خلال الحروب، أو الأزمات البيئية أو الاقتصادية، تصبح حاجة المواطنين إلى المواد الغذائية الاساسية أكبر من ذي قبل، وذلك بسبب غلاء سعرها، أو ندرتها.
إذ إنه خلال هذه الأزمات، التي يعرفها العالم من وقت لآخر، لا تقتصر الاستفادة من بنوك الطعام على من يعيشون تحت عتبة الفقر فقط، بل تطال حتى من كانوا يعيشون في مستوى أحسن بقليل من ذوي الدخل المحدود.
وهنا تصبح بنوك الطعام، المنتشرة بشكل كبير عبر العالم، الملجأ الوحيد الذي يتوجه إليه الفقراء من أجل الحصول على كسرة خبز، وسد حاجياتهم الغذائية، وذلك بسبب توفيرها الطعام بشكل مجاني لكل محتاج.
بنوك الطعام.. البداية من أمريكا
كانت بداية بنك الطعام في العالم سنة 1967 في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي حمل اسم "سانت ماري"، حيث تم تأسيسه بهدف توفير الطعام للأشخاص المحتاجين، ومنع انتشار الجوع، وبعد ذلك بدأت فكرته تنتشر في عدة دول عبر العالم، خصوصاً في أوروبا.
إذ إن بنوك الطعام عبارة عن مؤسسات خيرية غير ربحية، تعتمد على فكرة جمع الطعام في مستودعات خاصة، بعد الحصول عليها من طرف المزارعين، والمصانع، والموزعين، وتجار التجزئة الذين لديهم فائض في الطعام، ولا يتمكنون من بيعه.
فيما تتوصل بنوك الطعام إلى جزء مهم من الأكل من طرف المحسنين، ومتطوعين، زيادة على شراء المسؤولين عن البنك الأكل بشكل شخصي من طرف بائعي الجملة، أبرزها أكلات معلبة، في حال تم ملاحظة نقصان في كمية الغذاء المتوفرة مقارنة بالطلب.
على طريقة "المستودع" أو "الخط الأمامي".. هكذا يتم توزيع الطعام
بعد جمع الطعام من طرف المسؤولين عن البنك، تأتي مرحلة فرزه، والتأكد من جودته، ومدة صلاحيته، قبل الشروع في توزيعه على المحتاجين.
وعملية التوزيع تتم عبر طريقتين مختلفتين، لكل بنك طريقته الخاصة، حسب المكان الموجود فيه، وعدد الأشخاص المحتاجين للطعام بشكل مجاني.
وتعتبر او طريقة لتوزيع الطعام، هي طريقة "المستودع"، التي تتم من خلال توزيع الأكل المجمع على المؤسسات الخيرية غير الربحية، من بينها دور العجزة، ودور الأيتام، والمدارس، ومطاعم الفقراء.
فيما تقوم الطريقة الثانية على توزيع الطعام بشكل مباشر على الفقراء والمحتاجين، والتي تسمى "الخط الأمامي"، من خلال تقديم المنتجات الغذائية في مقرات البنوك لكل من يلجأ لها.
ويعتبر النموذج الذي تعمل به كل من الولايات المتحدة وأستراليا وكندا، هو العمل كمستودعات بدلاً من تقديم الطعام للمستهلك النهائي.
إلا أن هناك بعض الاستثناءات في بعض المدن، حيث يتم توزيع الطعام على شكل طرود غذائية مباشرة على المحتاجين.
الأزمة الإقتصادية وزيادة بنوك الطعام حول العالم
بالرغم من انتشار بنوك الطعام في عدة دول خلال عدة سنوات سابقة، فإن أوروبا كانت تعتمد بشكل كبير على نظام الرعاية الاجتماعية، الذي توفره الدولة، من أجل تقديم المساعدات على الفقراء.
لكن بعد الزيادة العالمية في أسعار المواد الغذائية سنة 2006، نمت أعداد كبيرة من بنوك الطعام في العديد من دول أوروبا.
فيما أصبحت مصدراً للطعام والمواد الغذائية الأساسية لعدد كبير من الأشخاص، من ذوي الدخل المحدود، خلال الازمة الاقتصادية عامي 2007 و2008.
ومن بين الدول التي قدمت المساعدات بشكل كبير عن طريق بنك الطعام خلال الأزمة الاقتصادية، كانت كندا، بعد أن احتاج أكثر من 850 ألف كندي إلى المساعدة بشكل شهري.
وحسب دراسة أجراها مركز أبحاث السياسة الصحية بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس عام 2012، فقد ارتفع عدد الأشخاص الذين يطلبون المساعدات عن طريق بنوك الطعام في الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 46% في الفترة ما بين 2005 إلى 2012.
بنوك الطعام العربية.. مساعدة المحتاجين بسبب زيادة الأسعار
وكما الحال في أوروبا، فقد انتشرت بنوك الطعام في الوطن العربي، خلال سنة 2006، وبدايتها كانت في مصر خلال أزمة زيادة أسعار المواد الغذائية.
إذ تعتمد بنوك الطعام العربية من أجل توفير المواد الغذائية على أموال الزكاة، والتبرعات، والصدقات، إضافة إلى الطرق الأخرى المعتمدة في بقية بنوك الطعام في العالم.
وتنتشر بنوك الطعام في عدة دول، أبرزها الأردن، وتونس، والسودان، والإمارات، والسعودية، فيما سيتم العمل على إطلاق 50 بنكاً للطعام خلال السنوات المقبلة، حسب تصريح الدكتور معز الشهدي، رئيس شبكة بنوك الطعام الإقليمية في مصر، خلال مشاركته في قمة المناخ 2022 بمدينة شرم الشيخ.
وفي الوقت الذي تقوم فيه بنوك الطعام العربية على نظام "المستودع" طيلة السنة، من خلال توزيع الطعام على الجمعيات الخيرية، ومطاعم الفقراء، فإنها تنشط بشكل كبير في شهر رمضان، حيث تعمل بمبدأ "الخط الأمامي"، عن طريق توزيع الطعام بشكل مباشر على المحتاجين خلال شهر الصيام.
أزمة 2022.. طعام أقل والمطالبون بالاستفادة أكثر
بسبب الأزمة الإقتصادية التي يشهدها العالم خلال سنة 2022، عاد الإقبال الكبير على بنوك الطعام في عدة دول أوروبية، أبرزها بريطانيا وألمانيا.
حيث أفادت عدة تقارير إعلامية بأن عدد الأشخاص المطالبين بالاستفادة من المواد الغذائية المجانية، أصبح أكبر من كمية الطعام المتوفرة في البنوك، إذ إن عدد الأشخاص المستفيدين سابقاً كان واحداً من 10 أشخاص، فيما أصبح خلال سنة 2022 واحداً من بين 6 أشخاص.
إضافة إلى قلة التبرعات التي تتوصل بها البنوك، ما يضطر القائمين عليها إلى توفير الطعام بشكل خاص، وشراء كميات كبيرة من المنتجات الغذائية؛ للتمكن من تغطية حاجيات الفقراء، وذوي الدخل المحدود.