كانت الانطلاقة من شاطئ قرية "كوستا ازول" بالمكسيك يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني سنة 2012، حين قام كل من خوسيه سلفادور وازكورييل كوردوبا برحلة صيد بحري كالمعتاد لمدة يومين في المحيط الهادئ.
كانت الأمور عادية في البداية حتى هبت عاصفة يسميها الصيادون المكسيكيون بـ"عاصفة رياح الشمال القاتلة"، والتي تسببت في تعطل محرك القارب، بالإضافة إلى الجهاز اللاسلكي ونظام تحديد المواقع "GPS"، التي تسببت المياه العاصفة في تخريبهما.
إبحارٌ نحو المجهول
بعد انتهاء العاصفة حاول الصيادان تشغيل الجهاز اللاسلكي لطلب المساعدة، لكن دون جدوى، كان خوسيه سلفادور صياداً محترفاً متشبثاً بالحياة، على عكس صديقه الذي يصغره سناً والأقل تجربة، في البداية ظنا أنهما سيجلسان بضع ساعات قبل أن تجدهما فرق الإنقاذ الخاصة بالمنطقة.
لكن بسبب العواصف المتكررة في تلك الأيام، ألغيت جميع الرحلات، ما جعل فرق الإنقاذ تعلن وفاتهما بسبب عدم وجود احتمالية للنجاة، خلال الأسبوع الأول قام الصيادان بتفرغة حمولة القارب لعدم المغامرة بحياتهما.
وبسبب عدم وجود أي غطاء للقارب كان أحدهما ينام تحت صناديق السمك، فيما يقوم الثاني بتفرغة القارب من الماء الناتج عن تساقط الأمطار التي استغلوها فيما بعد للشرب؛ لأنّها مياهٌ عذبة صالحة للشرب، خلال الأشهر الــ4 الأولى كان الصيادان يقتاتان على صيد السمك والطيور وأكلها نيئة.
ولمحاربة الملل كان كل منهما يحكي عن حياته للآخر، وعن مشاريعه التي يريد أن يقوم بها فور أن تحط أقدامه على الأرض، كما وعد كل منهما الآخر في حالة وفاة أحدهما سيقوم الآخر بإيصال وصيته لأهله وأصدقائه.
أصيب ازكورييل كوردوبا، الصياد الأقل خبرة، بالجنون مع مرور الوقت، ليمتنع عن تناول الطعام، ما أدى إلى وفاته، ليبقى خوسيه سلفادور وحيداً يصارع الحياة داخل المحيط.
يصارع من أجل الحياة وحيداً
لم يجرأ خوسيه على رمي جثة صديقه في المحيط، حيث أصبح يتحدث معه وكأنه على قيد الحياة، حتى يصل ذلك اليوم الذي يقرر فيه أن يجمع قواه، وإلَّا سيحصل له ما حصل لصديقه.
خلال الأشهر التي عاش فيها وحيداً داخل المحيط فكر خوسيه في الانتحار أكثر من مرة، لكنه يتذكر صوت والدته وهي تقول له "من ينتحر لن يدخل الجنة"، فيقول في نفسه سأنتظر إلى أن أموت داخل هذا العذاب، كان خوسيه يعرف عدد الشهور التي مرت وهو بداخل المحيط من خلال اكتمال القمر.
خلال الأشهر الأخيرة قادته عاصفة إلى مكان بالمحيط تمر منه السفن التجارية، فكلما كان يرى سفينة تمر من أمامه يشرع بالصراخ والنداء، على أمل إنقاذه ورؤية اليابسة مرة أخرى لكن دون جدوى، فالسفن كبيرة الحجم وصوته لن يصل إليها رغم المحاولات.
بعد انقضاء 15 شهراً وفي صباح يوم مشمس وقف على قاربه أحد الطيور التي لا تبتعد كثيراً عن اليابسة، فيقوم خوسيه بالنظر حوله آملاً في رؤية شاطئ قريب.
في تلك اللحظة لمح خوسيه يابسةً بعيدة ظنها في البداية حلماً من إنتاج دماغه، أو أنه جُنَّ فأصبح يتخيل أحلامه في الواقع، إلا أن هبت رياح جرت هذه المرة بما اشتهى الصيَّاد، ليكمل طريقه سباحةً نحو اليابسة.
اليابسة بعد 15 شهراً
عند وصوله إلى الشاطئ شرع خوسيه في تقبيل الرمال التي قال إنها كانت الكنز الذي ينتظره طوال رحلته، لكنه لم يعد يقوى على الحركة إلى حين مرور أحد سكان المنطقة الذي أخذه بدوره إلى المستشفى.
بعد استعادته الوعي أتت الشرطة لمعرفة هويته ومكان قدومه، ليحكي خوسيه عن تجربته وكيف قادته الأقدار إلى المنطقة.
ليسأل بعدها في أي منطقة هو فتكون الإجابة صادمة له، حيث وصل إلى جزيرة وسط المحيط الهادئ لم يُذكر اسمها تبعد عن شاطئ قرية "كوستا ازول" التي أبحر منها قبل 15 شهراً بحوالي 10 آلاف كيلومتر.
عند دراية السلطات المكسيكية بالأمر أرسلت مروحية طبية لنقله إلى بلده، حسب ما ذكره خوسيه في كتاب" 438 يوماً" للكاتب والصحفي الأمريكي "جزناتان فرانكلين" الصادر سنة 2011 . بعد شفائه قام خوسيه بالبحث عن عائلة صديقه للوفاء بالعهد الذي قطعه له قبل أكثر من 8 أشهر. ووصل إليهم وأبلغهم بوصيته.