لم يكن أخو سارة باين الأكبر "لي" يتوقع أن اللحظة التي سمح فيها لأخته الصغيرة، البالغة من العمر 8 سنوات، بالذهاب إلى المنزل وحيدة دون مراقبة، ستكون المرة الأخيرة التي يراها فيها.
لكن للأسف هذا ما حصل بالفعل، فقد كانت الطفلة سارة تلعب مع إخوتها الأربعة، في حقل ذرة قريب من منزل جدها، لكنها قررت إنهاء اللعب بعدما تسلل الملل إليها، فكان قراراً غيّر مسار حياة عائلتها، بعد تعرضها للقتل والاعتداء من طرف أحد الجيران.
وجعل إنجلترا تقرر إصدار قانون يحمل اسمها، من أجل حماية الأطفال من الاعتداء بمختلف أنواعه.
رحلة إلى منزل الجد تتحول إلى مأساة
في صيف سنة 2000، وبالتحديد في 1 يونيو/حزيران، توجهت عائلة باين، المكونة من أب وأم وأربع أطفال، إلى منزل الجد من الأب الموجود بالقرب من البحر في كينغستون غورس، غرب مقاطعة ساسكس في إنجلترا.
بعد وصول العائلة إلى المنزل خرج الأطفال الأربعة رفقة والدتهم، التي تحمل اسم سارة كذلك، إلى شاطئ البحر من أجل اللعب هناك قليلاً، وفي تلك الأثناء طلبت الجدة من ابنها وزوجته مرافقتها إلى منزل إحدى الجارات، التي انتقلت حديثاً إلى المنطقة، لإلقاء التحية.
بعد تردد وافقت الأم سارة، وطلبت من طفلها الأكبر "لي" البالغ من العمر 13 سنة الاهتمام بإخوته إلى حين عودتهم، وهذا ما كان بالفعل، فقد حرص الأخ الأكبر على مراقبة إخوته واللعب معهم في الوقت نفسه، إلى أن طلب أخوه "لوك" التوجه إلى حقل الذرة خلف منزل الجد من أجل لعب الغميضة هناك، لأن الاختباء هناك سيكون سهلاً.
وافق "لي" على طلب أخيه، وتوجه رفقة بقية إخوته إلى الحقل القريب من المنزل، لكن أثناء اللعب وقعت سارة وجرحت، لكن لم يهتم لأمرها أحد، فشعرت بالملل وقررت العودة إلى المنزل، لكنها لم تقم بأي خطوة دون الحصول على إذن من "لي"، هذا الأخير الذي وافق فقط من أجل إتمام اللعب دون إزعاج منها.
وبعد أن خطت عدة خطوات في اتجاه المنزل، تذكر لي أنه يتحمل مسؤولية سلامة أخته، فقرر اللحاق بها، وإيصالها إلى المنزل بنفسه، فكان يراقبها من بعيد وهو متوجه نحوها، وبمجرد أن سلكت الطريق المتجه نحو اليمين، اختفت سارة عن نظره فركض مسرعاً للحاق بها، لكنها لم تكن هناك.
في تلك اللحظة شاهد "لي" شيئاً ما سيكون السبب في تغيير أحداث قضية اختفاء أخته الغامض والغريب.
البحث لأيام دون نتيجة
تابع الأخ الأكبر طريقه في اتجاه المنزل على أمل رؤية أخته في الطريق، أو داخل المنزل، لكنها للأسف لم تكن موجودة في أي مكان، تذكر "لي" أن إخوته في الحقل وحيدين فأعادهما إلى المنزل، وأخبر عائلته بخبر اختفاء سارة فور عودتهم.
شرعت العائلة بدورها في عملية البحث، كلهم أمل أن سارة قد ضاعت في الأرجاء، وأن إيجادها لن يستغرق سوى بضع ساعات، لكن الأمر كان مختلفاً، وكل جهودهم في البحث كانت دون فائدة.
قررت العائلة الاتصال بالشرطة، وإعلامها بحالة الاختفاء، من أجل التدخل وتكثيف البحث عن سارة، لكن عملية البحث استغرقت ساعات طويلة، كانت بدايتها من المنزل، وصولاً إلى المكان الذي اختفت فيه، لكن الأمر لم يتغير ولم يتم العثور عليها، لا حية ولا ميتة.
وخلال عملية البحث والتحقيقات، تذكر "لي" معلومة غيرت مسار البحث بشكل كامل، وقال إنه عند لحاقه بأخته في حقل الذرة، شاهد رجلاً كبيراً في السن بملامح مخيفة، وشعر طويل به القليل من الشيب، يركب شاحنة بيضاء، وقد أمعن فيه النظر لعدة ثوانٍ، ثم رحل مسرعاً خارج الحقل.
وبعد هذه المعلومة ركزت الشرطة بحثها على الأشخاص من ذوي السوابق، سواء في جرائم الاختطاف، أو القتل، أو الاغتصاب، في المنطقة التي اختفت فيها سارة، شريطة أن تكون لديهم شاحنة بيضاء.
وتم بالفعل التحقيق مع عدد كبير من ذوي السوابق العدلية، من بينهم رجل أربعيني يعيش بالقرب من منزل الأجداد، كان قد حوكم سابقاً في قضية اغتصاب طفلة بعمر 8 سنوات، وبعد 48 ساعة من التحقيق معه تم الإفراج عنه بسبب نقص الأدلة، خصوصاً أنه لا يملك شاحنة بيضاء.
العثور على سارة جثة متحللة
بعد عدة أيام، وانتشار خبر اختفاء سارة، ركزت وسائل الإعلام على القضية، التي أصبحت قضية رأي عام، فأصبح بحث الشرطة مكثفاً بشكل أكبر، معتمدين طرق بحث أخرى، كالبحث في الأنهار، واعتماد طائرات الهليكوبتر لمسح المنطقة بأكملها، إضافة لخروج المواطنين بأنفسهم وتنظيم حملات بحث خاصة.
وخلال تلك الفترة، كانت تصل عدة اتصالات من مجهولين للعائلة من أجل إخبارهم أنهم قد رأوا سارة، لكن كل تلك الاتصالات كانت كاذبة.
وبعد مرور 16 يوماً من البحث، توصل والد سارة باتصال حاسم من مزارع يعيش في المنطقة نفسها التي حصل فيها حادث الاختفاء، قال إنه كان يعمل في حقله كما هو الحال دائماً، وفي تلك الأثناء عثر على حفرة بها طفلة صغيرة عارية بالكامل ومدفونة بداخلها، وعند حضور الشرطة وانتشال الجثة، تبين أنها بالفعل سارة.
كانت جثة سارة متحللة، ومجردة من ملابسها بالكامل، وعليها كدمات غطت جزءاً كبيراً من جسمها، وبعد عملية التشريح تبين أنها تعرضت للعنف والتعذيب بطريقة وحشية، قبل أن يتم قتلها عن طريق الخنق، وبسبب درجة التحلل التي كانت عليها الجثة لم يتم التأكد مما إذا كانت قد تعرضت للاغتصاب أم لا.
في اليوم الثالث بعد العثور على جثة سارة باين، وفي الوقت الذي كانت لا تزال فيه الشرطة تبحث عن المشتبه فيه في القضية، توصلت باتصال من سيدة قالت إنها وجدت حذاءً لطفلة صغيرة، تشك أنه عائد لسارة.
الأم تعرفت على حذاء ابنتها، فقامت الشرطة بتحليله، ليجدوا أن عليه أليافاً من ملابس الرجل الأربعيني نفسه الذي تم التحقيق معه سابقاً، اسمه روي وايتن، وكان محبوساً من قبل في تهمة اغتصاب قاصر.
وقد تبين أن هذا الشخص نفسه موجود في السجن بتهمة السرقة، وقد حكم عليه بعقوبة حبسية مدتها 22 شهراً.
وخلال البحث، تبين أن لهذا الشخص شاحنة بيضاء، وجدت بداخلها أسلاك تم تشكيلها لربط اليدين، وحبال، وسكاكين، وزيت للأطفال، وحلويات.
وبعد القيام بتحليل الأنسجة الموجودة داخل الشاحنة، تم التأكد من أن سارة كانت بالفعل موجودة بداخلها، الشيء الذي أكد أن القاتل أصبح بيد الشرطة، وتم الحكم عليه في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من سنة 2001 بالسجن المؤبد.
قانون "سارة" لحماية القاصرين
في سنة 1995 كان روي وايتن قد حوكم بالسجن بتهمة اغتصاب قاصر، وبسبب اعترافه بالجرم، تم الحكم عليه بأربع سنوات سجن فقط، وهو الحكم الذي رفضه الطبيب النفسي الذي أشرف على حالته، وقال إن هذا النوع من الأشخاص لهم قابلية كبيرة للقيام بالجرم نفسه مرة أخرى، وبعد سنتين ونصف فقط، تم الإفراج عن روي، لمشاركته في جلسات إعادة التأهيل.
القصة البشعة لوفاة سارة على يد أحد جيران عائلة والدها "روي وايتن"، جعلت القضاء في إنجلترا يقرر إصدار قانون جديد يحمل اسمها، من أجل حماية الأطفال والقاصرين من عمليات الخطف والقتل والاغتصاب.
وينص هذا القانون على حق الأهل في الحصول على السجل العدلي لجميع الجيران، في المنطقة التي يريدون الانتقال والعيش فيها، والتأكد من أن المكان آمن للعيش رفقة أطفالهم.