باع روحه للشيطان مقابل مهارة العزف على الغيتار! عن المغنّي الأمريكي روبرت جونسون

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/22 الساعة 11:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/22 الساعة 11:24 بتوقيت غرينتش
روبرت جونسون مغني البلوز وعازف الغيتار الأمريكي - Social Media

في عام 1930 بولاية مسيسيبي الأمريكية، كان الشاب ذو الأصول الإفريقية روبرت جونسون، البالغ من العمر 19 عاماً آنذاك، موسيقياً طموحاً ومبدعاً بموسيقى البلوز، يستطع بعزفه أن يسمِّر رواد المقاهي الليلية في أماكنهم مشدوهين للموسيقى الأخاذة.

لكن ما توقف عنده الجميع حول قصة هذا الموسيقي والمغني الذي يكاد يكون أحد أعمدة موسيقى البلوز التي نعرفها اليوم، هو ما أثير من قصص حوله، تدّعي أنه امتلك تلك المهارة الموسيقية الفريدة فجأة بعد قيامه باتفاق مخيف مع الشيطان.

فما هي قصة مغني البلوز روبرت جونز، الذي عقد اتفاقاً باع فيه روحه للشيطان، مقابل امتلاك مهارة الموسيقى والعزف الفريد على آلة الغيتار؟

مات المغني الشاب في العشرينيات من عمره، ولا يُعرف مكان دفنه حتى اليوم - Twitter
مات المغني الشاب في العشرينيات من عمره، ولا يُعرف مكان دفنه حتى اليوم – Twitter

القصة كاملة

الحكاية الشائعة للرجل المضطرب الذي أبرم اتفاقاً مع الشيطان هي فكرة متكررة في الأساطير المسيحية.

وبحسب صحيفة The Guardian، غالباً ما كانت ترتبط تلك الرواية بشكل أو بآخر مع الموسيقى والموسيقيين الموهوبين، حيث اعتقدوا مثلاً أن عازف الكمان الإيطالي والموسيقار نيكولو باغانيني كان شيطانياً، بسبب مهاراته الاستثنائية.

وكان نيكولو باغانيني عازف كمان وملحناً إيطالياً من أشهر عازفي الكمان في عصره (1782-1840)، وترك بصماته كأحد أعمدة تقنية الكمان الحديثة.

أسطورة عازف الغيتار الذي باع روحه للشيطان

وعلى الرغم من تلك الروايات، لم تثبت أي من هذه الأساطير على أصحابها أبداً، أو حتى ظلت متداولة ومعروفة، مثلما حدث مع عبقري البلوز، روبرت جونسون.

تقول الأسطورة إن جونسون أخذ غيتاره إلى مفترق الطرق السريعة 49 و61 في كلاركسدال، بولاية مسيسيبي، وهناك يُفترض أن الشيطان أعاد ضبط الآلة له، ومنحه سر العزف والغناء الفريد، مقابل امتلاك روحه.

ومنذ تلك الواقعة عاد جونسون بأسلوب رائع وإتقان متناهٍ لموسيقى البلوز التي كانت تتولد بين سود أمريكا في منتصف القرن الماضي.

وبالفعل، فقد توفي روبرت جونسون شاباً، في عام 1938، عن عمر يناهز 27 عاماً فقط تقريباً، بعد حياة مضطربة ومهنة متجولة لم يتمكن في حينها أن يحقق الشهرة أو الثراء الذي تمناهما.

لكن موسيقاه حققت بصمة لا تزال موجودة على الفن الأمريكي والعالمي حتى اليوم.

الحقيقة وراء الأسطورة الشائعة

تم تداول القصة السالف ذكرها لمدة 60 عاماً على الأقل، مع تغيير بسيط في بعض التفاصيل، لكن النتيجة النهائية كانت نفسها دائماً: تأتي مهارة روبرت جونسون من اتفاق أجراه مع الشيطان مقابل روحه.

غالبًا ما يُشار لمصدر القصة إلى كتاب سيرة شخصية كمصدر للقصة، بعد أن قال فيه المؤرخ Pete Welding كيف كان روبرت جونسون، في البداية، موسيقياً فظيعاً وسيئاً للغاية.

ولكن بعد عدم تقديم أية عروض عامة لمدة عامين، تمكن من العودة فجأة إلى أعلى المسرح والفقرات الليلية في المقاهي الموسيقية، متجاوزاً نجاح أقرانه الذين سبقوه بالنجومية في ذلك الوقت.

من المحتمل أن جونسون شخصياً كان بدوره قد عزا قدراته الموسيقية على العزف والغناء، المكتشفة حديثاً، إلى هذا الاجتماع الذي أجراه مع الشيطان بعد حلول الظلام في أحد مفترقات الطرق بالمدينة التي عاش فيها.

مصدر آخر محتمل للقصة هو ليدل جونسون، شقيق تومي جونسون، الذي عمل بدوره كاتباً لموسيقى البلوز، وروى عن الصفقة لأقاربه، بحسب مجلة Vanity Fair الفنية.

وقال آنذاك: إن "السبب الذي يجعل (جونسون) بارعاً فجأة ويعرف الكثير عن موسيقى البلوز هو أنه باع روحه للشيطان".

صورة محسنة للموسيقي الأسود وغيتاره الأيقوني - Twitter
صورة محسنة للموسيقي الأسود وغيتاره الأيقوني – Twitter

أسطورة فلكلورية قد يكون هو من روّجها!

مع الأسطورة التي باتت من الفلكلور الأمريكي، والتي تعود اليوم إلى ما يقرب من 100 عام، أصبح من الصعب بشكل متزايد التحقق من أي ادعاءات من هذا القبيل.

في الواقع، لا تزال المعلومات التي نعرفها عن جونسون شحيحة، فلا يوجد سوى عدد قليل من الصور المعروفة له، وحتى موقع قبره هو موضع خلاف لليوم.

لكن الأساطير تزداد إثارة للاهتمام كلما قلت المعلومات الواقعية عن الشخص.

ومع ذلك، يُعتقد أن منتج التسجيلات جون هاموند من شركة كولومبيا للتسجيلات، كانت له علاقة كبيرة بنشر القصة، وذلك بعد أن أنتج لجونسون أسطوانته الوحيدة التي ظلت موجودة حتى اليوم.

إلا أن هناك مذنباً آخر محتملاً لترويج القصة؛ وهي موسيقى جونسون نفسها؛ إذ إن الأصوات المتقطعة والبعيدة لتسجيلات موسيقى البلوز المبكرة في الولايات المتحدة الأمريكية كان لها نوع من الجودة الخارقة للطبيعة بالنسبة لها.

وربما بسبب الصوت الشبحي والخفيف لموسيقى البلوز، فمن المرجح أن نؤمن بفكرة أن القوى الخارقة التي يوجهها هؤلاء المطربون ويواجهونها هي في الواقع حقيقية، بحسب موقع Treblezine للفن والموسيقى.

حياة بائسة وفقدان لجميع أحبته

كانت حياة روبرت جونسون مليئة بالمصاعب والتمييز منذ سن مبكرة. فقد أُجبر زوج والدته الثري نسبياً تشارلز دودز على الفرار من مدينته بعد تهديدات بالقتل من قبل ملاك الأراضي البيض الغيورين من نجاحه.

وهكذا، حظي جونسون، الذي يُعتقد أنه ولد عام 1911 كأفضل تخمين بسبب غياب تسجيله رسمياً وعدم تحصّله على شهادة ميلاد، بمرحلة صِبا بالقدر نفسه من الصعوبة كطفولته.

يُعتقد أنه تلقى تعليمه في ممفيس، حيث اكتشف شغفه بالموسيقى. ومع ذلك، يُعتقد أنه لم يستقر لفترة طويلة. فقد تزوجت والدته مرة أخرى، وقضى روبرت الأيام المتبقية من شبابه في العناية بمزرعة مثل غالبية الأمريكيين السود في تلك الفترة.

رفض الشاب المتشرد الجريء مصير الزراعة، واختار أن يغني، ما أدى إلى ضرب زوج أمه له لحثه على مساعدته في المزرعة.

ومع بلوغه سن المراهقة، كان يتجول في عروض عطلة نهاية الأسبوع، على أمل أن يحقق ما يكفي من المال للعيش وحده.

وهكذا، التقى بحبيبته، فيرجينيا ترافيس، الفتاة ذات التنشئة الدينية المسيحية المتشددة، وكان بالفعل على وشك بيع غيتاره واعتزال الموسيقى بناءً على طلب من عائلتها، بحسب موقع Far Out Magazine للفن.

وبالفعل تزوجا، وعندما كان جونسون يبلغ من العمر 18 عاماً، توفيت زوجته والطفل أثناء عملية الولادة. حتى ألقى أقارب فرجينيا المتدينون باللوم على جونسون في الوفاة، قائلين إن هذه اللعنة وقعت بسبب موسيقى الشيطان التي تسببت في المأساة.

مقهى ليلي لمفترق الطرق المزعوم للقاء جونسون مع الشيطان - Social Media
مقهى ليلي لمفترق الطرق المزعوم للقاء جونسون مع الشيطان – Social Media

وفاة مبكرة لدفع "ضريبة الشيطان"

أغنية روبرت جونسون الأشهر بعنوان "أنا وموسيقى البلوز الشيطانية" (Me and the Devil Blues)، شرح في كلماتها بالتفصيل عن واقعة لقائه بالشيطان، ومقايضة روحه بالموسيقى.

حتى إنها تطرقت نسبياً لوصف وفاة جونسون بالغامضة والمبكرة، عندما سردت كيف أن الشيطان قد عاد لتحصيل روحه مبكراً بعد استيفاء موعد الدين.

وفي الواقع، تقل السجلات الفعلية حول وفاة الأب الروحي لموسيقى البلوز، لكن يُعتقد عموماً أن روبرت جونسون مات بسبب تسمم الويسكي، أو ربما على يد زوج عشيقته التي ارتبط بها في أواخر عمره.

ومع ذلك، لا نملك سوى أن نتوقف عند كلماته التي رددها في الأغنية قائلاً: "حبيبتي لا أهتم بالمكان الذي تدفنيني فيه عندما أموت وأرحل"، ونفكر، هل كانت تلك الحياة المؤسفة والحصيلة الموسيقية الفريدة نتيجة اتفاقه مع الشيطان على مفترق طرق؟

تحميل المزيد