في زاوية طريق توتنهام كورت وشارع أكسفورد، في منطقة كامدن بلندن؛ حيث يقف الآن مسرح دومنيون الشهير، كان هناك مصنع هورس شو للبيرة، وهو أحد أكبر مصانع البيرة في لندن في القرن التاسع عشر، إذ تم إنشاء ذلك المصنع في عام 1764، وبحلول عام 1811 أصبح سادس أكبر مصنع للبيرة في لندن، بإنتاج سنوي يزيد عن مئة ألف برميل.
ارتبط مصنع هورس شو للبيرة بمأساة غير عادية، ففي عام 1814، انفجر خزّان من البيرة في المصنع؛ مما أدى إلى وقوع فيضانٍ من البيرة بشوارع سانت جيلز بمدينة لندن، مما أدى إلى مقتل ثمانية أشخاص.
صهاريج التخزين.. من هنا بدأت كارثة فيضان البيرة
في عام 1784، نجح منتجو البيرة الإنجليز أخيراً في التحدي المتمثل في إنشاء وعاء أو صهريج كبير يمكنه تخزين كميات كبيرة من منتجاتهم السائلة، شهد ذلك العام أول صهاريج البيرة، بسعة 2400 برميل.
ساهم ذلك الابتكار في خلق منافسة شرسة بين مصانع البيرة الإنجليزية، حول من يمكنه امتلاك أكبر أحواض تخزين لمنتجاتهم، وباتت مصانع البيرة الإنجليزية تفتخر وتتباهى بامتلاكها لأكبر خزّان بيرة في لندن.
وسط المنافسة الشرسة بين المصانع الإنجليزية، التي وصلت إلى بناء خزانات للبيرة بسعة تتراوح بين 10 آلاف و20 ألف برميل، بدأت الجودة الفعلية لبناء تلك الخزانات تأخذ المرتبة الثانية من حيث الأهمية، فقد كان الاهتمام الأكبر بحجم تلك الخزانات وقدرة استيعابها، وهكذا كان المشهد مهيأ لوقوع الكارثة.
في عام 1810، كان لمصنع هورس شو أكبر خزان للبيرة في مدينة لندن بكاملها، بارتفاع 6,8 متر تقريباً وعرض 227 متراً أيضاً، وبسعة تخزين قُدرت بـ511 ألف لتر، تم ربط الخزان بـ29 حزاماً معدنياً ملفوفاً حول وسطه؛ مما ساعد على الحفاظ على شكل الخزانات الدائري.
كان مصنع هورس شو يقع في منطقة فقيرة يعيش فيها العديد من الفئات الأكثر ضعفاً في المدينة داخل أقبية مزدحمة تحت الأرض، حسب smithsonianmag.
في حوالي الساعة 4:30 مساءً من يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول 1814، قام كاتب المخزن جورج كريك بفحص الخزان ولاحظ أن أحد الأحزمة الحديدية التي يبلغ وزنها 700 رطل قد انزلق من البرميل، ولكن نظراً لأن ذلك حدث مرتين أو ثلاث مرات في السنة، لم يأخذه كريك على محمل الخطورة، بحسب ما نقله موقع amusing planet.
كان الخزان حينها ممتلئاً والضغط بداخله كبير، رغم ذلك أمر رئيس المصنع كريك بإصلاحه في وقت لاحق.
بعد فترة وجيزة، في حوالي الساعة 5:30 مساءً، سمع كريك انفجاراً هائلاً من داخل المخزن، فقد انفجر الخزان الذي كان قد لاحظه منذ ساعة فقط.
أدى انفجار الخزان إلى تسرّب البيرة الساخنة بقوة، وفتح المزيد من الأوعية والخزانات، وبعد لحظات كان فيضانٌ من البيرة يجتاح الشوارع المحيطة بمصنع هورس شو.
تم إطلاق أكثر من 320 ألف جالون من البيرة في شكل فيضان من البيرة اندفع عبر الممرات الضيقة، وأغرق الجميع وكل شيء بالكحول.
فيضان البيرة يتسبب في مقتل 8 أشخاص
بعد دقائق وصل فيضان البيرة إلى شارع جورج وشارع نيو ستريت، ومع عدم وجود تصريف في شوارع المدينة، أغرقت أقبية المنازل السكنية وتسببت في انهيارها، وذلك حسب ما نقله موقع history.
قام السكان بتحجيم الطاولات والأثاث لمحاولة إنقاذ أنفسهم من الغرق أو الانجراف.
في أحد المنازل، كانت السيدة ماري بانفيلد وابنتها هانا البالغة من العمر أربع سنوات يجلسان في فناء منزلهما لتناول الشاي، تسبب الفيضان في مقتلهما معاً، وفي حالة أخرى، كان الإيرانيون المقيمون في شارع سانت جيلز يقيمون في جنازة أحد الأطفال الذي توفي في اليوم السابق، قبل أن يحاصرهم فيضان البيرة، تسبب الفيضان في مقتل والدة الطفل السيدة أن سافيل وأربعة من المشيعين.
كما أدت موجة المد، التي وصل طولها إلى 15 قدماً، إلى تدمير جدار فندق Tavistock Arms؛ مما تسبب في مقتل الخادمة إليانور كوبر، بحسب the social historian.
في الحصيلة الإجمالية، لقي ثمانية أشخاصٍ حتفهم في الكارثة، ونجا جميع العاملين داخل مصنع البيرة، على الرغم من إصابة العديد منهم بجروح خطيرة.
من جانب آخر، استغل مئات الأشخاص فيضان البيرة، بقيامهم بجمع البيرة في الزجاجات والأواني من أجل شربها لاحقاً، كما قام آخرون بتنظيم عمليات تبرع لدفع تكاليف جنازات الضحايا.
المحكمة برأت الجميع عن المسؤولية في فيضان البيرة
بعد فيضان البيرة، عانى المصنع من مشاكل مادية عديدة، حيث إنه لم يكن قادراً على تعويض خسائره. كذلك أقدم الأهالى على تتبع مسؤولي المصنع أمام القضاء.
بعد يومين، حكمت هيئة المحلفين بأن الكارثة كانت بمشيئة الله ولم تُحمل أحداً المسؤولية عنه، ولا يتعين على مصنع هورس شو دفع أي تعويض، وعلى العكس من ذلك، فقد تنازل البرلمان البريطاني لمصنع هورس شو عن دفع ضرائب الاستهلاك قيمتها مليون و250 ألف جنيه إسترليني، مقابل آلاف براميل البيرة التي فقدها، بالإضافة إلى ذلك، قدّم البرلمان البريطاني مساعدة مالية قدرها 400 ألف جنيه إسترليني كتعويض عن براميل البيرة المفقودة، بينما لم يتلقَّ الضحايا أي شيء، وذلك وفقاً لمدونة london shoes.
نتيجة للكارثة، تم التخلص التدريجي من صهاريج التخزين الخشبية لاستبدالها بأوعية خرسانية مبطنة، على الرغم من أن مصنع هورس شو سرعان ما عاد إلى الإنتاج، إلا أن رائحة البيرة في المنطقة استمرت لأشهر بعد ذلك.
تم إغلاق مصنع البيرة الذي تسبب في فيضان البيرة أخيراً في عام 1921 وتم هدمه في عام 1922، بناء مسرح دومنيون الشهير في مكانه، ومنذ سنوات بات يحتفل بالذكرى السنوية لفيضان البيرة من خلال تخمير البيرة في لندن.