شهد شهر يونيو/حزيران من عام 2022، إضرابات واسعة في صفوف العاملين بقطاع الطيران في العديد من دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، بسبب تدني الأجور ونقص الأيدي العاملة خاصةً بعد بداية أزمة كورونا؛ مما تسبب في إلغاء مئات الرحلات الجوية في العديد من المطارات الحيوية وتكبُّد الشركات خسائر مادية فادحة.
ومع استمرار الإضرابات وتوسُّعها لتشمل دولاً مختلفة والخروج في مسيرات للمطالبة بتحسين ظروف العاملين، هناك سؤال مُلح يدور في الأذهان: كيف ستنتهي هذه الإضرابات؟ وهل ستقوم الحكومات بتنفيذ المطالب حتى تعود حركة الطيران لطبيعتها أم ستقوم باتخاذ اجراءات تجاه الموظفين؟
للإجابة عن هذه التساؤلات، هناك عدة سيناريوهات لإضرابات قطاع الطيران حدثت في الماضي، أحدها تم حله في نصف ساعة وآخر طُرد فيه أكثر من ألف موظف، أما الأنجح فقد حصل فيه العمال على الزيادة التي طالبوا بها.
أول إضراب في تاريخ أمريكا يتسبب ببيع شركة الطيران
في عام 1932، قام طيارو الخطوط الجوية التجارية الأمريكية الذين يعملون لصالح شركة طيران ركاب بين الولايات تسمى Century Air، بإعلان إضراب عن العمل لمدة شهرين بدعم من اتحاد طياري الخطوط الجوية؛ احتجاجاً على خفض الأجور بنسبة 40% الذي فرضه مالك شركة الطيران.
كان الإضراب الذي دام شهرين هو الأول في تاريخ شركات الطيران التجارية وأيضاً أول عمل مُهم لجمعية طياري الخطوط الجوية (ALPA) التي كانت تمثل 23 طياراً مضربين.
وبعد عقد جلسات استماع في الكونغرس والإدانات العلنية للشركة، أُجبِر مالك الشركة في النهاية على بيعها لشركة الطيران (AVCO)، الشركة الأم لشركة الخطوط الجوية الأمريكية.
سلط الإضراب الضوء على المشكلات التي تواجه صناعة الطيران التجاري التي بدأت في النمو والتنوع بشكل كبير لأول مرة. وفي الوقت نفسه، أدى نجاحه في ترسيخ جمعية طياري الخطوط الجوية كقوة نقابية مهمة.
أكبر إضراب لشركات الطيران في العالم انتهى برفع الأجور
في شهر يوليو/تموز من عام 1966، أضرب أعضاء الرابطة الدولية للميكانيكيين في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية والذين كانوا يعملون لدى خمس شركات طيران أساسية فيها.
لمدة 43 يوماً وخلال ذروة موسم السفر الصيفي، تم إالغاء 60% من الرحلات التجارية الأمريكية، حيث شارك 35000 عامل في اعتصام شمل 230 مطاراً، وعُرف بأنه أكبر إضراب في تاريخ شركات الطيران في العالم.
وقد جاء هذا الإضراب بعد عدة سنوات من الأجور الثابتة في قطاع الطيران رغم ازدهار الصناعة وارتفاع الأرباح، ومطالب العمال بمشاركة الأرباح من خلال الحصول على نسب أعلى في أجورهم.
وفي مواجهة المأزق بين رابطة الميكانيكيين وشركات النقل الخمس، قدَّم مجلس الطوارئ الرئاسي ما سماه بنوداً لـ"حل وسط"، رفضها العمال.
ومع اكتمال التحول من المحركات الترددية إلى المحركات النفاثة بحلول منتصف الستينيات، كانت أرباح شركات الطيران هائلة. فعلى سبيل المثال، حققت شركة "إيسترن" في عام 1965، أرباحاً وصلت إلى 29.7 مليون دولار. وشركة "يونايتد" نحو 27.3 مليون دولار، وسجلت الصناعة ككلٍّ فائضاً قدره نصف مليار دولار.
من مناولي البضائع وعمال النظافة إلى موظفي المخازن والمفتشين وعمال الخدمات الغذائية، انضم كل الموظفين في القطاع إلى الميكانيكيين في صفوف الاعتصام.
أسفر الإضراب عن إلغاء رحلة أكثر من 150 ألف مسافر يومياً للخطوط الجوية، وتأخر البريد والشحن الجوي، وبدأت الفنادق ووكالات السفر والمنتجعات والشركات الأخرى تتأثر بالحجوزات التي ألغيت.
في خطوة لكسر الإضراب، أعلن مجلس الطيران المدني أنه سيسمح لشركات الطيران التي لا تزال تعمل بزيادة خدماتها، وسيُسمح لشركات الطيران الأخرى باستئجار طائرات من الخطوط الخمسة التي توقفت. لكن نقابة عمال النقل رفضت العمل على أي طائرة مستأجرة من شركات النقل الخمس.
أحضر الرئيس ليندون جونسون المفاوضين إلى البيت الأبيض في يوم الإضراب الثاني والعشرين، وعرض تسوية تشمل زيادة بنسبة 4.5% كل عام لمدة ثلاث سنوات. لكن العمال رفضوا التسوية بأغلبية 17251 صوتاً مقابل 6587.
وبعد جلسة أخرى في أغسطس/آب في اليوم الـ43 من بدء الإضراب، تم إعلان تسوية جديدة تشمل زيادة إلى ستة في المائة، والأهم من ذلك أنها اشتملت على بند تكلفة المعيشة وتحسين كبير في شروط العمل.
إضراب انتهى بطرد أكثر من 11300 موظف
في 5 أغسطس/آب من عام 1981، بدأ الرئيس رونالد ريغان في تسريح ما يقارب 11359 موظفاً من مراقبي الحركة الجوية، بسبب انتهاك أمره بالعودة إلى العمل بعد إضرابٍ دامَ 48 ساعة.
قبل يومين من إصدار القرار، أعلن ما يقرب من 13000 مراقب حركة جوية إضراباً عن العمل، بعد أن أثبتت المفاوضات مع الحكومة الفيدرالية لزيادة رواتبهم وتقصير أسبوع عملهم عدم جدواها.
وقد اشتكى المراقبون من ظروف العمل الصعبة وعدم الاعتراف بالضغوط التي يواجهونها؛ مما تسبب بإلغاء نحو 7000 رحلة جوية في جميع أنحاء البلاد.
في اليوم نفسه، وصف الرئيس ريغان الإضراب بأنه غير قانوني وهدد بطرد أي مراقب لم يعد إلى العمل في غضون 48 ساعة.
كما أمر روبرت بولي، رئيس رابطة مراقبي الحركة الجوية المحترفين (PATCO)، بدفع 1000 دولار يومياً غرامات لتعويض الخسائر.
في 5 أغسطس/آب، نفذ الرئيس ريغان تهديده، وبدأت الحكومة الفيدرالية في طرد 11359 من مراقبي الحركة الجوية الذين لم يعودوا إلى العمل. الإجراء التنفيذي، الذي اعتبره كثيرون متطرفاً، أدى إلى تباطؤ كبير في السفر الجوي لأشهر.
إضافة إلى ذلك، أعلن فرض حظر مدى الحياة على إعادة توظيف المضربين من قِبل إدارة الطيران الفيدرالية (FAA).
وفي 17 أغسطس/آب، بدأت إدارة الطيران الفيدرالية في قبول طلبات العمل لمراقبي الحركة الجوية الجدد.
إضراب أنهاه كلينتون بعد 24 دقيقة فقط من خلال طرح "فترة تهدئة"
في فبراير/شباط من عام 1997، سارعت شركة "أميركان إيرلاينز"، يوم السبت، لإعادة جدولة مواعيد طائراتها بعد أن قطع الرئيس بيل كلينتون إضراب الطيارين بعد دقائق فقط من إغلاقه لحركة المطارات.
كان تدخُّل كلينتون بعد دقائق من إصدار قادة النقابات وجميع الطيارين الأمريكيين البالغ عددهم 9300، قراراً بالتخلي عن العمل، بعد فشل خمسة أيام من المفاوضات المكثفة مع الإدارة في تحقيق اتفاق على عقد عمل جديد للموظفين مدته أربع سنوات.
أقام كلينتون تعليقاً طارئاً للإضراب وشكَّل مجلس طوارئ، وفقاً لما أذن به قانون عمال السكك الحديدية لعام 1926. وأعلن فترة "تهدئةٍ" مدتها 60 يوماً مع استمرار الشركات في العمل.
خلال فترة التهدئة، سيقدم مجلس الطوارئ توصيات لكلا الجانبين للنظر فيها. وإذا لم يكن هناك حل بعد 60 يوماً، يمكن استئناف الإضراب. لكن يمكن للكونغرس بعد ذلك، التدخل وفرض تسوية.
جاء رد رئيس رابطة الطيارين المتحالفين، جيمس سوفيتش، بقبول التهدئة وعودة الطيارين الفورية لوظائفهم، وبذلك أوقف كلينتون الإضراب الذي استمر 24 دقيقة، والذي كان سيكلف الاقتصاد الوطني ما يصل إلى 200 مليون دولار في اليوم وشركة الطيران نحو 30 مليون دولار يومياً.