من الصعب أن تجد في عالمنا اليوم شخصاً لا يميز صوت فتح علبة أو زجاجة مياه غازية، خاصة كلما ارتفعت درجات الحرارة، فقد ارتبطت على مدى عقود طويلة فكرة الشعور بالانتعاش والترطيب بشرب المياه الغازية ومشروبات الصودا، وقد يتسائل البعض لماذا تفور الصودا؟ ما قد لا يعرف الكثيرون أن الصودا لها تاريخ قديم، ويقف خلف شعبيتها العديد من الأسباب؛ من أبرزها استكشاف الجديد في عالم الكيمياء، والشغف لتطوير مشروبات تختلف عن السائد في العالم قديماً.
كما أن الصودا لعبت دوراً كبيراً في تغيير الثقافة الشعبية في كل بلاد العالم تقريباً، ومن بين أبرز التساؤلات التي قد يطرحها الكثيرون حول الصودا، وهو سؤال منطقي تماماً: ما السر وراء الفقاعات الغازية الشهيرة التي تدغدغ الفم والحلق والمريء؟ هذا ما سوف نتعرف عليه في هذا التقرير.
الصودا.. تاريخ قديم
المشروبات التي تحتوي على خواص فوارة effervescent طبيعياً موجودة منذ قديم الأزل، ولكنها كانت تختلف عما نعرفه اليوم؛ فهناك مثلاً "الجعة"، وكانت تُصنع من محاصيل مختلفة، مثل الشعير والحنطة والبلح، وفي بعض الأحيان من القمح. كانت تُدق الحبوب فى أوانٍ بمطارق خشبية، ثم تُبلل بالماء، ثم تُعجن وتُشكل على هيئة أرغفة خبز، وكانت تُخبز جزئياً أو تتم تدفئتها للحصول على أبرز أسباب العنصر الفوار: الخميرة.
ثم بعد ذلك تقطع الأرغفة المخمرة، وتعجن مرة أخرى ويضاف إليها الماء، أو الماء بالسكر الناتج عن البلح المنقوع، يُترك العجين ليختمر ثم يُصفى للحصول على الجعة.
وهناك أيضاً مشروب قديم له خواص فوارة خفيفة مثل شاي الكومبوتشا الياباني، الذي يحتوي أيضاً على الخميرة ذات الخواص الفوارة طبيعياً.
كيف تطورت المشروبات الغازية الحديثة؟
بدأت المشروبات الغازية الحديثة على يد "جوزيف بريستلي"، والملقب أيضاً بـ"أبو صناعة المشروبات الغازية"، وكان رجل دين وعالم دوائيات، وهو كان أول من صنع جهاز كربنة (خلط ثاني أكسيد الكربون بالسوائل) عام 1772، وفي عام 1794 وبعد انتشار كبير في أنحاء أوروبا، ظهر أول مشروب غازي شائع في العالم على يد رجل الأعمال والصائغ السويسري "جاكوب شويب"، المشتق من اسمه مشروب "شويبس" المعروف، والذي بدأ في بيع المياه الغازية (المياه الفوارة من دون أية نكهات) لأصدقائه وأقاربه ومعارفه في مدينة "جنيف" التي اشتهرت بكونها مركزاً للصناعات والتجارة بين الأثرياء، والتي كان قد أشيع عنها طبياً آنذاك أن لها فوائد في تحسين الهضم.
انتشرت المياه الغازية أو الفوارة لاحقاً دون أية نكهات، ولكن في عام 1820 أضافت شركة أمريكية الزنجبيل، وقدمته باسم مشروب "دكتور بيبر" Dr Pepper، وهو مشروب شهير في أمريكا حتى اليوم، وحظى بشعبية واسعة، وفي ثلاثينيات القرن التاسع عشر ظهرت لأول مرة نكهة الليمون في مشروبات "دكتور بيبر"، ولكن عام 1886 شهد طفرة غيرت العالم عندما اخترع الصيدلاني جون بيمبرتون في أتلانتا بولاية جورجيا مشروب الكوكاكولا، أول مشروب كولا في العالم، والأكثر شعبية حتى يومنا هذا بمختلف ماركاته وعلاماته التجارية.
والآن.. لماذا تفور الصودا؟
المبدأ الأساسي كما ذكرنا يعتمد على "كربنة المياه" ثم إضافة النكهة، والكربنة لا تؤدي إلى تكون الرغوة أو الفقاعات المتراقصة فحسب، بل تتفاعل أيضاً مع الماء لتوليد "حمض الكربونيك"، الذي يعطي المشروب نكهة لاذعة أيضاً.
وبعد دمج الصودا مع ثاني أكسيد الكربون، يتحرر الغاز مسبباً فقاعات وفقاً لمبدأ في الكيمياء الفيزيائية يُعرف باسم قانون هنري، اقترحه الكيميائي البريطاني ويليام هنري عام 1803، وهو القانون الذي ينص على أن "كمية معلومة من الغاز الذائب في سائل معلوم النوع والحجم تتناسب طردياً مع الضغط الجزئي لذلك الغاز الطافي فوق السائل".
وهذا يفسر الأمر بشكل أوضح؛ فإنه عند تعبئة الصودا في علب أو زجاجات، يمتلئ الفراغ في العبوة بثاني أكسيد الكربون ويستقر أعلى المشروب بشكل مضغوط؛ ويكون الضغط في العبوة أعلى من الضغط الجوي العادي، ووفقاً لقانون هنري، يظل ثاني أكسيد الكربون الذائب في السائل طالما العبوة مغلقة، وعند فتح علبة أو زجاجة الصودا، ينطلق الكربون المضغوط في الهواء محدثاً صوت فتح الصودا الشهير.
ولذلك أيضاً إذا اهتزت أو ارتجت العلبة أو الزجاجة قبل فتحها، فالغاز المحبوس داخل السائل يتحرك، ويصعد لينضم إلى الغاز الطافي فوق السائل؛ ما يولد ضغطاً أعلى، ويؤدي إلى اندفاع الصودا بقوة إلى الخارج عند فتح العلبة، وهذا سبب تدفق المشروبات الغازية عند رجّها بقوة.