أحدثت صور تلسكوب جيمس ويب (James Webb Telescope) ثورة تجاوزت المتخصصين والمهتمين بأبحاث ودراسات الفضاء، وفجرت رؤية صور لآلاف المجرات التي تسبح في الفضاء الشاسع لكوكبنا الكثير من التساؤلات، مثل كيف التُقطت صور تلسكوب جيمس ويب؟ وماذا يعني التقاط هذه الصور بالنسبة لأبحاث الفضاء؟ وغيرها من التساؤلات التي سنحاول الإجابة عليها في هذا التقرير.
كيف التُقطت صور تلسكوب جيمس ويب؟
تلسكوب جيمس ويب الفضائي؛ هو مرصد فضائي عالي القدرة، مصمَّم لمتابعة تكوين النجوم والكواكب وتطور المجرات، اقترح في العام 2007 باعتباره مرصداً يكلف مليار دولار، وأُطلق عام 2021 بعدما كلف 10 مليارات دولار، إذ يختلف عن التلسكوبات الأخرى الموجودة في محيط الغلاف الجوي الأرضي في دقته العالية وقوته التي تتجاوز تلسكوب هابل الفضائي الأيقوني، الذي زود علماء الفلك بصور للمجرات البعيدة والثقب الأسود والكون منذ إطلاقه عام 1990 وحتى آخر تحديثاته عام 2009.
يعتقد علماء الفلك أن تلسكوب جيمس ويب، المسمى على اسم ثاني مديري "ناسا" (1961: 1968) سيساعد في مراقبة صور النجوم الأولى التي تشكلت بعد الانفجار العظيم، ويساعدنا أيضاً في فهم كيفية اندماج هذه النجوم وتشكيل المجرات وكواكبها، بالإضافة إلى البحث عن أية آثار للحياة على كواكب أو مجرات أخرى.
جوهرة التلسكوب هي مرآته التي يبلغ قطرها 6.5 متر، والتي تعتبر أكبر مرآة ترسل إلى الفضاء على الإطلاق، إذ فاقت مرآة هابل البالغة 2.4 متر، وهذه المرآة التلسكوبية الضخمة صنعت من البريليوم المطلي بالذهب، أو بالأحرى 18 قسماً سداسياً، كل منها بحجم طاولة كبيرة، وتدعم هذه المرآة التي تشبه زهرة عباد الشمس أو عش النحل في شكلها أكثر من 1200 محرك لالتقاط أدق التفاصيل في الفضاء.
هذه المرآة التي التقطت الصور التي نشرتها وكالة ناسا شكَّل بناؤها تحدياً حتى تستطيع التقاط صور ملونة للمجرات بهذه الدقة العالية. فبشكل علمي بحت؛ تحمل المرآة 4 أدوات ومعدات مصممة خصيصاً لالتقاط الأشعة تحت الحمراء بحساسية شديدة، مع العلم أن الأحمر هو أطول الأطوال الموجية ومعظمها في الأشعة تحت الحمراء، وبشكلٍ بسيط؛ تستطيع دقة هذه المرآة التقاط الصور بدقة 0.1 ثانية قوسية، أي تصوير عملة معدنية صغيرة على بُعد 40 كيلومتراً، أو كرة قدم على بُعد 550 كيلومتراً.
وما ساعد أيضاً على التقاط هذه الصور الدقيقة أن التلسكوب لا يدور حول الأرض نفسها، بل في نقطة تتساوى فيها جاذبية الأرض والشمس بعضها مع بعض، وتسمى "نقطة لاغرانج"، والتي تبعد 1.5 مليون كيلومتراً من الأرض، وهي ثلاثة أضعاف المسافة من الأرض إلى القمر، ما يمنحه نقطة قراءة أوضح للكون لم تصلها التلسكوبات السابقة، وليكمل حلقة واحدة من الدوران حول هذه البقعة، فإنه يقضي حوالي نصف عام أرضي.
هذا التلسكوب الذي بنته "ناسا" مع وكالة الفضاء الأوروبية، وجرى تجميع أجزائه بواسطة شركة Northrop Grumman الأمريكية لصناعات الفضاء والصناعات العسكرية يبلغ عمره الافتراضي 10 سنوات، أو بالأحرى هي المدة الأولية التي سيظل فيها مزوداً بالوقود ليعمل، كما شرح موقع Space العلمي المهتم بأبحاث الفضاء.
ما هي صور تلسكوب جيمس ويب؟
نشرت "ناسا" حتى الآن 5 صور لمجرات التقطها تلسكوبها عالي الدقة جيمس ويب، الأولى والأشهر تعرف باسم SMACS 0723، وهي أعمق وأدق صورة بالأشعة تحت الحمراء للكون البعيد، وتظهر آلاف المجرات، بما في ذلك أضعف الأجسام التي لوحظت في الأشعة تحت الحمراء، ورغم ذلك ذكرت الوكالة أن المنطقة التي تغطيها الصورة تشمل جزءاً ضئيلاً من الكون، ويشمل "رقعة من السماء بحجم حبة الرمل التي يحملها شخص ما على الأرض وينظر إليها بطول ذراعه"، كما شرحت عبر موقعها الرسمي.
الصورة الثانية اشتهرت بـStephan's Quintet أو "خماسي ستيفان"، وهي صورة لـ5 مجرات مدمجة، وهي أكبر صورة للتلسكوب حتى الآن وتقع على بُعد 290 مليون سنة ضوئية من الأرض (تم تصويرها لأول مرة على الإطلاق عام 1787)، وتغطي الصورة الحالية حوالي خمس قطر القمر، وهي صورة بدقة 150 مليون بكسل، وتم إنشاؤها مما يقرب من 1000 ملف صور منفصل، لتعطي صورة متلألئة من ملايين النجوم المنفجرة.
الصورة الثالثة من Carina Nebula، وهو أحد أكبر وألمع السدم في السماء، ويقع على بُعد 7600 سنة ضوئية، الصورة التي تبدو كأنها مجموعة من الجبال والوديان، هي في الحقيقة صورة مليئة بالنجوم تسمى NGC 3324، وموجودة في السحابة الكونية سديم كارينا، وتظهر شكل الفضاء لحظة ولادة النجوم بهذه السحابة التي يبلغ ارتفاعها حوالي 7 سنوات ضوئية، وتم نحت هذه السحابة بواسطة الأشعة فوق البنفسجية والرياح النجمية المنبعثة من النجوم حديثة التشكل الساخنة وكثيفة الكتلة.
الصورتان الرابعة والخامسة Southern Ring Nebula وصفتهما ناسا بأنهما لـ"نجم باهت في وسط الصورة يرسل حلقات من الغاز والغبار الفضائي في جميع الاتجاهات لآلاف السنين، وسمت الصورة NGC 3132. وهذا السديم الدائري الجنوبي عبارة عن سحابة غازية متوسعة يبلغ عرضها نصف سنة ضوئية تقريباً، وتحيط بنجم يحتضر على بُعد 2000 سنة ضوئية.
ما معنى التقاط هذه الصور بالنسبة لأبحاث الفضاء؟
رغم دقة الصور وتصويرها مساحات شاسعة من الفضاء، لكن العلماء لم يستطيعوا حتى الآن رؤية الكواكب في المجرات الأخرى رغم تصوير هذه المجرات بالفعل، نظراً لأن اكتشاف جسم صغير للغاية في وهج نجمه الأم سيكون بمثابة الوقوف على بُعد مبنى واحد، ومحاولة رؤية فراشة ترفرف بجوار ضوء الشارع، تخيل مدى صعوبة ذلك رغم دقة التلسكوب.
إذ يعتقد علماء الفلك أن تصوير الكواكب خارج مجرتنا التي تدور حول النجوم الأخرى سيتم اكتشافها بإحدى طريقتين؛ إما بـ"طريقة العبور"، التي يميز فيها علماء الفلك التعتيم الصغير للضوء في النجم الأم أثناء مرور كوكب يدور أمامه، أو بـ"طريقة السرعة الشعاعية"، إذ يبحث فيها العلماء عن التذبذب الصغير في موضع النجم عندما تجتاحه جاذبية الكوكب الذي يدور حوله.
وحسب مجموعة من علماء الفلك الذين استشارتهم مجلة Times الأمريكية حول ما ننتظره بعد هذه الصور، إذ دارت آراؤهم حول أن التلسكوب جيمس ويب التقط بالفعل صوراً للكواكب الخارجية، ولو بشكل ضعيف، فعلى سبيل المثال، استطاع التلسكوب الحصول على الطيف الكيميائي من مجرة WASP-96b والذي يكشف أن الغلاف الجوي غني بالمياه، وهو مكون الحياة الرئيسي الذي نعرفه.
هذه الصور والتفاصيل التي يقدمها تلسكوب جيمس ويب ستساعد لاحقاً في الكشف عن أية علامات للحياة على هذه الكواكب خارج مجرتنا، وذلك من خلال بحث الضوء المتدفق من النجم الأم لكل غلاف جوي لكل من هذه المجرات، إذ سيكشف ذلك عن تركيبة الغازات وإمكانية البصمات الكيميائية للبيولوجيا.