هل تعرفون قصة تارار، ذلك الجندي الفرنسي الذي عاش في القرن الـ18، واشتُهر بجوعه الشديد وعاداته الغذائية الغريبة؛ فكان يأكل باستمرار، وأي شيء يجده في طريقه، لدرجة أنه التهم رضيعاً حين كان يرقد في المستشفى؟
حسناً، بطل قصتنا هنا جندي بولندي يُدعى تشارلز دومري، خدَمَ في جيش فرنسا وبروسيا، ويُشبه تارار في جوعه الدائم وغرابة وجباته. كان يأكل القطط باستمرار، وباع جيشه من أجل بطيخة. فكان شرهه سبباً في شهرته، ثم اختفائه في نهاية المطاف.
تمتع دومري بشهية قوية على نحوٍ غير معتاد، واللافت أن شهيته كانت تزداد مع مرور الوقت، ودفعته إلى تناول أي طعامٍ متاح أمامه. نقص الطعام كان سبباً أساسياً لتخلّيه عن ولائه للجيش البروسي وانضمامه إلى نظيره الفرنسي.
لم يكن جوع هذا الجندي عادياً، بل كان يخرج عن السيطرة في كثيرٍ من الأوقات، فلا يكتفي بالوجبات الطبيعية. يُقال إن جوعه دفعه في إحدى المرات إلى تناول أكثر من 174 قطاً في عامٍ واحد، و2.2 كلغ من العشب يومياً، رغم كراهيته للخضراوات.
أما أكثر القصص الصادمة، فتتمثل في محاولته التهام ساقٍ مقطوعة لأحد زملائه بعد أن أصيب بنيرانٍ مدفعية، وذلك أثناء خدمته على متن سفينة الحرب الفرنسية "هوتش".
والغريب أن دومري بقيَ في حالةٍ جسدية وصحية سليمة، رغم كل الوجبات العجيبة التي كان يتناولها طوال سنوات، من دون أن تظهر عليه أي أعراضٍ جانبية بسبب عاداته الغذائية غير الاعتيادية.
وفي حال كنتَ تظنّ أن القصة غريبة بعض الشيء، فانتظر حتى تعرف المزيد عن تفاصيل وجبات تشارلز دومري، ومغامراته المشوقة.
تشارلز دومري الذي لا يشبع
وُلِدَ عام 1778 لعائلةٍ بولندية تضمّ تسعة أولاد، ويتشاركون جميعاً الشهية المفتوحة نفسها التي كان يتمتع بها تشارلز. وقد وُلِدَ في صحةٍ جيدة وكَبُرَ ليبلغ طوله 190 سنتم، مع بنيةٍ جسمانية متوسطة.
لاحقاً وبعمر الـ13 عاماً فقط، انضمّ تشارلز دومري إلى الجيش البروسي أثناء حرب التحالف الأول، ليكبر وتكبر معه شهيته هناك. لكن مع مرور الوقت، اكتشف دومري عيباً كبيراً في الجيش البروسي، ألا وهو حصص الطعام.
كان الجنود يعانون من نقص الغذاء؛ لدرجةٍ أثارت استياء تشارلز دومري. ورغم أن الجيش البروسي ضاعف حصصه الغذائية من أجل إرضائه، إلا أن تشارلز قرر سدّ جوعه بالانضمام إلى الأعداء الفرنسيين الذين أغروه ببطيخة. استقبله الضباط الفرنسيون بحفاوة وناولوه البطيخة، التي التهمها بقشرتها على الفور.
لكن سرعان ما قرصه الجوع مرةً أخرى ولم يعد راضياً ومكتفياً، حتى بعد أن أنفق أجره لشراء طعامٍ إضافي، وحتى بعد تناوله كل الطعام الذي كان مُتاحاً أمام الجنود. فحدث ما لم يكن في الحسبان.
ووفقاً لموقع ati الأمريكي، فإن شهيته المفتوحة دوماً دفعته إلى التهام القطط، وعدة كيلوغرامات من العشب، بشكلٍ شبه شبه يومي، إذا لم يتوافر أمامه الطعام. وكانت تلك الحمية الغذائية بمثابة تمهيدٍ للأحداث العجيبة اللاحقة.
عشق دومري تناول اللحوم النيئة، وكان يفضّل كبد البقرة على وجه التحديد، والمفارقة أنه أوشك على التهام اللحم البشري لولا تدخل زملائه.
فخلال خدمته على سفينة "هوتش" الفرنسية، نقل أفراد الطاقم أنهم صارعوا تشارلز دومري ليمنعوه من أكل ساق أحد البحارة، بعدما بُترت بسبب نيران المدفعية. ولم ينجحوا في النهاية إلا بعد إلقاء الساق المبتورة في البحر.
قد تتساءل فيما إذا أصابته هذه الخيارات الغذائية بأي نوعٍ من التسمّم، أو بأبسط الأحوال بألمٍ في المعدة مثلاً. لكن تشارلز دومري احتفظ بسلامة معدته، وصحته، حتى بعد أن تناول لحوم البقر والقطط النيئة، وكميات كبيرة من العشب. ويُقال إنه لم يتقيأ مطلقاً، رغم الإفراط في كميات الطعام التي يتناولها.
أسير جائع تناول الشموع والفئران
في فبراير/شباط 1799، استولت القوات البريطانية على السفينة "هوتش" في مدينة ليفربول الإنجليزية. فأُسر تشارلز دومري مع طاقم السفينة، واحتُجزوا داخل معسكرٍ بالقرب من ليفربول.
كان من الصعب توفير الوجبات داخل المعسكر، وكانت الحصص الغذائية للأسرى تتحدد بناءً على الدولة التي خدمَ الأسير في جيشها.
وبالنسبة إلى تشارلز دومري والأسرى الفرنسيين، فقد كانت الحصة اليومية مؤلفة من 56 غراماً من الخبز والزبدة، و226 غراماً من الخضراوات، إضافةً إلى 170 غراماً من الجبن. كما حصل الجنود على الشاي في بعض الأحيان.
لكن حصص الطعام تلك لم تكن كافيةً لدومري مطلقاً، ما دفعه إلى تناول الشموع الاحتياطية، و20 فأراً على الأقلّ، بالإضافة إلى قط السجن. وعلاوةً على ذلك، تناول الأدوية المتبقية في مستوصف المعسكر أحياناً، وكان يخلطها مع الماء أو مع حصته من الجعة.
وعندما علم الجيش البريطاني باختيارات الطعام العجيبة لتشارلز دومري، قرروا مضاعفة حصته من الطعام. وكان جوعه الشديد سبباً في زيادة حصته باستمرار، حتى أصبح يحصل على حصة طعامٍ تعادل الحصص اليومية لـ10 رجال.
أثار ذلك الأمر اهتمام قائد المعسكر، فأخطر مجلس المرضى والجرحى -المسؤول عن رفاه أسرى الحرب عموماً- بحالته. وسرعان ما تحوّل تشارلز دومري إلى مادةٍ في التجارب الطبية لاختبار حدود جوعه.
محاولة حلّ المعضلة الطبية
قرر الدكتور جاي جونستون، عضو مجلس المرضى والجرحى، أن يختبر قدرات تشارلز دومري في الأكل. فأيقظه ذات ليلة في الرابعة صباحاً وأطعمه 1.8 كلغ من ضلوع البقر، التي تناولها من دون تفكير.
وبعد فترةٍ قصيرة، طلب الدكتور جونسون من دومري تناول اللحم البقري النيء، فتناول 2.26 كلغ مع 10 شموع. وعلى الغداء، التهم اللحم المشوي مع شموعٍ مغسولة بالجعة.
أثارت التجربة الطبية ذهول الفريق بأكمله، لكن ما يُثير الصدمة أن دومري بقيَ في حالةٍ صحية جيدة، رغم تجربة الأكل المفرط التي خضع لها، والتي شخّصها الطبيب على أنها نوعٌ من النهام العصبي، أو ما يُعرف بـ"البوليميا".
كل المعلومات حول تشارلز دومري تتوقف عند حدّ التجارب الغذائية التي خضع لها، من دون أن تتوافر أي تفاصيل عنه بعد التجربة، لتبقى شهيته المفتوحة لغزاً طبياً من دون حلّ.