افتُتحت قناة السويس المصرية، التي تربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، بشكل رسمي لأول مرة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1869، وهي واحدة من أكثر طرق الشحن استخداماً وأهمية في العالم، حيث تشهد مرور آلاف السفن كل عام، وتدر دخلاً قومياً ضخماً.
واليوم، اندلع الكثير من الجدل بسبب قرار الحكومة المصرية إنشاء مشروع "صندوق قناة السويس"، أواخر ديسمبر/كانون الأول 2022، الذي سيمنح في حال إقراره، هيئة القناة، حق شراء أو بيع أو تأجير واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها لصالح الهيئة.
هذه القرارات دفعت بالحديث عن قناة السويس لقائمة الأكثر تداولاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مصر والدول العربية، وسط نقاشات حول حالة شبيهة تعرّض لها مستقبل القناة للتهديد قبل مئات السنين.
فيما يلي نستعرض أبرز الحقائق عن قناة السويس، ومتى واجه الممر المائي المهم قرارات بالبيع أو تأجير حق الانتفاع كادت أن تهدد شكل الدولة الذي نعرفه اليوم.
القناة المائية تمت بصنع الإنسان
بدأ حفر قناة السويس رسمياً في 25 أبريل/نيسان عام 1859. وتشير التقديرات إلى أن إجمالي 2613 مليون قدم مكعب من الأرض، منها 600 مليون مكعب من الحفر الأرضي، و2013 مليون مكعب من خلال التجريف، كان يجب نقلها وإزالتها لبناء القناة.
بدأ الحفر في عهد الخديوي سعيد باشا، ثم افتتح القناة الخديوي إسماعيل.
وفي البداية، تم بناء القناة عبر عُمّال السُخرة، وتشير تقارير رسمية في أرشيف البرلمان البريطاني إلى أن الآلاف من الأشخاص تم تكليفهم للعمل بالقوة في حفر القناة باستخدام المجارف والمعاول حتى تم حظر استخدام السخرة عام 1863، واكتملت بعد ذلك بست سنوات.
ويُقدر، وفقاً للجان رسمية وضعها جمال عبد الناصر لإدارة القناة، فقدان ما يتجاوز 120 ألف عامل من أصل 1.5 مليون عامل مصري، كان معظمهم من العاملين بالسُخرة، خلال عمليات الحفر التي استمرت 11 عاماً إجمالاً في قناة السويس.
الفراعنة أول من فكروا في حفر قناة تربط البحرين
ما لا يعرفه كثيرون أن قناة السويس الحديثة ليست سوى أحدث مجرى مائي من صنع الإنسان شق طريقه عبر مصر. ومع ذلك، قد يكون الفرعون المصري سنوسرت الثالث قد بنى قناة أقدم تربط البحر الأحمر ونهر النيل حوالي عام 1850 قبل الميلاد. ويُقدّر أن القناة بإدارة سنوسرت الثالث كانت قد اكتملت في القرن الثالث قبل الميلاد.
وبدلاً من الرابط المباشر الذي توفره قناة السويس الحديثة، فإن "قناة الفراعنة" القديمة تلك كانت تشق طريقها عبر الصحراء وصولاً إلى نهر النيل، والذي كان يُستخدم بعد ذلك للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط.
تاريخ القناة يمتد لعمرو بن العاص والعباسيين من بعده
بعد الفراعنة بقرون طويلة، تم تداول فكرة حفر قناة تربط بين البحرين والقارتين على حد سواء. ففى عام 641 ميلادية، أعاد عمرو بن العاص الملاحة إلى بقايا القناة الفرعونية، وأطلق عليها اسم قناة أمير المؤمنين.
وبحسب صحيفة المصري اليوم المصرية، فقد خطر له أن يشق قناة مباشرة بين البحرين الأبيض والأحمر، ولكن الخليفة عمر بن الخطاب أثناه عن عزمه، ظناً منه بأن شق مثل هذا البرزخ قد يعرض مصر كلها لفيضان بسبب منسوب مياه البحر الأحمر المرتفع.
ثم فى عام 760 ميلادياً، قرر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور ردم القناة لكيلا تُستخدم في نقل المؤن إلى أهل مكة والمدينة الثائرين على حكمه، وبذلك تعطلت الملاحة بين البحرين، لأكثر من 10 قرون تقريباً، واستُخدمت في تلك الفترة الطرق البرية في نقل تجارة مصر.
وفى عام 1820 أمر محمد علي بإصلاح جزء من القناة لري المنطقة الواقعة بين العباسة والقصاصين بالإسماعيلية، بحسب الموقع الرسمي لقناة السويس المصرية.
فكر نابليون بونابرت في حفر قناة السويس أيضاً
بعد احتلال مصر عام 1798، أرسل القائد العسكري الفرنسي نابليون بونابرت فريقاً من الخبراء للتحقيق في جدوى قطع برزخ مائي وبناء قناة من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط.
ولكن بعد 4 رحلات منفصلة إلى المنطقة، خلص الكشافة بشكل غير دقيق إلى أن البحر الأحمر كان أعلى بمقدار 30 قدماً على الأقل من البحر الأبيض المتوسط. وحذروا من أن أية محاولة لإنشاء قناة بحرية قد تؤدي إلى فيضانات كارثية عبر دلتا النيل.
كانت حسابات المساحين الخاطئة كافية لإخافة نابليون ووقف طموحاته ببناء المشروع، وتوقفت خطط القناة حتى عام 1847، عندما أكد فريق من الباحثين المصريين لاحقاً أنه لا يوجد فرق كبير في الارتفاع بين منسوبي البحرين.
عارضت الحكومة البريطانية بناءها
بدأ التخطيط لقناة السويس رسمياً منذ عام 1854، عندما تفاوض دبلوماسي فرنسي سابق يُدعى فرديناند ديليسبس على اتفاقية مع نائب الملك المصري لإنشاء شركة قناة السويس.
نظراً لأن قناة ديليسبس المقترحة حظيت بدعم الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث، فقد اعتبر العديد من رجال الدولة البريطانيين أن بناءها مخطط سياسي مصمم لتقويض هيمنتهم على النقل البحري العالمي.
فجادل السفير البريطاني في فرنسا بأن دعم القناة سيكون "عملاً انتحارياً"، وعندما حاول ديليسبس بيع أسهم في شركة القناة، وصفت الصحف البريطانية المشروع بأنه "سطو صارخ لسلب البسطاء حقوقهم".
بيع أسهم القناة وبدايات الخسارة الفادحة
واصلت الإمبراطورية البريطانية انتقاد القناة أثناء بنائها، لكنها اشترت لاحقاً حصة 44% في الممر المائي بعد أن باعت الحكومة المصرية، التي تعاني من ضائقة مالية وديون طائلة، أسهمها في مزاد عام 1875.
حيث اختطفها على الفور رئيس الوزراء البريطاني، بنيامين دزرائيلي، الذي اقترض 4 ملايين جنيه إسترليني من أجل شراء الأسهم.
وتُعد هذه العملية أولى مداخل "الحماية البريطانية" على مصر، إذ استغل الاحتلال الإنجليزي مصالحه في قناة السويس ذريعة للتدخل في شؤون مصر خلال الفترة من 1882 وحتى الانسحاب الكامل عام 1956.
لعبت دوراً حاسماً خلال الحرب الباردة
بحلول عام 1956، وقعت قناة السويس في قلب حرب قصيرة بين مصر والقوات المتحالفة لبريطانيا وفرنسا ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
إذ تعود جذور الصراع إلى الاحتلال العسكري البريطاني لمنطقة القناة، والذي استمر حتى بعد حصول مصر على استقلالها المبدئي في عام 1922. ومع ذلك استمر التدخل البريطاني في البلاد عبر السيطرة على الملك.
حيث ثار المصريون ضد النفوذ الاستعماري، وتفاقمت التوترات أخيراً في يوليو/تموز 1956، عندما قام الرئيس المصري جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس بعد الثورة على النظام الملكي الخانع للاحتلال، وتطلع إلى أن تساعد القناة في تمويل مشروع بناء سد نهر النيل.
فيما أصبح يُعرف لاحقاً بأزمة السويس، أو العدوان الثلاثي، شنت قوة بريطانية وإسرائيلية وفرنسية مشتركة هجوماً على مصر في أكتوبر/تشرين الأول عام 1956.
وبالفعل، نجح الأوروبيون في التقدم بالقرب من القناة، لكنهم انسحبوا لاحقاً من مصر بعد إدانة من الولايات المتحدة والتهديد بالانتقام النووي من الاتحاد السوفييتي.
حينها استقال رئيس الوزراء البريطاني أنطوني إيدن في أعقاب الفضيحة، وتُركت قناة السويس أخيراً تحت السيطرة المصرية بالكامل.