لم تعرف سوزان كابر والدها الحقيقي قط، ولم تحظَ بعناية والدتها التي تزوجت شخصاً آخر، وعاشت فترة طفولتها وشبابها وهي تحاول أن تحصل على دفء العائلة الذي لم تختبره من قبل، ربما كان ذاك ما دفعها للتمسك بالأصدقاء القلائل الذين استطاعت أن تكوّن روابط معهم، على الرغم من أنهم كانوا يسيئون معاملتها بشكل دائم، لكن انتهى بها المطاف لتكون ضحية واحدة من أكثر الجرائم السادية رعباً في تاريخ بريطانيا.
سوزان كابر.. بداية المعاناة
وُلدت سوزان جين كابر في منطقة مانشستر بإنجلترا عام 1976، وكانت فتاة طيبة و"متسامحة للغاية"، حسب وصف والدتها.
لم تنشأ سوزان وأختها الكبرى ميشيل في جو عائلي سليم، إذ لم تعرف الأختان من هو والدهما البيولوجي، ونشأتا برعاية والدتهما في بعض الأحيان وزوج والدتهما في أحيان أخرى، حتى إنهما كانتا تقيمان أحياناً في منزل أصدقاء العائلة، أو حتى في رعاية السلطات المحلية.
وأدى عدم الاستقرار والانتقال المتكرر بسوزان في النهاية إلى منزل جان باول.
التقت سوزان مصادفة بجان التي كانت تكبرها بعشر سنوات، إذ كانت تبلغ من العمر 26 عاماً وتعيش مع ثلاثة أطفال في منزل متهدم ليس بعيداً عن منزل سوزان. ومنذ أن التقت الفتاتان باتت سوزان تجالس أطفال جان الصغار، دون مقابل في الكثير من الأحيان، وتقضي الليل في منزل جان، وتتغيب عن المدرسة في صباح اليوم التالي.
وأصبحت سوزان تقضي وقتاً أطول مع جان وأصدقائها أكثر من أي شخص آخر، ولم تكن عائلتها تدرك الفظائع الحقيقية التي تحدث وراء الكواليس.
قالت والدة سوزان في وقت لاحق: "اكتشفنا أن جان قد أخرجت سوزان من المدرسة، وأقنعتها بأن تعمل منظِّفة في مبنى رابطة الدول المستقلة في المدينة. وكانت تأخذ أموالها وتسمح لها بالاحتفاظ فقط بـ5 جنيهات إسترلينية في الأسبوع، بينما كنا نظن أنها في المدرسة، عندما واجهناها بشأن هذا الأمر هددت في الواقع بإحراق منزلنا".
لكن المشكلة الحقيقية بدأت عندما انتقلت إليها جارة تدعى برناديت مكنيلي.
بيت "الشر"
كان لدى برناديت مكنيلي، البالغة من العمر آنذاك 24 عاماً ثلاثة أطفال، وكانت تعيش على بعد بضعة منازل فقط من جان باول، ولكن بحلول عام 1992 كانت قد انتقلت إلى منزل باول مع أطفالها.
أصبح المنزل المتداعي بالفعل وكراً للمخدرات والحفلات والجنس، كانت جان وبرناديت تتعاطيان المخدرات، وكانتا تبيعان قطع غيار السيارات المسروقة، وتنامان مع عدد كبير من الأشخاص الذين كانوا يأتون للمنزل لتعاطي المخدرات.
وكان من أبرز أولئك الأشخاص شاب يبلغ من العمر 16 عاماً، يدعى أنتوني دودسون، والذي دخل في علاقة جنسية مع كل من جان وماكنيلي، وكذلك سوزان.
كان يتردد على المنزل أيضاً غلين باول، البالغ آنذاك 29 عاماً، وجيفري لي، مدمن المخدرات البالغ 26 عاماً، وكليفورد بوك الأخ الأصغر لجان.
حتى شقيقة سوزان الكبرى ترددت على منزل جان، لكنها أنهت علاقتها به لاحقاً بسبب الأنشطة الإجرامية التي كانت تتم فيه، فقد كان مركزاً لحفلات الجنس وبيع المخدرات وتجارة السيارات المسروقة.
ووفقاً لما ورد في موقع medium، فقد حاول زوج والدة سوزان تحذيرها من هذا المكان، الذي وصفه بـ"بيت الشر"، لكن سوزان كانت مصرة على البقاء مع "أصدقائها".
بدايات التعذيب
كان جميع من في منزل جان باول يسيء معاملة سوزان ويهينها ويستغلها بكل الطرق، مع ذلك بقيت سوزان معهم، لأنها شعرت أنهم ملاذها الوحيد، وأنها لا تمتلك مكاناً آخر تذهب إليه.
في وقت ما من أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 1992، في إحدى حفلات المخدرات، التقت سوزان وجان بصديق اسمه محمد يوسف.
أخبرت جان الشرطة لاحقاً بأنها منحت سوزان "مخبأً جيداً لمحاولتها أن تذهب مع شخص عربي".
ومع ذلك، يُزعم أن سوزان أبلغت الجيران أن جان قيدتها واحتجزتها لمدة أربعة أيام، لكن لم يصدقها أي منهم.
كانت تلك البداية فقط، ففي وقت لاحق، أصيب كل من ماكنيلي ودودسون وجان وجلين باول بقمل العانة. وألقت برناديت ماكنيلي باللوم على سوزان.
وما كان من المجموعة إلا أن أجبروا سوزان على حلق شعر عانتها أمامهم وتنظيفه من الأرض.
كذلك ادعت ماكنيلي أن سوزان سرقت منها معطفاً وردياً واقياً من المطر، تبلغ قيمته حوالي 60 دولاراً، وعقب هذا الاتهام تجمّع كل من في المنزل حول سوزان وأبرحوها ضرباً، بعد ذلك قررت سوزان العودة إلى منزلها.
ثم في 7 ديسمبر/كانون الأول 1992، ذهبت جان وبرناديت ماكنيلي إلى منزل سوزان لدعوتها إلى حفلة، حيث قالوا لها إن الصبي الذي كانت تحبه سيكون هناك.
لكن ذاك الشاب لم يكن هناك، ولم يكن هناك حفل أساساً.
الموت المروع لسوزان كابر
بعد استدراج سوزان إلى منزل باول قامت المجموعة المؤلفة من برناديت ماكنيلي، وجان باول، وجلين باول، وأنتوني دودسون بحلق رأس سوزان، وهاجموها وضربوها بأوانٍ خشبية، ثم خنقوها بكيس من البلاستيك، وفقاً لما ورد في موقع All That's Interesting الأمريكي.
في تلك الليلة حبسوها في خزانة خشبية، وظلت تصرخ طوال الليل، وعندما خاف أطفال جان وماكنيلي من الصراخ تم نقل سوزان إلى منزل ماكنيلي الفارغ.
هناك ربطها "أصدقاؤها" في هيكل سرير بحبل وأحزمة وسلسلة، وحقنوا أنفسهم بالأمفيتامينات، وبدأوا تعذيبهم لها لمدة أيام.
وعلى مدار أيام، شارك كليفورد بوك وجيفري لي أيضاً في تعذيب الفتاة، حيث قاموا بحشو فمها بالجوارب حتى لا تستطيع الصراخ، وأجبروها على الاستحمام بماء يحتوي على مطهرات مركزة، ما أدى إلى حرق جلدها، كان جسدها مغطى بحروق السجائر أيضاً.
وفي وقت ما، قبل ساعات من وفاتها، حقنتها برناديت ماكنيلي بالأمفيتامينات، ثم قامت المجموعة بنزع اثنتين من أسنانها الأمامية، بحيث أصبح من الصعب التعرف على جسدها من كثرة التشويه، وفي هذه المرحلة قرروا بالفعل قتلها.
ثم أدخلوها في صندوق سيارة قام جيفري بسرقتها، وقادوا بها مسافة 13 ميلاً إلى منطقة مشجرة بالقرب من ستوكبورت. قام ثلاثة منهم بدفعها على الأرض، بينما كانت عارية تماماً، وقامت برناديت ماكنيلي بغمرها بالبنزين.
قالت جان باول أثناء محاكمتها: "رأيت وميضاً، فاستدرت ونظرت ورأيت سوزان تحترق، كانت تصرخ، كانت مخدرةً تماماً، وأنا كنت خائفة".
لكن سوزان لم تكن قد ماتت بعد، وبأقصى ما لديها من قوة جرّت نفسها إلى أقرب طريق، حيث رآها سائق سيارة عابرة.
في المستشفى، قبل أن تدخل في غيبوبة وتموت في النهاية تمكنت من إخبار الشرطة عن نفسها، وما الذي حدث، ومَن الفاعل.
وفي النهاية حُكِمَ على جان باول، وغلين باول، وبرناديت ماكنيلي بالسجن مدى الحياة لقتلهم سوزان كابر، رغم تخفيض عقوبة ماكنيلي بشكل مثير للجدل إلى 12 شهراً، بعد أن أثبتت أنها "سجينة نموذجية وقد شعرت بالندم".
أُطلِقَ سراح جيفري من السجن في عام 1998، وأطلق سراح بوك في عام 2001، وأنطوني دودسون في عام 2013.
قالت والدة كابر: "سوزان كانت متسامحة للغاية، لكنها كانت أيضاً فتاة تحاول حل مشاكلها بنفسها، هذا ما فعلته في النهاية، لقد نجت من محنتها لفترة كافية لتبلغ عن كل واحد منهم".