على مر التاريخ، كان للألوان قيمة ومعانٍ عميقة عند استخدامها في الشؤون المختلفة. إلا أنه في بعض المناسبات المحددة، وصلت الألوان وما كانت ترمُز إليه لدرجة من الخطورة التي جعلت من الضروري حظر استخدامها في الدولة.
البنفسجي الملكي المحظور على عامة الشعب
على سبيل المثال، ارتبط اللون البنفسجي أو "الأرجواني الملكي" بالنبلاء على مر التاريخ، ولا تزال تلك التسمية للون قائمة حتى اليوم في اللغة الإنجليزية.
وخلال عصر الإمبراطورية الرومانية، وصل الأمر إلى أن أي شخص غير نبيل يغامر بارتداء اللون الأرجواني كان يواجه خطر الإعدام.
وكجزء من القوانين الفخمة المحصورة على النبلاء، التي قيدت ما يمكن أن ترتديه كل طبقة اجتماعية وفقاً لمكانتها ومستوى ثرائها، منعت الملكة إليزابيث الأولى، حاكمة إنجلترا وأيرلندا حتى مطلع القرن الـ17، أي شخص- باستثناء عائلتها- من ارتداء الأرجواني.
ويشير موقع Medium إلى أن هذه الدرجات من الألوان ارتبط بالعائلة المالكة آنذاك باعتقاد أن هذا اللون الأرجواني المحمر كان شبيهاً بالدم الجاف.
كذلك كان اللون الأرجواني بدرجاته الداكنة المائلة إلى الاحمرار، كانت شائعاً بين الطبقة الحاكمة في مصر، والطبقة الحاكمة في بلاد فارس، والطبقة الحاكمة في الإمبراطورية الرومانية حتى منتصف القرن الخامس عشر الميلادي.
ولأن صُنع اللون الأرجواني كان صعباً ومكلفاً للغاية، أصبح نادراً جداً، وكانت مدينة صور الفينيقية هي المُنتِج الرئيسي للأرجواني، المعروف أيضاً باسم الأرجواني الملكي أو الأرجواني الإمبراطوري.
نُدرة وصعوبة الأرجواني الملكي
كان لا بد من جمع مئات الآلاف من الحلزونات البحرية وكسرها وتعريضها لأشعة الشمس لاستخراج الصبغة (مما أدى إلى رائحة مقززة للغاية لإنتاج اللون الأرجواني الملكي قديماً).
وبالنسبة لإنتاج نحو 30 غراماً من الصبغة، استهلكت هذه الطريقة ما يصل إلى 250.000 حلزون، مما جعلها باهظة التكلفة بالنسبة للجميع تقريباً، خاصةً أنه كان يتم العثور على الحلزون فقط في البحر الأبيض المتوسط، بحسب مجلة Live Science العلمية.
إلا أن اللون لم يظل بتلك القيمة الباهظة طويلاً، فأثناء البحث عن علاج مضاد للملاريا عام 1856، أنتج الكيميائي البريطاني سير ويليام هنري بيركين عن غير قصد صبغة أرجوانية غير مُكلفة. فأصبح اللون الأرجواني في متناول عامة الناس بسبب هذه الصبغة الجديدة، والتي أُطلق عليها فيما بعد اسم "موفين" في اللغة الإنجليزية.
الأحمر الصيني وخطر الموت بالتسمُّم
تاريخياً، كانت ألوان الأحمر الزاهي الممنوع في بعض دول آسيا، والمعروف في اليابان باسم كينجزيكي، هو لون الملابس، الذي كان احتكار استعماله ملكية خاصة للمسؤولين وحُكام الدولة.
ويُعرف اللون المقصود باسم أحمر الصين، وهو مزيج يتميز بلونه الأحمر البرتقالي الناجم عن الزئبق، وكلما كانت جزيئات الزئبق أصغر في اللون، كان القرمزي الأحمر المقصود أكثر إشراقاً.
وبحسب موقع My Modern Met للفنون، كان هذا اللون الزاهي تم استخدامه لما يقرب من 8000 عام، منذ أن استورده الرومان القدماء من إسبانيا واستخدموه في مستحضرات التجميل والفنون.
كما تم استخدامه لتسليط الضوء على مخطوطات العصور الوسطى.
تم تكليف السجناء والعبيد قديماً بمهمة تعدين الزنجفر، وهو خام الزئبق، في مناجم المادين الإسبانية، ثم تم تسخينه وسحقه لتشكيل صبغة باللون الأحمر القرمزي الزاهي.
كذلك تم استخدام اللون في رسومات عصر النهضة، وبالطبع في الصين، حيث حصل على اسمه البديل "الأحمر الصيني". وهناك كان يُخلط مع عصارة الأشجار ويُستخدم في طلاء المعابد، وحبر الكتابة، وفي تلوين صناعات الفخار.
بدائل ألوان أقل سمية لطلاء المعابد
وبالرغم من أن الصينيين القدماء تمكنوا من صنع الزنجفر الاصطناعي، لكنه كان لا يزال ساماً بدرجة كبيرة ومهددة للحياة.
في نهاية المطاف، تم استبداله بأحمر الكادميوم، وهو معدن أقل سمية من السابق، وتم استخدامه كخيار للفنانين في القرن العشرين، لأنه كان أقل تهديداً للحياة ولم يتحول إلى اللون البني المحمر، بعكس الأحمر الزئبقي.
وإلى اليوم لا يزال اللون البرتقالي الأحمر الزاهي مرتبطاً بالثقافة الصينية التقليدية، ويرتبط بالحظ الجيد والسعادة والرخاء.
الأخضر الفيكتوري لطبقة النبلاء
في أوائل القرن التاسع عشر، اكتسحت صبغة جديدة المجتمع الفيكتوري الراقي. فقد ابتكر صانع الألوان الألماني كارل ويلهيلم شيل ظلاً من اللون الأخضر النابض بالحياة، لدرجة أنه أصبح رمزاً للسيدات اللائي يحضرن الحفلات في جميع أنحاء أوروبا الغربية.
وقد جعلت تقنية مصابيح الغاز الجديدة الأحداث الليلية أكثر إشراقاً، وكان هذا الأخضر الزمردي مثالياً في الأزياء للتعبير عن أن مرتديته هي امرأة عصرية.
وسرعان ما اجتاح الأخضر النابض جميع أنحاء بريطانيا في الفساتين وورق الحائط والسجاد والنباتات الاصطناعية.
لسوء الحظ، تم صنع لون الصبغة الجديد هذا من الزرنيخ النحاسي الذي يحتوي على عنصر الزرنيخ المميت.
وعانت النساء اللواتي ارتدين الملابس بهذا اللون من البثور البشعة والغثيان الحاد، كما بدأت العائلات تصاب بالمرض عند دخول الغرف الخضراء تبعاً للموضة.
كما عانى عمال المصنع الذين استخدموا الصبغة يومياً من فشل في الأعضاء وخطر الموت، إذ عانت إحدى صانعات الزهور المزيفة باللون الأخضر، وتُدعى ماتيلدا شورير، من وفاة مؤلمة.
فقد تقيأت باللون الأخضر، وتحول بياض عينيها إلى اللون الأخضر، وأخبرت الآخرين قبل أنفاسها الأخيرة أن كل شيء رأته كان أخضر.
وعلى الرغم من أن الناس في ذلك الوقت كانوا على دراية بأن الزرنيخ كان مميتاً عند تناوله عبر الفم فحسب، إلا أن الضجة حول اللون الأخضر الجديد وتبعاته الصحية ساعدت في نشر فكرة أن المادة يمكن أن تقتل من خلال طرق التعرض الأخرى أيضاً.
على الرغم من أن الأطباء ووسائل الإعلام اكتشفوا الصلة بسرعة، قاوم الناس التحذيرات باسم الموضة حتى عام 1895، بحسب موقع Racked.
الأبيض المصنوع من الرصاص القاتل
منذ القرن الرابع قبل الميلاد تقريباً، كان الإغريق والرومان والمصريون القدماء يستخدمون الصبغة البيضاء السميكة في الماكياج والطب والطلاء.
وكانت عملية صنع اللون الأبيض بسيطة إلى حد ما: نقع معدن الرصاص في الخل، ثم كشط المسحوق الأبيض الذي يتشكل على المعدن واستخدامه.
وقد كان العديد من المصنّعين والفنانين يصابون بما أطلق عليه "مغص الرسام"، والذي نعرفه الآن على أنه تسمم بالرصاص. حتى إن الاتساق السميك للرصاص الأبيض وسرعة جفافه جعلاه مفضلاً لدى الفنانين في جميع أنحاء أوروبا.
لكن الرصاص يمكن أن يدخل الجسم إذا تم استنشاقه أو بلعه أو امتصاصه عبر الجلد، ويمكن أن يسبب ضرراً طويل المدى للدماغ والكلى، بحسب موقع Web Exhibitions للتاريخ.
وعلى الرغم من أنه كان واضحاً أن هذا الطلاء كان مميتاً، لم يتمكن الفنانون من العثور على تطابق جيد مع لونه الكريمي الكثيف، وقد تم استخدامه حتى تم حظره رسمياً حول العالم بحلول 1970 تقريباً.