في جزيرة مهجورة وسط المحيط الهادئ سنة 1965 تحطم قارب صغير يضم ستة مراهقين تتراوح أعمارهم ما بين 13 و16 سنة بعدما تركوا مدينتهم قصد الهروب من المدرسة وعيش مغامرة.
لم يصب الأطفال بجروح بالغة خلال حادث التحطم لكن كانت هذه مجرد البداية لقصة مغامرة دامت 15 شهراً منقطعين فيها عن العالم الخارجي وأحداثه.
مركب مسروق وطريق مجهول
البداية كانت من جزيرة تونغا بالمحيط الهادئ كان هناك 6 مراهقين قرروا الهرب من الجزيرة بعدما سئموا من الدراسة، فقاموا بسرقة أحد المراكب المتواجدة بالقرب من الساحل ودخلوا به إلى وسط المحيط.
نام المراهقون ولم يتوقعوا أنها ستكون البداية لمغامرة ستستمر 15 شهراً، عند اسْتِيقَاظِهِم على أصواتِ عاصفةٍ رعديةٍ وجدوا أن الرياح ساقتهم بعيداً جداً على اليابسة قدرت فيما بعد بـ600 كلم، فحاولوا فتح شراع المركب في خطوة انتحارية، فالرياح كانت جد قوية لدرجة أنها مزقت الشراع الذي تسبب بدوره في عطل على القارب.
بعد مرور العاصفة ظل المراهقون لمدة أسبوع داخل القارب دون أي مؤنة أو مياه باستثناء بعض ثمار جوز الهند والموز التي أخذوها قبل الهرب، ليلاحظ أحدهم يابسة بعيدة تظهر في الأفق فتوقعوا أنهم نجوا من موت محتم، وغالباً سيجدون أحداً يساعدهم.
عند اقترابهم من الجزيرة وجدوا أنفسهم أمام ضفة يصعب وضع القارب بها، بحيث قد تتسبب الأمواج المتلاطمة على الصخور في موتهم، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، ساقتهم الأمواج إلى أن ارتطموا بسفح جبلي في الجزيرة.
لم يُصَب أحدٌ منهم بجروح خطيرة، فقرروا الصعود بضع صخور إلى حين وصولهم إلى كهف صغير أسفل الجبل؛ حيث جلسوا بضع ساعات اصطادوا فيها بعض الطيور التي أكلوها نيئة وشربوا دمها لعدم توفر مياه عذبة.
بعد بضع ساعات سيقرر المراهقون تسلق الجبل بحذر إلى أن يتمكنوا من الوصول أخيراً إلى أعلى الجبل بعد 36 ساعة على وصولهم إلى الجزيرة.
الكفاح من أجل الحياة
على قمة الجبل في الجزيرة عاش المراهقون 4 أشهر وهم يأكلون جوز الهند التي تكسو أشجارها المكان، بالإضافة إلى اصطيادهم للعصافير وأكلها نيئة لعدم تمكنهم من إضرام النار.
رغم صغر سنهم فإنهم قاموا بوضع بعض القوانين لتجنُّب مشاكل بينهم، ولعل أهمها كان خلال لحظة الخصام. فقد كانوا يفترقون، ويذهب كل واحد منهم إلى جهةٍ ما لمدة ساعة ومن ثم يلتقون مرةً أخرى دون أن يتحدث أحد منهم عن الواقعة.
في أحد الأيام قام اثنان منهم كالمعتاد بمحاولة صيد الطيور إلا أن أحدهما سقط من أعلى السفح الجبلي، على علو 15 متراً، من حسن حظه أنه لم يمت، لكن انكسرت رجله فقام أصدقاؤه بوضع أخشاب على رجله من أجل تجبيرها، وأطلقوا عليه لقب ملك الجزيرة.
بعد انقضاء 4 أشهر في أعلى السفح الجبلي استطاع المراهقون أخيراً إشعال النار ليقترح أحدهم فيما بعدها على البقية خوض مغامرة الدخول إلى أدغال الجزيرة، خاصة أن صديقهم أصبح في صحة جيدة ويقوى على المشي.
خلال توغلهم اكتشفوا هيكلاً بشرياً لأحد الرجال فأقاموا له جنازة ودفنوه تكريماً له، إلى حين وصولهم إلى بيوت قديمة تعود لسكان الجزيرة المهجورة الذين تركوا وراءهم كل ممتلكاتهم، تحيط بالمنازل خضراوات مزروعة وفواكه، كما أن دجاج سكان الجزيرة الأصليين تكاثر وأصبح متوفراً في كل أرجاء الجزيرة.
حسب مقال لجريدة "Dailymail" عبر المراهقون عن سعادتهم في تلك اللحظة، مشيرين إلى أنهم أخيراً سيأكلون الخضار والدجاج المطهي بعد مرور 4 أشهر على هروبهم من ديارهم.
قام المراهقون بإنشاء صالة رياضة بمعدات بدائية لتمضية الوقت واستغلاله في شيء مفيد، بالإضافة إلى ملعب لكرة الريشة التي صنعوا موادها من الخشب وأدوات وجدوها داخل البيوت المهجورة.
عند وصولهم إلى الضفة الأخرى للجزيرة، كان المراهقون يشاهدون السفن المارة محاولين نداءها أو جلب انتباه أحد ركابها لإنقاذهم بعد مرور أكثر من سنة على وصولهم، لكن دون أية جدوى، فالسفن كانت بعيدة، كما أن الجزيرة مهجورة في نظر الجميع، ما جعلهم غير مهتمين برؤيتها.
قرر بعدها أحدهم إبرام النار في ضفة الجزيرة بغية لفت انتباه إحدى السفن، إلى أن وصل ذلك اليوم، حين قام أحد الصيادين الأستراليين مع طاقمه بالوقوف بالقرب من ضفة الجزيرة لينتبه إلى النار الموقدة في الساحل، فيقرر الرحيل لإنقاذ نفسه من خطر متوقع.
ليتفاجأ بعدها بستة مراهقين يسبحون وراء السفينة، فأمر عماله بتجهيز أسلحتهم مخافة سرقة محتملة، لكنه سمع صوتاً من أحدهم يقول: نحن من جزيرة تونغا تقطعت بنا السبل قبل 15 شهراً ونريد العودة إلى أرضنا.
اتصل قبطان السفينة بالسلطات التونغية؛ للتأكد من صحة قول المراهق؛ ليجيب أحد حراس السواحل بأنهم حقاً فقدوا 6 مراهقين قبل 15 شهراً، لكنهم لم يجدوا لهم أثراً، فأقاموا لهم جنازة على وفاتهم، ليجيبه القطان بعدها بأنهم بخير وهم في الطريق إلى الجزيرة.
النجاة والعقوبة بالسجن
عند وصولهم إلى الجزيرة أقامت عائلاتهم حفل ترحيب جمع كل سكان الجزيرة، إلا أن فرحتهم لم تكتمل بعد مداهمة فرق الشرطة المكان، واصطحابهم إلى السجن، بعدما قدم صاحب القارب الذي سرقوه من قبل رفع دعوى عليهم.
لم تتجاوز مدة سجنهم بضع ساعات حتى يقوم قبطان السفينة الذي أنقذهم بدفع مقدار من المال لصاحب القارب بغية التنازل على شكواه.
مرت بضعة أشهر على عودتهم للجزيرة، اقترح القبطان الأسترالي عليهم أن يصوروا فيلماً وثائقياً مع مخرج أسترالي صديق له حكوا من خلاله تجربتهم في الجزيرة.
بعد انتهاء التصوير طلب القبطان منهم الاشتغال معه على ظهر السفينة بعد اكتسابهم لكل تلك التجارب على مدى 15 شهراً.مرت السنوات على الحادث إلى أن وصل يوم شاهد فيه أحدهم ضوءاً قوياً في إحدى الجزر بالمحيط الهادئ، فقرر الذهاب إلى الجزيرة فتفاجأ حينها بأربعة أطفال قاموا بوضع مرآة لجذب انتباه السفن لإنقاذهم بعد قضائهم بضعة أيام بداخلها سنة 1977، حسب تقرير لجريدة "Theguardian"، وتتكرر القصة بعد سنوات في جزيرة أخرى.