عَرفَ العثمانيون خلال القرن السادس عشر توسعاً كبيراً في شمال إفريقيا، خاصة بعدما ضمت السلطنة العثمانية كلاً من مصر وليبيا وتونس وجزءاً من الجزائر لتقرر بعد ذلك ضم المغرب الأقصى "المملكة المغربية حالياً" إلى أراضيها.
في ذلك الوقت كان المغرب يعاني من ثورات داخلية نتيجة الصراع على السلطة بين الوطاسيين الحاكمين للمغرب والذين كانوا في مرحلة الانهيار والسعديين الذين تولوا السلطة بعد انهيار الحكم الوطاسي.
سقوط الوطاسيين وقيام الدولة السعدية
عندما بدأت الدولة الوطاسية في السقوط خلال أواخر القرن الخامس عشر بعدما اجتاحت كلاً من إسبانيا والبرتغال المدن المغربية، ظهر قائد جديد في درعة يدعى "أبو عبد الله بن محمد" وهو إمام ومؤذن وعالم بالأمور الدينية ومؤسس الدولة السعدية لاحقاً.
بدأ أبو عبد الله وولداه "أحمد الأعرج" "ومحمد الشيخ" اللذان كانا يدرسان بجامعة القرويين بفاس بإقناع سكان المناطق المغربية على الجهاد ضد البرتغال والإسبان لطردهم من الأراضي المغربية.
ليصل الخبر فيما بعد إلى السلطان الوطاسي فيقرر بعدها شن حرب على أبو عبد الله بن محمد لتنتهي بالإطاحة بالدولة الوطاسية نفسها وقيام الدولة الجديدة: السعدية سنة 1510.
عرفت فترة حكم أبو عبد الله استقراراً سياسياً وفتوحات لمدن مغربية عدة كانت مستعمرة من طرف البرتغال أو الإسبان، وبعد وفاته استلم ابنه الأكبر أحمد الأعرج الحكم وكان أخوه محمد الشيخ نائباً له، حتى تمكن بعض الأعداء من زرع الفتنة بينهما ليقتل محمد الشيخ أخاه ويستلم الحكم، حسب كتاب الدولة السعدية التكمدارتية للكاتب المغربي وأستاذ التاريخ بمعهد الدوحة للدراسات العليا "عبد الرحيم بنحادة".
خلال خمسينيات القرن السادس عشر، أرسل السلطان العثماني "سليمان القانوني" رسالة إلى محمد الشيخ يدعوه من خلالها للخضوع للدولة العثمانية وصك النقود باسم السلطان العثماني -حسب نفس الكتاب.
وحسب المصدر نفسه، لم يرسل محمد الشيخ إجابة مكتوبة للسلطان العثماني، بل اكتفى بجملة نقلها على لسانه رسول السلطان سليمان القانوني مفادها "قل لسلطان صيادين لن يأخذ إجابتي حتى نلتقي بمِصر"، وذلك لأن السلطنة العثمانية كانت تضم أحد أقوى الأساطيل البحرية لذا شبهها أحمد الأعرج بالصيادين، أما بخصوص لقاء مصر أي أن الدولة السعدية ستصل إلى مصر حيث ستلتقي هناك بجيوش سليمان القانوني.
السلاطين والاغتيال
بعدما وصلت الرسالة الشفهية إلى السلطان العثماني "سليمان القانوني" قرر شن حرب على المغرب، لكن نصحه أحد مستشاريه باتباع طرق أقل تكلفة ومغامرة، وذلك عبر إرسال بعض الرجال لاغتيال السلطان السعدي محمد الشيخ.
كان للسلطنة العثمانية في ذلك الوقت رجل يدعى "صالح الكاهية" يشتغل بداخل القصر السعدي تمكنوا من إقناعه للتوسط لبعض الجنود العثمانيين لدى محمد الشيخ، على أساس أنهم هاربون من العثمانيين، وبالفعل تمكن الرجال من كسب ثقة سلطان السعديين وأصبح يَتَّكِلُ عليهم في العديد من الأمور حسب ما جاء في كتاب الدولة السعدية التَكَمَدَارْتِيَة.
استغل رجال السلطان الفرصة وتم قطع رأس السلطان محمد الشيخ ونقله إلى إسطنبول، داخل كيس "خيش" لكيلا يشعر بهم أحد، كما علق رأسه على أبواب قصر السلطان العثماني ليكون عبرة لأي أحد يتحدى السلطنة العثمانية، حسب ما جاء في الكتاب.
بعدها قرر السلطان سليمان القانوني شن حملة على المغرب، إلا أن السلطان السعدي الجديد الذي يدعى "عبد الله غالب" كان يتوقع الهجوم العثماني فكان في الانتظار بالقرب من مدينة تاونات القريبة من مدينة فاس مركز الدولة السعدية.
معركة وادي اللبن.. التي منعت العثمانيين من دخول المغرب
خلال شهر أبريل/نيسان سنة 1558، التقت القوات العثمانية بقيادة "الحسين بن خير الدين باشا" ابن "خير الدين باشا" أحد أقوى قائدي الأساطيل البحرية العثمانية، بنظيره السعدي بقيادة السلطان "عبد الله غالب".
تعد المعركة من بين أشهر المعارك الفارقة بين الطرفين، والتي تُعرف في المراجع التاريخية بمعركة "وادي اللبن" التي حدثت بنواحي مدينة تاونات وسط المغرب.
انتهت المعركة بهزيمة الجيش العثماني غير المتوقعة، خاصة أنهم كانوا يعتقدون أن هذه المعركة هي البوابة لضم المغرب في ظل الأزمة النفسية التي تلقاها السعديون بمقتل السلطان محمد الشيخ -حسب نفس المصدر.
لم تتوقف السلطنة العثمانية عن محاولاتها في ضم المغرب لها، منذ معركة وادي اللبن وحتى تولِّى السلطان السعدي "أحمد المنصور الذهبي" الذي وصفته الكتب التاريخية بأنه الأكثر قوة في تاريخ الدولة السعدية.
انتصر السلطان المنصور لاحقاً في معركة "وادي المخازن"، وهي معركة قامت بعدما طلب ابن أخيه المتوكل من ملك البرتغال مساعدته في استرجاع الحكم من عمّه مقابل منحه المدن الشمالية للمغرب.
التقت قوّات ملك البرتغال ومعها المتوكّل بقوّات عبد الملك الأوّل، وهو أخو المنصور الأكبر. وكان المنصور في تلك المعركة قائد الجيوش، وقد انتهت المعركة بانتصار جيش السعديين بقيادة المنصور، وقد ثبت بعدها حكم المنصور.
وتعرف معركة وادي المخازن بمعركة "الملوك الثلاثة"؛ إذ توفي خلالها ثلاثة ملوك، هم: الملك البرتغالي "سيباستيان" و"المتوكل" و"عبدالملك الأول" الأخ الأكبر للمنصور الذهبي. وبعد وفاة عبد الملك في المعركة بويع أخوه المنصور بعدها ملكاً للسعديين، ليلقّب بأقوى الملوك السعديين.
على الرغم من كل ما وصلت إليه الدولة السعدية خلال فترة حكم المنصور إلا أنها بدأت في الانهيار فور وفاته بسبب إصابته بمرض الطاعون عام 1603 لتقوم بعدها الدولة العلوية التي لا زالت تحكم المغرب حتى اليوم.