أن يتم تشخيص أعراض مرض نفسي بالخطأ أمر وارد بسبب تشابه بعض أعراض الأمراض المختلفة، وغالباً ما يتدارك الأطباء النفسيون خطأ التشخيص الأولي بعد إجراء مزيد من الفحوصات، وهذا ما حاول عالم النفس، الدكتور ديفيد روزينهان، التأكد منه.
لكنه صُدم بالنتائج بعد أن ذهب هو و7 أشخاص أصحاء آخرين متخفين، ودخلوا أكثر من مستشفى للطب النفسي، من 1969 إلى 1972، وقلدوا أعراض أكثر من مرض نفسي، لمعرفة ما إذا كان الأطباء هناك يمكن أن يكتشفوا أنهم كانوا مخادعين أم لا.
الدافع وراء تجربة روزينهان
في الستينيات كان هناك اعتقاد سائد بين الأطباء النفسيين بأن أي مرض نفسي يمكن تمييزه عن الآخر وتشخيصه بدقة وبكل سهولة، تماماً مثل الأمراض الفسيولوجية التي يمكن تمييزها عن بعضها البعض أو عن شخص يتمتع بصحة جيدة.
وظهر عدد متزايد من الانتقادات لهذا الاعتقاد، بحجة أن التشخيصات النفسية في ذلك الوقت لم تكن موضوعية أو صحيحة مثل نظيراتها الفسيولوجية، ولكنها كانت أشبه بآراء، وبالتالي فهي عُرضة للتحيزات الضمنية حتى عندما يطرحها الأطباء النفسيون المتخصصون أو علماء النفس.
فقرر البروفيسور روزينهان حسم الجدل بطريقة تجريبية لا تقبل الشك، وعقد العزم على إدخال أشخاص ليس لديهم أعراض حالية أو سابقة لاضطرابات نفسية أو مرض نفسي، في مستشفيات الأمراض النفسية.
وإذا تم اكتشاف عدم إصابتهم بأي مرض نفسي، فسيكون هناك دليل جيد على أن الأطباء النفسيين كانوا قادرين على التمييز بين الأمراض النفسية والعقلية المختلفة، وأيضاً التفريق بين الحالة الطبيعية لشخص غير مصاب بأي اضطراب أو مرض نفسي، كون الحالة واضحة بدرجة كافية، ليتم التعرف عليها بسهولة من قبل الممارسين الأكفاء.
دخول مستشفيات الأمراض النفسية لفحص قدرات الأطباء النفسيين
ذهب الأشخاص الثمانية المشاركين في تجربة روزينهان إلى 12 مستشفى مختلف للأمراض النفسية، منتشرة في 5 ولايات أمريكية، يتألف هؤلاء "المرضى المزيفون" من 3 نساء و5 رجال، بما في ذلك روزينهان نفسه.
واتخذ المشاركون أسماء ومهناً مستعارة، وتم توجيههم لتحديد مواعيد في المستشفيات والادعاء أنهم كانوا يسمعون أصواتاً غريبة، وعلى أساس هذه المواعيد، وبعد التشخيص الأولي قرر الأطباء إيداع كل مريض منهم مباشرة في المستشفى الذي اتصل به.
وفقاً لتقرير نشره روزينهان عام 1973 عن تجربته، "لم يعتقد أي من المرضى الزائفين حقاً أنه سيتم قبولهم بهذه السهولة".
لكن النتيجة الصادمة أنه لم يتم إدخال كل "المرضى المزيفين" إلى المستشفى فحسب، بل تم تشخيصهم بمرض انفصام الشخصية جميعاً باستثناء واحد، تم تشخيصه بمرض "ذهان الهوس الاكتئابي".
بينما كل ما فعله "المرضى المزيفون" هو التظاهر بالهلوسة السمعية. ولم تظهر عليهم أي أعراض أخرى ولم يخترعوا أي تفاصيل خاطئة عن حياتهم باستثناء أسمائهم ومهنهم. ومع ذلك تم تشخيصهم باضطرابات نفسية خطيرة.
وبمجرد دخولهم المستشفى، توقف "المرضى المزيفون" عن محاكاة أعراض أي مرض نفسي. وأشار روزينهان لاحقاً إلى أن المرضى الحقيقيين غالباً ما أدركوا أن "المرضى المزيفين"، ليس لديهم اضطراب أو مرض نفسي أو أي مشاكل في الصحة العقلية، بل إن بعض المرضى، اتهمهم بأنهم صحفيون متخفون أو أكاديميون يتفقدون المستشفى.
بينما على العكس، بدا الأطباء النفسيون أقل إدراكاً، بل إن طاقم المستشفى حين شاهد هؤلاء المرضى بدأوا في التصرف بشكل طبيعي مباشرة، شخصوا ذلك في حد ذاته تصرفاً غير طبيعياً.
وعلى سبيل المثال أمر روزينهان "المرضى المزيفين" بتدوين ملاحظات حول تجاربهم داخل المستشفى، وكتبت إحدى الممرضات المشرفات عليهم في تقريرها اليومي أن "المريض يشارك في كتابة سلوكه".
ومرت عدة أسابيع قبل خروج البعض، لكن "المرضى المزيفين" استمروا بتسجيل أنفسهم في مستشفيات أخرى فى الفترة من عام 1969 وحتى 1972.
شكوك حول نتائج تجربة روزينهان وأثر إيجابي
مع نشر نتائج "تجربة روزينهان كانت هناك ضجة كبيرة ونقاش حول عدم موثوقية التشخيصات النفسية والسهولة التي تم بها خداع موظفي المستشفى، لكن بعض الباحثين انتقدوا نتائج "تجربة روزينهان"، خاصة أن بعض المشاركين ربما بالغوا بوصف أعراضهم، وليس كما ورد في سجلات تجربة روزينهان.
وأشار المعترضون على "تجربة روزينهان"، إلى أنه بمجرد تصنيف المرضى وتشخيصهم الأولي، تم تفسير كل ما فعلوه أو قالوه على أنه نموذجي لمريض الفصام أو الاكتئاب الهوسي، هذا يعني أن الموقف الذي كان فيه المرضى الكاذبون كان له تأثير قوي على طريقة الحكم عليهم.ولم يكن طاقم المستشفى قادراً على إدراك المرضى الكاذبين بمعزل عن التشخيصات الأولية الخاصة بهم، وحقيقة أنهم كانوا في مستشفى للأمراض النفسية، يؤثر بشكل جدي بموثوقية وصحة التشخيص النفسي في المستشفى.
لكن الدراسة كانت مفيدة بالتأكيد لتسليطها الضوء على الطرق التي يتفاعل بها طاقم المستشفى مع المرضى، وكانت هي الأساس للعديد من الاقتراحات لتحسين رعاية المستشفى وتدريب الموظفين.