بعض الأشخاص يكونون بمثابة المغناطيس للبعوض، فكلما خرجوا في نزهة في الطبيعة يعودون بعشرات البقع الحمراء على أجسادهم، ويعانون لأيام من آلام لدغات البعوض، فيما لا يشعر آخرون بتلك اللدغات، وبالكاد يقترب منهم البعوض أصلاً، فما السبب في ذلك؟
لماذا يعاني البعض أكثر من لدغات البعوض؟
غالبية أنواع البعوض بالإضافة إلى مجموعة من المفصليات الأخرى -التي تتضمن القراد والبراغيث وبق الفراش والذباب الأسود وذباب الخيل والهاموش الواخز- تحتاج إلى البروتين في الدم كي تضع مجموعة من البيض. تتغذى إناث البعوض فقط على الدم. أما الذكور فإنها تتغذى على رحيق النبات، الذي تحوله إلى طاقة من أجل التحليق.
يشكل التغذي على الدماء جزءاً مهماً للغاية من أجزاء الدورة التناسلية للبعوض. وبسبب هذا، يوضع كمٌّ هائل من الضغط التطوري على كاهل الإناث من أجل تحديد مصادر الدم المحتملة، والحصول بسرعة وكفاءة على وجبة كاملة من الدم، ومغادرة الضحية التعيسة بسرعة.
وإذا نظرت إلى مواضع بحث إناث البعوض، فربما تجد أنك مغناطيس يجذبها.
استناداً إلى الوقت الذي تكون فيه إناث البعوض نشطة، فإنها تستخدم إشارات البصر والصوت والشم لتحديد مصدر الدم المحتمل. غالبية الأنواع التي تنشط في الليل تعتمد على إشارات الشم أو المُستَقبِلات.
ويعد ثاني أكسيد الكربون الإشارة الكيميائية الأهم، التي تفرزها جميع الفقاريات، ومن بينهما البشر، مع كل نفس تتنفسه ومن خلال الجلد.
ثاني أكسيد الكربون والعوامل الثانوية الأخرى
تتمتع إناث البعوض بحساسية تجاه ثاني أكسيد الكربون، وتستطيع استشعار أي مصدر لثاني أكسيد الكربون حتى إذا كان يبعد عنها أمتاراً. الخلايا المستقبلة الموجودة في قرون الاستشعار الخاصة بالبعوض وفي سيقانها، تطوق جزيئات ثاني أكسيد الكربون، وترسل إشارات كهربائية إلى الدماغ. ومع استقبال المزيد من الجزيئات عن طريق هذه المستقبلات، كلما يزيد تركيز ثاني أكيد الكربون، تقترب إناث البعوض من المضيف.
لكن هناك الكثير من مصادر ثاني أكسيد الكربون غير الحية، مثل السيارات والقوارب والطائرات والقطارات. ومن أجل التفريق بين المصادر الحية لثاني الأكسيد الكربون ومصادره غير الحية، تعتمد إناث البعوض على إشارات شم ثانوية تخرجها الكائنات الحية. وهذه الأدلة ذات الرائحة تنتجها عمليات الأيض التي على شاكلة التنفس والحركة، وتتضمن حمض اللاكتيك والأمونيا والأحماض الدهنية التي تجسد إشارات شم إضافية بالنسبة للبعوض، ما يساعد الإناث على استهداف وجبة الدم التالية بالنسبة لها.
ومن ثم فإن إخراج ثاني أكسيد الكربون يعد أول علامة على كون الكائن الحي مغناطيساً للبعوض. ونظراً إلى أن إخراج ثاني أكسيد الكربون وعناصر الجذب الثانوية يرتبط بمعدل الأيض، فكلما زاد معدل الأيض تعاظمت معه عوامل جذب البعوض. يمكن أن يُحدد معدل الأيض جينياً، لكنه يزيد كذلك نتيجة للنشاط البدني.
إذ إن الأشخاص الجاذبين للبعوض، قد تكون معدلات الأيض لديهم مرتفعة جينياً، أو قد يكونون أنشط بدنياً من أشخاص آخرين لا يجذبون البعوض. وهذا يفسر جاذبية العدائين للبعوض أثناء تمارين الإطالة عند الراحة؛ إذ يرتفع لديهم معدل الأيض، ما يزيد من جذب البعوض.
كذلك تجذب النساء الحوامل عدداً كبيراً من البعوض، بسبب زيادة معدلات الأيض لديهن.
ماذا عن رائحة القدم؟
إذاً تشكل رائحة الجسد الطبيعية إشارات مهمة تستخدمها البعوض لاختيار المضيف.
على سبيل المثال، تنجذب بعوض الأنوفيليس إلى مكونات محددة من رائحة الأقدام. تنقل هذه الأنواع من البعوض الملاريا إلى الإنسان وتتغذى داخل المنازل في منتصف الليل. من خلال التغذي على قدم الشخص النائم، فإن إناث البعوض تتجنب الرأس، الذي ينتج غالبية ثاني أكسيد الكربون، ويقلل فرصة إيقاظ الضحية من النوم.
استخدام الألوان لتحديد الضحية
أما أنواع البعوض التي تكون نشطة أثناء اليوم وفي الفجر والغسق، فإنها تستخدم الإشارات المرئية لتحديد الضحية. يطير البعوض عادة بالقرب من الأرض. ومن نقطة الانطلاق هذه ترى إناث البعوض المضيف المحتمل أمامها في الأفق. تبرز الألوان الغامقة وتمتزج الألوان الفاتحة، ولذا فإن ألوان الثياب سوف تحدد عدد البعوض الذي ينجذب إليك.
إذ إن ارتداء الألوان الأفتح ربما لا تقتصر وظيفته على جعلك تبدو في مظهر جيد، بل إنها سوف تساعدك أيضاً على الهروب من مطاردة البعوض.
يستطيع البعوض اكتشاف الحركة بصرياً، ومرة أخرى يحدث ذلك من خلال تباين الصورة الظلية مع الأفق. وهذا هو السبب الذي يجعل الأشخاص الذين يسيرون بالقرب من أي مستنقع ملحي وسط اليوم بعد أي تجمع كبير لبعوض المستنقعات الملحية، يغمرهم البعوض الذي يكتشف وجودهم بصرياً.
العامل النفسي يلعب دوراً أيضاً
وفقاً لما ورد في موقع The Daily Beast الأمريكي، يوجد مكون نفسي مرتبط بنشاط البعوض. فبعض الناس لا يلاحظون بكل بساطة وجود البعوض حولهم. وفي المقابل، يمكن لبعوضة واحدة تطير حول شخص ما أن تستثير ردة فعل قوية منه، ولعلنا شاهدنا شخصاً ما يجن جنونه بينما يحاول تعقب أزيز بعوضة واحدة كي يحاول التخلص منها.
وفي المقابل، لا يُبدي أشخاص آخرون أي انزعاج من وجود البعوض، ولا يلاحظون من الأساس البعوض الذي ينجذب إليهم، حتى عندما يتغذى على دمائهم. يتخصص بعض البعوض في التغذي على مناطق محددة من الجسم يصعب رؤيتها أو ضربها لقتل البعوض. على سبيل المثال، تعرف الزاعجة المصرية بأنها نوع من البعوض الذي يفضل التغذي على الإنسان، وفي أغلب الأحوال تتغذى على الدماء في الكاحلين.
وسواء كنت من الأشخاص الذين يكونون بمثابة مغناطيس بالنسبة للبعوض، فتأكد من أن لدغاتها سوف تُشعرك بالحكة في كل الأحوال.
كيفية علاج لدغات البعوض
أول شيء عليك القيام به هو غسل المنطقة المصابة بالماء والصابون.
بعد ذلك ضع كمادة باردة مثل قطعة قماش مبللة، أو كيس ثلج على المنطقة لمدة 10 دقائق على الأقل، خاصةً إذا كانت متورمة.
ضع كريماً مضاداً للحكة أو الهيدروكورتيزون لتقليل الحكة والاحمرار والتهيج.
وينصح بالاتصال بالطبيب أو الذهاب إلى المستشفى في الحالات التالية:
– إذا تعرضت للدغ حول الفم أو العينين.
– الأعراض بدأت في التفاقم أو لم تختفِ في غضون أسبوعين.
– بدأت تعاني من رد فعل تحسسي.
– صعوبة في التنفس.
– تورم في الحلق أو الشفتين أو الجفون.
– صعوبة في البلع.
– الدوار.
– تسارع ضربات القلب.
– الغثيان.
ما هي فصائل الدم الأكثر تعرضاً للدغات البعوض؟
قديماً عندما كان بعضنا يشكو من انجذاب البعوض إليه كان أجدادنا يخبروننا مازحين أنَّ السبب هو أن البعوض ينجذب للبشرة إذا كانت أكثر حلاوة! فهل يفضل البعوض فصيلة دم دون أخرى؟ كما اتضح فإن الجواب هو نعم.
إذ وصل العلماء لأول مرة إلى هذا الاكتشاف في عام 1972، وفي الآونة الأخيرة قامت مجلة Journal of Medical Entomology بتحديد فصائل الدم المفضلة لدى البعوض.
وقالت المجلة إن الأشخاص أصحاب فصيلة الدم O يتعرضون للدغ من البعوض مرتين أكثر من أصحاب فصيلة الدم A.
وفسّر عالم الحشرات الطبي وخبير البعوض في جامعة فلوريدا جوناثان داي الأمر قائلاً: "إن هناك بعض الحقيقة في ذلك، فبعض الناس ينتجون مواد كيميائية معينة في بشرتهم أكثر من غيرهم، وبعض هذه المواد الكيميائية مثل حمض اللبنيك تجذب البعوض".
وأضاف أنّ هناك أيضاً دليلاً على أن فصيلة دم O تجذب البعوضَ أكثر من غيرها A أو B.