تمكن مجموعة من العلماء من العثور على أقدم دليل في العالم على نجاح عملية بتر في قبر في بورنيو، وهو ما يسبق أقدم مثال معروف لإجراء مماثل بنحو 24 ألف عام.
صحيفة The Guardian البريطانية ذكرت، الأربعاء 7 سبتمبر/أيلول 2022، أن فريقاً علمياً بقيادة علماء آثار من أستراليا وإندونيسيا قد عثر، في عام 2020، على بقايا الهيكل العظمي ذي الساق المبتورة، أثناء التنقيب، بحثاً عن آثار حجرية في كهف من الحجر الجيري في مقاطعة كالمنتان الشرقية بجزيرة بورنيو الإندونيسية.
الصحيفة أشارت إلى أن العلماء تبينوا بعد ذلك أن الهيكل العظمي المعثور عليه هو أقدم شاهد معروف لنا على عملية بتر جراحي أجراها الإنسان، وهو يسبق الشواهد الأخرى التي عُثر عليها في أوراسيا بعشرات الآلاف من السنين.
ووفقاً للصحيفة، فإن العلماء اعتمدوا على قياس أعمار الأسنان ورواسب الدفن باستخدام التأريخ بالنظائر المشعة (radioisotope dating)، لتذهب تقديراتهم إلى أن بقايا الهيكل العظمي يبلغ عمرها نحو 31 ألف عام.
وكشف التحليل الباثولوجي للهيكل العظمي عن زوائد عظمية في أسفل الساق اليسرى تشير إلى التعافي من عملية البتر، وتدل على أن الساق قد بُترت جراحياً قبل عدة سنوات من الوفاة والدفن.
"غاية كبرى لعالم الآثار"
بدوره، قال الدكتور تيم مالوني، الباحث في جامعة غريفيث الأسترالية، والمشرف على عملية التنقيب، إن اكتشافاً من هذا النوع "إنما هو غاية كبرى لعالم الآثار".
مالوني أوضح أن فريق البحث، الذي يضم علماء من هيئة الآثار والترميم الإندونيسية، كان ينقب عن الآثار، فوجدوا علامات قديمة على الحجارة قادتهم إلى موقع الدفن. وبعد 11 يوماً من التنقيب، عثروا على هيكل عظمي لصيَّاد شاب بدت على جذعه علامات الالتئام من بترٍ لساقه اليسرى وقدمه.
زعم مالوني أن علامات التئام القدم، ونظافة الجرح الظاهر في الجذع، تشير إلى أن فقدان الساق ناجم عن عملية بتر جراحية، وليس عن حادثة أو هجوم حيوان، "فالجرح الموجود في الجذع لا تظهر عليه أية علامات على التلوث أو العدوى، وفوق ذلك لا تظهر عليه أية علامات على التكسير" لعوارض غير جراحية.
كان أقدم دليل سابق لدينا على عملية بتر ناجحة هو هيكل عظمي عمره 7 آلاف عام في فرنسا، ويرجع لمزارع مسنّ من العصر الحجري بُترت ذراعه اليسرى من فوق الكوع.
وأضاف مالوني: "الجرَّاح الذي أجرى عملية البتر لا بد أنه كانت لديه معرفة مفصلة بتشريح الجسم، وتقسيم الأوردة والأوعية والأعصاب، لكي ينجو بالمريض من نزيف الدم والعدوى القاتلة. ونجاح العملية يدل على نوع من الدراية بالعناية المركزة، وتدابير التطهير المنتظم لموضع الجرح بعد العملية".
"تنقيح مهم لتاريخ جنسنا البشري"
فيما يرى ماثيو سبريغر، البروفيسور الفخري في كلية الآثار والأنثروبولوجيا بالجامعة الوطنية الأسترالية، أن هذا الاكتشاف ينطوي على "تنقيح مهم لتاريخ جنسنا البشري"، و"تأكيد جديد أن أسلافنا كانوا أذكياء مثلنا، سواء كانت لديهم الأدوات التي نأخذها اليوم أمراً مسلماً به أم لم تكن".
وقال سبريغر: "نحن نميل عادة إلى الغفلة عن أن البشر الذين عاشوا مثلنا قبل 30 ألف عام… لا بد أنهم كان لديهم مفكروهم وأطباؤهم ومخترعوهم. فقد كان عليهم تجربة الأدوية النباتية وغيرها من أساليب العلاج للبقاء على قيد الحياة".