على حطام منازل السوريين المهجرين في "الحجر الأسود"، انعقدت شراكة ثلاثية بين النظام السوري وشركتي إنتاج إماراتية وصينية، لإنتاج فيلم يستخدم منطقة الحجر الأسود المدمرة مسرحاً لأحداثه المستوحاة من قصة حقيقية تدور في اليمن عام 2015، وذلك تحت إشراف الممثل والمنتج الصيني الشهير جاكي شان.
بعيداً عن الضجة التي أحدثها استغلال شركات الإنتاج لمآسي السوريين وأوجاعهم، تعالوا نعرفكم سريعاً على تلك المنطقة التي حولها الطيران السوري والروسي إلى "تراب أسود".
سكان "الحجر الأسود".. من الجولان المحتل إلى دمشق المنكوبة
قبل القصف السوري- الروسي العنيف للمدينة الممتدة من نهاية "شارع 30" في مخيم اليرموك وحتى مشارف مدينة "سبينة"، كان عدد سكان "الحجر الأسود" يزيد عن 400 ألف نسمة، أما اليوم فقد باتت تلك المدينة التابعة إدراياً لمحافظة دمشق مجرد مدينة أشباح خالية وحُرم سكانها من العودة إليها.
قبل بدء الثورة السورية، كانت مدينة "الحجر الأسود" من أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان في دمشق، وتشتهر بأن غالبية سكانها هم مهاجرون من الجولان المحتل.
وتشمل الأحياء الرئيسية في الحجر الأسود كلاً من "حي تشرين وهو الحي الشرقي للمدينة"، و"حي الثورة وهو الحي الغربي". وبالإضافة إلى المهاجرين من الجولان، يقطن الحجر الأسود خليط من مختلف المناطق السورية مثل الشام والدير والفرات، كذلك يقطنها الشركس والتركمان واللاجئون الفلسطينيون.
"التراب الأسود"
كانت "الحجر الأسود" من أوليات المناطق التي شاركت في الثورة السورية في دمشق، وفي وقت مبكر من تاريخ الثورة في عام 2012، أعلن الجيش السوري الحر بسط سيطرته على المنطقة، بعد أن سيطر كذلك على مخيم اليرموك.
ومنذ ذلك الحين تعهد جيش الأسد بتدمير المنطقة وتسويتها بالأرض، حتى إن أحد ضباط جيش الأسد دعا إلى تحويل المنطقة من "الحجر الأسود" إلى "التراب الأسود"؛ في إشارة منه إلى ضرورة هدم أبنية المنطقة وحرقها لتصبح رماداً.
وبالفعل دفع أهالي "الحجر الأسود" ثمناً باهظاً لمشاركتهم في الثورة، فحاصرت قوات النظام المنطقة واستهدفتها بالمدفعيات في بداية الأمر، ثم استعانت لاحقاً بالطيران الروسي، ولم تدُم فترة سيطرة الجيش الحر على الحجر الأسود طويلاً؛ إذ سرعان ما بسطت "داعش" سيطرتها على المنطقة، ولم تخرج منها إلا في عام 2018 ليتسلمها النظام السوري منذ ذلك الحين بعد أن تحولت إلى مدينة تسكنها أشباح من قُتلوا بعد أن فرّ القلة الناجون.
ولم يكتفِ النظام السوري بمعاقبة أهالي "الحجر الأسود" بتدمير منازلهم فحسب، بل نظمت القوات الأمنية التي انتشرت في المنطقة عمليات نهب ممنهجة عملت على سرقة كل ما بقي صالحاً للاستخدام والبيع من بيوت الأهالي، بما في ذلك الأثاث والأدوات الكهربائية والرخام والبلاط، بل حتى القضبان الحديدية في المباني المدمرة.
علاوة على ذلك، لا يزال النظام السوري يعرقل عملية عودة الأهالي الراغبين في تسوية أوضاعهم والعودة إلى أحيائهم، على الرغم من أنه أصدر قراراً عام 2021 يسمح فيه للسكان بالعودة لترميم منازلهم والعيش فيها.
إنتاج إماراتي صيني على حطام دمشق
يبدو أن النظام السوري لم يكتفِ بتدمير الحجر الأسود وتهجير سكانه ومنعهم من العودة، فعمد كذلك إلى الاستثمار في هذا الدمار عبر السماح لشركات الإنتاج الفني بالتصوير على حطام مباني المنطقة.
فقد وقع اختيار فريق العمل السينمائي الصيني Home Operation على منطقة "الحجر الأسود" لتكون مسرحاً لتصوير الفيلم المستوحى من أحداث حقيقية ويروي قصة إجلاء الصين لنحو 600 شخص من رعاياها المدنيين والدبلوماسيين و200 مواطن من جنسيات أخرى، من اليمن عام 2015.
يذكر أن الفيلم من إنتاج شركة الأفلام الصينية SYX Pictures وشركة Art Maker Production الإماراتية وقد نسقت الشركتان مع حكومة النظام السوري للبدء بعملية التصوير في منطقة الحجر الأسود.
أما المنتج التنفيذي للفيلم فهو الممثل والمخرج والمنتج السينمائي الصيني جاكي شان وهو من إخراج سونغ يينكسي.
وقد بثّت القناة العربية لشبكة تلفزيون الصين الدولي، تقريراً مصوراً يظهر طاقم الفيلم مع السفير الصيني بدمشق وسط الدمار في "الحجر الأسود"، في إعلان عن بدء تصوير "أول فيلم صيني في سوريا" الذي يتوقع الانتهاء من تصويره هناك قريباً.