عند التفكير في الفيضان دائماً ما يتبادر إلى أذهاننا أن السبب سيكون طبيعياً، سواء أكان السبب موجة تسونامي، أو هطول الأمطار بشكل غزير، أو غيرها من الأسباب الأخرى، لكن هل فكرت يوماً أن يكون السبب في الفيضان هو العسل؟
هذا ما حصل بالفعل في مدينة بوسطن الموجودة في ولاية ماساتشوستس الأمريكية، سنة 1919، بعد انفجار مخزن للعسل الأسود في المدينة، والذي كان غير قادر على تخزين أطنان العسل التي وضعت فيه، بسبب شكله المهترئ والقديم.
وتسبب هذا الفيضان غير الطبيعي في الكثير من الخسائر البشرية، والمادية، كما أن آثاره استمرت في المدينة لمدة طويلة، خصوصاً خلال فصل الصيف، عندما يذوب العسل العالق في الجدران، لتصبح لزجة وذات رائحة غريبة.
منع بيع الخمور في أمريكا يسبب أزمة لشركة عسل أسود
في سنة 1919، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن قرار جديد، وهو منع بيع، واستهلاك، واستيراد المشروبات الكحولية بمختلف أنواعها، خلال السنوات القليلة القريبة.
الأمر الذي سبب أزمة كبيرة لشركة "Purity Distilling Company "، الخاصة بالعسل الأسود، التي كانت تتوفر على كميات هائلة من هذا العسل، الذي تقوم بتخميره وتحويله إلى خمور.
ومن أجل تفادي الخسارة المادية المحتملة قررت الشركة تحويل العسل المتوفر لديها إلى مشروبات كحولية بشكل سريع، واستغلال الفترة التي لم يتم فيها تطبيق القرار على أرض الواقع، من أجل بيع ما لديها من كميات.
ومن أجل الشروع في عملية صناعة الخمور نقلت الشركة كميات العسل الأسود المتوفرة لديها من المزارع، إلى المخزن الموجود وسط المدينة، والذي كان قطره 15 متراً وارتفاعه يصل إلى 50 متراً، أي ما يعادل عمارة من 16 طابقاً، وشرعت بملئه كاملاً، إذ وصلت كمية العسل إلى ما يعادل 9 ملايين لتر.
لكن هذا المخزن كان متضرراً بشكل كبير، إضافة إلى أنه أنشئ من نوع حديد غير سميك، الشيء الذي تسبب في تسرب العسل من عدة فتحات صغيرة.
وبعد ملاحظة العمال التسريبات الحاصلة في المخزن قاموا بإخبار إدارة الشركة من أجل التدخل بشكل سريع، لكن طريقة التدخل لم تكن هي المتوقعة، فقد قاموا بطلاء الواجهة الخارجية باللون البني، من أجل تغطية أماكن تسرب العسل، دون القيام بأي نوع من الإصلاحات.
فيضان العسل يغطي مدينة بوسطن ويسبب كارثة
في يوم 15 يناير/كانون الثاني من سنة 1919، كان سكان مدينة بوسطن يعيشون بشكل طبيعي إلى أن سمعوا صوت انفجار قوي قادم من مكان وجود مخزن العسل الأسود، بعد أن عجز هذا المخزن المهترئ عن تحمل كميات العسل الهائلة التي وضعت بداخله.
ومباشرة بعد حدوث الكارثة قامت قوات الأمن بطلب المساعدة من الشرطة عن طريق الأجهزة اللاسلكية، لكن عند سماعهم أن هناك فيضاناً للعسل الأسود في المدينة لم يصدقوا الأمر، وظنوا أنها مجرد دعابة لا غير.
وفي الوقت الذي لم تتحرك فيه قوات الأمن من أجل المساعدة كان فيضان العسل يسير بسرعة كبيرة، وصلت إلى 35 ميلاً في الساعة، ويقوم بتخريب كل ما وجده في طريقه من منازل، ومحلات، وعربات.
كما أن ارتفاع الفيضان وصل إلى ما يعادل طابقين، ما تسبب في الكثير من الخسائر المادية، خصوصاً بعد انفجار الخزان بسبب ارتفاع درجة حرارة العسل المسبب للفيضان، نتيجة تماسّ كهربائي.
وإضافة إلى ذلك فقد توفي خلال فيضان العسل هذا 21 شخصاً، وأصيب أكثر من 100 شخص آخرين، الذين أصيب بعضهم من شظايا قطع المعدن، التي أصبحت مثل القذائف المتطايرة في السماء.
ولم تتوقف أضرار الفيضان عند هذا الحد، إذ إن قوة الفيضان دمرت الأعمدة المعدنية والخرسانية التي ترفع الجسور الموجودة في المنطقة القريبة من المنبع، وتسبب في سقوط قطار من علوه، الأمر الذي خلّف كارثة دمرت المنطقة بشكل كامل.
آثار فيضان العسل تستمر لسنوات
بعد انتهاء الفيضان كان من الصعب تنظيف بوسطن من كميات العسل الأسود الهائلة التي غطت وسط المدينة، المنطقة التي كان يوجد بها المصنع، فكان الحل هو الاستعانة بماء البحر بسبب ملوحته، لكن الأمر استغرق عدة أشهر، للتخلص من آثار الفيضان.
وحتى بعد الانتهاء من عملية التنظيف بقيت رائحة العسل الأسود قوية جداً في مدينة بوسطن لعدة سنوات، خصوصاً خلال الأشهر الصيفية، عندما ترتفع درجة الحرارة، ويعود العسل المتبقي في جدران المدينة، والأرضيات، للذوبان، ما يجعل ملمسها لزجاً وغريباً.