادق، لكن دباً أسود اللون هاجم الكنديين، الذين أطلقوا الرصاص عليه بدلاً من إطلاقها على الأمريكيين وفروا من المكان؛ لكن الحرب لم تتوقف هنا.
أعقب ذلك سلسلة من اعتقالات المسؤولين من الطرفين على طريقة الرد بالمثل، وبدأت الصحف في الحديث عن الحرب. وتصاعدت التوترات لدرجة أن 50 ألف فرد من القوات الأمريكية أُرسلوا إلى المنطقة. لكن الدبلوماسيين من كلا الجانبين نجحوا في التوصل إلى اتفاقية قبل فقدان الأرواح على الجانبين في المعركة.
في النهاية، التقى ممثلو حكومات الطرفين للتوصل إلى معاهدة سلام، نتج عن ذلك معاهدة أشبورتون وبستر، التي حددت شروط الحدود بين مين ونيو برونزويك.