تمكَّن مخترع إيطالي شاب وهو لم يكن يتجاوز الـ22 عاماً من عمره، أن يُنسب إليه الفضل في كونه أحد المخترعين الأوائل لموجات الراديو التي غيرت حياتنا بالكامل، وكانت سبباً في عصر التواصل الذي نعرفه اليوم.
فبدون غولييلمو ماركوني، ربما لم يكن بالإمكان أبداً تطوير الهواتف الذكية وإشارات الراديو وأنظمة الملاحة وغيرها من الأدوات الأساسية التي نستخدمها اليوم.
فقد غيَّر علم ماركوني شكل العالم من خلال استكشاف الإمكانات الحقيقية لموجات الراديو اللاسلكية الكهرومغناطيسية، فساعد في إلهام الثورات اللاسلكية التي نعرفها ونحبها ولا نتخيل حياتنا اليوم من دونها.
الخطوات الأولى لغولييلمو ماركوني
وُلد غولييلمو ماركوني عام 1874 في بولونيا بإيطاليا. كان والده مالكاً ثرياً للأراضي وكانت والدته فرداً من عائلة جيمسون لتقطير المياه في أيرلندا. لذلك كان مولوداً في بيت من الرخاء، وتلقى ماركوني تعليمه على يد معلمين خصوصيين، ثم التحق بمعهد ليفورنو التقني وجامعة بولونيا في نهاية المطاف للحصول على دراساته العليا.
في العام 1894، انبهر ماركوني باكتشاف الفيزيائي الألماني هاينريش رودولف هيرتز لما كان يُعرف آنذاك بـ"الموجات غير المرئية" الناتجة عن التفاعلات الكهرومغناطيسية.
لذلك بنى ماركوني معدات توليد الأمواج الخاصة به في منزل عائلته وسرعان ما أرسل إشارات إلى مواقع مختلفة على بعد ميل واحد من مكانه.
في النهاية، اكتشف ماركوني طريقة لتحسين جودة واتساق الرسائل المرسلة عبر موجات الراديو بعيدة المدى. باستخدام الهوائيات العمودية، وجد أنه من الممكن تحسين المسافة التي يمكن أن تقطعها موجات الراديو.
واجه الإهمال في إيطاليا فقرر السفر إلى إنجلترا
حاول غولييلمو ماركوني تقديم نتائجه إلى العلماء في إيطاليا، ولكن بعد عدم اهتمام الحكومة الإيطالية بعمله، قرر أن يجرب حظه في لندن.
وبالفعل، وصل الشاب البالغ من العمر 22 عاماً آنذاك، بصحبة والدته إلى إنجلترا عام 1896، وسرعان ما وجد الداعمين والمهتمين، بما في ذلك مكتب البريد البريطاني.
وفي غضون عام واحد فقط، كان ماركوني يبث موجات لمسافة تصل إلى 12 ميلاً، وقد تقدم بطلب للحصول على براءات اختراعه الأولى.
بعد عام تالٍ من هذه الخطوة المحورية في مسيرته، أنشأ محطة لاسلكية على جزيرة وايت سمحت للملكة فيكتوريا بإرسال رسائل إلى ابنها الأمير إدوارد على متن اليخت الملكي في عرض المحيط بالقرب من ساحل إنجلترا الجنوبي.
بحلول عام 1899، عبرت إشارات ماركوني القناة الإنجليزية، ليسافر ماركوني إلى الولايات المتحدة في العام نفسه، حيث اكتسب دعاية من خلال تغطية لاسلكية لسباق اليخوت في كأس أمريكا قبالة سواحل نيوجيرسي لصالح صحيفة New York City.
توسيع مدى اللاسلكي ليصبح عابراً للقارات!
بدأ ماركوني العمل على تحسين شبكته اللاسلكية للبث عبر المحيط الأطلسي. جادل العديد من علماء الفيزياء بأن موجات الراديو تنتقل في خطوط مستقيمة، مما يجعل من المستحيل بث الإشارات إلى ما وراء الأفق، لكن ماركوني اعتقد أن الموجات ستتبع انحناء الكوكب.
وبعد محاولات فاشلة لتلقي إشارة من إنجلترا، لموقعه في بلدة كيب كود، بولاية ماساتشوستس الأمريكية، قرر ماركوني تجربة مسافة أقصر، فحاول البث من كورنوال الإنجليزية إلى نيوفاوندلاند الكندية على بُعد حوالي 2100 ميل. وفي 12 ديسمبر/كانون الأول عام 1901، التقط تسلسلاً خافتاً من ثلاث نقرات عبر اللاسلكي، والتي شكلت حرف S الإنجليزي بشفرة مورس السرية.
جائزة نوبل والتأثير في مصير سفينة تايتانيك
في العام 1909، تقاسم ماركوني جائزة نوبل في الفيزياء مع الفيزيائي الألماني كارل إف براون، مخترع أنبوب أشعة الكاثود، وهو عبارة عن أنبوب مجوف ينتج صوراً عندما تصطدم الإلكترونات المتولدة بداخله بشاشة مصنوعة من سطح فوسفوري، وهو ما يتم استخدامه في أجهزة التلفزيون والرادارات التقليدية.
نيل ماركوني للجائزة أثار الكثير من الجدل واللغط؛ إذ ادعى بعض المخترعين الآخرين أنه استلهم اختراعه مما توصّلوا إليه. ففي وقت سابق عام 1895 مثلاً، كان الفيزيائي الروسي ألكسندر بوبوف يبث ذبذبات لاسلكية بين المباني السكنية.
بينما في الهند كان جاغديش شاندرا بوس يستخدم موجات الراديو لقرع الأجراس وإطلاق الانفجارات. وفي عام 1901، قال المخترع الكهربائي الصربي الأمريكي نيكولا تيسلا إنه ابتكر تلغرافاً لاسلكياً في العام 1893؛ أي قبل الشاب الإيطالي بسنوات.
لذلك في العام 1943، أبطلت المحكمة العليا الأمريكية أربع براءات اختراع لشركة راديو ماركوني المملوكة لغولييلمو ماركوني، مستشهدة بعمل تسلا الذي سبقه بسنوات.
من ناحية أخرى، عندما أدركت شركات الشحن فائدة التلغراف اللاسلكي في اتصالات الركاب وتقارير الملاحة وإشارات الاستغاثة، أصبحت أجهزة راديو شركة ماركوني – التي تديرها كوادر مدربة معدات لا غنى عنها.
حتى أنه عندما ارتطمت سفينة "آر إم إس تيتانيك" بجبل جليدي في 14 أبريل/نيسان عام 1912، تمكن مشغلو لاسلكي ماركوني من استدعاء سفينة كارباثيا إلى مكان الحادث، حيث تم انتشار 700 ناجٍ قبل أن يقضوا حياتهم متجمدين في المياه الباردة، بحسب موسوعة بريتانيكا البريطانية للتاريخ.
أعماله خلال السنوات اللاحقة من حياته
على مدى العقدين التاليين من حياته، واصل غولييلمو ماركوني تحسين اختراعاته، وجرب البث عبر الموجات القصيرة واختبار مسافات الإرسال على متن يخته الخاص في عرض البحر.
بعد ذلك عاد إلى إيطاليا وأصبح من مؤيدي بينيتو موسوليني وأبطل زواجه الأول من فنانة أيرلندية كان لديه منها أربعة أطفال، ليتزوج من امرأة إيطالية نبيلة صاحبة ثروة ضخمة.
وفي عام 1935 قام بجولة في البرازيل وأوروبا مدافعاً عن غزو موسوليني للحبشة، إلى أن توفي بعد ذلك بعامين بنوبة قلبية في روما، ليموت في عمر 63 سنة، عام 1937.
وتكريماً له، بثت محطات إذاعية في أمريكا وإنجلترا وإيطاليا عدة دقائق من الصمت حداداً عليه وتقديراً لإنجازاته.