بدأت نهاية القاتل المتسلسل ميشال فورنيريه في عام 2004، عندما كانت الشرطة البلجيكية قد قضت ما يقرب من عام كامل في تحقيقات مكثفة حول اختفاء ومقتل قرابة 5 فتيات بلجيكيات تتراوح أعمارهن بين 13 و18 بدون جدوى، وبالتزامن مع هذه التحقيقات المكثفة كانت تقبع المشتبه فيها "مونيك أوليفييه"، والتي راوغت الشرطة بكل الطرق الممكنة، ولكن فجأة في أحد الأيام انهارت "أوليفيه" وانهمر سيل الاعترافات منها بخصوص زوجها "ميشيل فورنيريه".
اعترافات "مونيك أوليفييه" كانت تتضمن قيام زوجها المضطرب نفسياً والمهووس جنسياً بالقاصرات، بارتكاب مجموعة من جرائم القتل والاغتصاب لأكثر من فتاة مراهقة ما بين فرنسا -حيث موطنه الأصلي- وبلجيكا، بعدها سقط ميشال فورنيريه في قبضة العدالة لبدء محاكمته، ولكن القصة بدأت في فرنسا قبل ستة عقود.
القاتل المتسلسل ميشال فورنيريه: البداية
وُلد "ميشال فورنييه" عام 1942 في بلدة سيدان الواقعة على الحدود بين فرنسا وبلجيكا لأب عامل لحامات معادن، وأم غير متعلمة، وبحسب سيرته الذاتية كان "ميشال فورنيريه" طفلاً ذكياً أبدى اهتماماً كبيراً بالشطرنج والموسيقى الكلاسيكية والقراءة في سن صغير، ولم يعانِ من أي طفولة قاسية أو تعذيب أو إساءات، ولكن كان يوصف بأنه منعزل وانطوائي، وهو في الأغلب لا يشي بسلوك إجرامي، ولكن في حال "فورنيريه" كان الأمر يختلف.
في سن المراهقة قضى فورنيريه حياة عادية لم تكن للجريمة فيها أي تواجد مُسجل بشكل رسمي، ولكن بعد تخرجه في الدراسة المتوسطة بدأت حياته تتعثر عندما فشل في أن يحتفظ بأي وظيفة من بين وظائف متعددة كان أبرزها مشرف تنظيم بإحدى المدارس في "آردين" بفرنسا.
فورنيريه وبداية الانحراف
في بداية الستينيات تزوج ميشال فورنيريه من امرأة فرنسية لم ينجب منها أية أطفال، وسرعان ما كان الطلاق حتمياً عندما لاحظت الزوجة أن لزوجها خيالات وميولاً منحرفة تتمحور حول الفتيات الصغيرات في عمر المراهقة، وبعد الطلاق تزوج مرة أخرى عام 1962 بعد أن قضى مدة عام في الخدمة العسكرية في سلاح الطيران الفرنسي، وانتقل إلى الجزائر لمدة عام.
بعدها عاد إلى فرنسا، وكان لديه طفلان آنذاك ولكن بدلاً من رعايتهما تحول "ميشال فورنيريه" إلى مهووس جنسي بالفتيات الصغيرات وبدأت الخيلات تخرج من نطاق التفكير إلى نطاق التحرش، وفي عام 1966 ألقي القبض عليه أول مرة بتهمة التحرش الجنسي بفتاة تبلغ 14 عاماً وقضى في السجن عدة أعوام. وفي الفترة من 1966 حتى 1973 تم توجيه أكثر من اتهام له بالعنف والتلصص والتحرش الجنسي في مناطق فردان ونانت الفرنسيتين.
وفي مارس/آذار 1984 دخل السجن لعدد كبير من تهم الاعتداء واغتصاب الفتيات القاصرات حوكم دائرة في منطقة باريس الرئيسية وحكم عليه بالسجن 7 سنوات، قضى منها عامين وقضى 5 سنوات تحت الإيقاف والمراقبة، وكان من بين أبرز علامات الانحراف لـ "ميشال فورنيريه" هي رسالته الشهيرة أثناء سجن، عندما أرسل من داخل محبسه إعلاناً للنشر في إحدى الصحف الأسبوعية يقول فيه: "سجين يرغب في مراسلة أي شخص في أي عمر لنسيان وحدته".
مونيك أوليفيه تظهر في حياة صائد العذراوات
في عام 1987 كانت مونيك أوليفيه واحدة ممن تجاوبوا مع إعلان "فورنيريه" وتوطدت العلاقة بينهما عبر المراسلة لعدة أشهر، ثم كان اللقاء الأول بينهما عندما أتت لزيارته في السجن، وبعد الزيارات المنتظمة أطلق سراحه لحسن السير والسلوك، بعدها ارتبطا رسمياً في عام 1988.
بعدها كان ميشال فورنيريه قد بدأ في التعرف على أحد المجرمين وصديقته، والذي خطط معه لعملية سرقة وتجارة مخدرات، ولما بدأت الأموال تنهال عليه خطط بصحبة صديقه المجرم والذي كانت لديه معلومة عن إحدى الغنائم المخبوءة من قِبَل مجرم عتيد تعرف عليه في السجن، وبعد أن عثر "فورنيريه" ورفيقه على الذهب المخبأ؛ فر بصحبة زوجته التي كانت على علم بأغلب جرائمه إلى إقليم آردين بفرنسا، وابتاع منزلاً منعزلاً، ولما كانت العزلة تبعده عن هدفه الأول في اصطياد الفتيات الصغيرات، انتقل في أواخر التسعينيات إلى الحدود الفرنسية – البلجيكية حيث تمكن من الإيقاع بأغلب ضحاياه.
السقوط والمحاكمة
بعد الفرار بدأ "ميشال فورنيريه" في ممارسة خيالاته المريضة، واجتذاب أكبر قدر من المراهقات لقتلهن واغتصابهن، وبرغم أن الزوجة أنكرت أي معرفة بجرائم زوجها؛ إلا أن فورنيريه اعترف لاحقاً أن زوجته "مونيك أوليفيه" كانت ترافقه وتساعده في التخطيط لجرائمه.
وبين الأعوام 1988 و2002 قتل "ميشال فورنيريه" وزوجته ما يقرب من 9 فتيات -بحسب الأرقام الرسمية- وإن كانت الأدلة تشير إلى أن انحرافاته وجرائمه قد تشي بعدد غير محدد من الضحايا، والبعض الآخر من خبراء الجريمة رجحوا أن يكون العدد بين 19 و25 ضحية.
ومن بين أبرز ضحاياه "إيزابيل لافيل" البالغة من العمر 17 عاماً والتي اختطفها مع زوجته في ديسمبر/كانون الأول 1987 أثناء عودتها من المدرسة، وتم اكتشاف الجثة في 2006، و"ناتاشا دانيس" البالغة من العمر 13 عاماً والتي كانت قد اختفت في 1990، في جنوب ضواحي نانت، وعثر على جثتها في العام التالي.
وفي 2004 بدأت النهاية عندما اعتقل "ميشال فورنيريه" في بلجيكا مشتبهاً به بعد أن فرت آخر ضحاياه من قبضته وهي فتاة تبلغ 13 عاماً من صندوق سيارته وقامت بإبلاغ الشرطة، التي ألقت القبض عليه، وبعدها ألقي القبض على "مونيك أوليفيه" زوجته، والتي كانت هي المفتاح لانهياره واعترافه بقتل واغتصاب 9 فتيات، أقر أنه يختارهن عذراوات تحديداً لممارسة هوسه و"يصطادهن" بالحيلة والخديعة، ولم يكن يتعاطف مع ضحاياه، وكان أول من أطلق لقب الغول عليه هو نفسه.
بعدها حوكم "ميشال فورنيريه" وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، وفي مارس/آذار 2020 أضيفت إلى جرائمه واحدة أخرى هي جريمة مقتل "ستيل موزين" 19 عاماً، والتي كانت قد اختفت في 2003، واعترف ميشال فورنيريه من نفسه بقتلها بعد 17 عاماً من اختفائها، وبعد إضافة حكم جديد له توفي "فورنيريه" عام 2021 أثناء سجنه في مايو/أيار عن عمر يناهز 79 عاماً، بعد أن فشل إسعافه من أزمة تنفسية حادة.