إذا كنتَ تبحث عن مكان ساحر تقضي فيه عطلتك السنويّة أو حفل زفافك، فإنّ زنجبار هي المكان المناسب لذلك، ليس بسبب مناخها اللطيف وبحرها ذي المياه الصافية والرمال البيضاء وحسب، وإنما أيضاً لما تمتلكه هذه الجزيرة من تاريخ عتيق مليء بالأحداث.
فيما يلي، لمحة عن جزيرة زنجبار، بدءاً من تاريخها وصولاً إلى السياحة فيها.
معلومات عن جزيرة زنجبار
يُطلق اسم زنجبار على مجموعة من الجزر الواقعة في المحيط الهندي والتابعة لدولة تنزانيا شرق القارة الإفريقية، فيما تتمتع زنجبار- أو كما يطلق عليها باللهجة المحلية "زنزبار"- بسلطة ذاتية واسعة.
تتألف زنجبار من 52 جزيرة، أبرزها الجزر الرئيسية التي تشكل أرخبيل زنجبار، وهي أونغوجا التي تضم العاصمة ستون تاون، وبمبا وتومباتو.
إطلالة تاريخية على زنجبار
عُرفت زنجبار عند قدماء الإغريق والرومان باسم منوثياس، إذ كان بينهما العديد من الصلات التجاريّة، أما أول ذكر لزنجبار فكان في كتاب أُلِّف باليونانية ويسمى "قاموس المحيط الهندي".
ويقول موقع African Adventures إن التجار من شبه الجزيرة العربية وبلاد فارس والهند ربما بدأوا في الوصول إلى زنجبار خلال القرن الأول الميلادي، عن طريق الإبحار عبر المحيط في ظل الرياح الموسمية.
فبدأت مدن الموانئ الثرية في الظهور على طول الساحل، وتم بناء ميناء كبير محمي في مدينة زنجبار الحالية.
على الرغم من أن الجزر نفسها لم تقدم كثيراً من الموارد للتجار خلال هذه الفترة، فإن زنجبار كانت موقعاً ممتازاً للتجارة واستكشاف ساحل شرق إفريقيا، كما أنها جعلت موقع التوقف المثالي للتجار في طريقهم إلى آسيا والشرق الأوسط وداخل إفريقيا.
في النهاية، بدأ بعض التجار الفارسيين في الاستقرار بمدينة ستون تاون بشكل دائم، ولا يزال تأثيرهم على الهندسة المعمارية والمطبخ والثقافة في زنجبار واضحاً حتى يومنا هذا.
في حين يُعتقد أن التجار من اليمن قاموا ببناء أقدم مسجد في نصف الكرة الجنوبي بقرية كيزيمكازي على الساحل الجنوبي لزنجبار، بعد العثور على نقش يؤكد ذلك على أحد جدران المسجد مع عام 1107.
وصول فاسكو دا جاما إلى زنجبار
وصل فاسكو دا جاما، المستكشف البرتغالي الذي كان أول أوروبي يصل إلى الهند بنجاح عن طريق البحر، إلى زنجبار في عام 1499.
مع وصوله، تم إدخال الثقافة الأوروبية إلى الجزر، وأصبحت زنجبار رسمياً جزءاً من الإمبراطورية البرتغالية، بعد سنوات قليلة وتحديداً في العام 1505، عندما نجح الأسطول البحري البرتغالي بقيادة فرانسيسكو دي ألميدا، الذي تم تعيينه حاكماً ونائباً للملك في دولة الهند البرتغالية، بعملية الإنزال في سواحل زنجبار، فنهبوها وأحرقوا منازل السكان فيها، وقاموا بتدمير السفن الراسية في مرافئها، بحسب كتاب "البرتغال فى إفريقية" لجيمس دفى.
حكم سلاطين عُمان لزنجبار
بعد تأكد خسارتهم لسلطنة عُمان في ستينيات القرن السابع عشر، حاول البرتغاليون أن يحافظوا على سيطرتهم على بعض سواحل شرق إفريقيا بالحديد والنار؛ لقمع أي محاولة تحرر في هذه المناطق وتحديداً زنجبار، إلا أنهم كانوا على موعد مع الأسطول العُماني الفتي الذي وجّه أنظاره للسيطرة على الساحل الإفريقي.
وكانت اللحظة الحاسمة بالنسبة للعُمانيين في عام 1694، بعدما استنجد أهالي زنجبار بالسلطان العُماني لنجدتهم من البرتغاليين الذين ارتكبوا مجازر ضد السكان المحليين.
فلبّى الإمام العُماني سلطان بن سيف اليعربي النداء، وتوجه بجيشه وأسطوله إلى سواحل شرق إفريقيا، ونجح في عام 1696 بتدمير الحاميات البرتغالية الموجودة في بمبا التابعة لزنجبار.
أصبحت زنجبار تحت حكم سلطنة عُمان رسمياً عام 1698، لتعزز بعدها حركات التجارة المتبادلة بين الخليج العربي وإيران والهند وجزر زنجبار، التي كانت تعرف حينها بساحل "الزنج"، وقد ازدهرت زنجبار تحت حكم العُمانيين، خصوصاً في زمن الدولة البوسعيدية عام 1744.
في عام 1840، نقل السلطان العُماني عاصمته من مسقط في عُمان إلى ستون تاون، حيث أسس نخبة عمانية حاكمة، وزاد من حجم مزارع القرنفل التي كان يعمل عليها العبيد المستورَدون من شرق إفريقيا، وشجع التجار من الهند على الاستقرار على الجزر.
واستمر الحكم العربي العماني لزنجبار عقوداً طويلة من الزمن، حتى أواخر القرن الثامن عشر وبالتحديد سنة 1891، حيث بدأت الوصاية البريطانية على زنجبار، لمدة 70 عاماً، والتي استغلت الانقسامات الداخلية بين أفراد الأسرة الحاكمة العُمانية.
السيطرة البريطانية على زنجبار
في عام 1891 دخلت القوات البريطانية إلى زنجبار وأعلنتها محمية تابعة لها، وفي العام 1893 نصبت حمد بن ثويني سلطاناً تابعاً لها على محمية زنجبار، لكنّ وفاته المفاجئة في العام 1896 والتي يرجَّح أنها نتيجة قتله بالسم، هاجم ابن عمه خالد بن برغش البوسعيدي القصر الملكي ونصب نفسه سلطاناً.
إلا أن البريطانيين لم يعترفوا بسلطته؛ لمخالفته لرغبتهم في أن تكون خلافة الحكم لصاحب الحق وهو السلطان حمود بن حمد، وقد أدى ذلك إلى نشوب الحرب الإنجليزية-الزنجبارية، التي تعد أقصر حرب بالتاريخ (ما بين 36 إلى 45 دقيقة).
وقد انسحب خالد البوسعيدي من القصر قاصداً القنصل الألماني في الجزيرة، فأعطاه حق اللجوء ونُفي إلى دار السلام فعاش فيها حتى احتلتها بريطانيا في 1916، فاضطر إلى تسليم نفسه للبريطانيين الذين نفوه مرة أخرى إلى سيشل ثم جزيرة سانت هيلانة، ثم سُمح للسلطان فيما بعد بالعيش في مومباسا حتى توفي فيها في عام 1927.
الاستقلال وإعلان جمهورية زنجبار بمساعدة إسرائيل!
في عام 1963، حصلت زنجبار على الاستقلال كعضو بالكومنولث، ومع ذلك، وفي عام 1964، أعلن الزنجباري عبيد كرومي انقلاباً على السلطان البوسعيدي "جمشيد بن عبد الله" معلناً قيام الجمهورية، وقد قُتل خلال هذا الانقلاب ما بين 5 آلاف و12 ألف شخص من أصول عربية وهندية، إضافة إلى اعتقال ونفي الآلاف.
ووفقاً لما ذكرته الموسوعة العلمية "ويكيبيديا"، فإن المخابرات الإسرائيلية قد ساهمت في الانقلاب وفقاً للكاتب يوسي ميلمان بجريدة "هآرتس" الإسرائيلية، في مقال له بتاريخ 7 أغسطس/آب 2009، ذكر فيه أسماء عدد من ضباط المخابرات الإسرائيلية المشاركين في الانقلاب ومنهم دافيد كيمحي ورؤوفين مرحاف وناحوم أدموني.
وفي العام ذاته اندمجت زنجبار مع البر الرئيسي تنجانيقا لتشكيل جمهورية تنجانيقا وزنجبار المتحدة، لكن بعد عدّة أشهر تم تغيير اسمها إلى جمهورية تنزانيا، ولكن حتى يومنا هذا لا تزال زنجبار منطقة شبه مستقلة في تنزانيا.
الإسلام في زنجبار
يبلغ عدد سكان زنجبار نحو مليون ونصف المليون، نحو 98% منهم من المسلمين، مع أقليات مسيحية وهندوسية وسيخ.
أما اللغة الرسمية في الجزيرة فقد كانت العربية في العهد العماني ولكنها تحولت فيما بعد إلى اللغة الزنجبارية وهي لغة سواحيلية، إضافة إلى اللغة الإنجليزية التي خلفها الاحتلال البريطاني للبلاد.
في حين يعاني المسلمون بالبلاد حالياً من الفقر والتخلف رغم ارتفاع نسبتهم وكثرة كنوز أراضيهم.
أما فيما يخص التركة الإسلامية، فقد ترك العُمانيون العديد من الآثار العمرانية في زنجبار، لا سيما بناء 300 مسجد فيها.
ومن الآثار الباقية حتى الآن القصور التي شيدها السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي في زنجبار منذ عام 1806، منها قصر بيت الساحل، وقصر المتوني، الذي يُعد أقدم وأكبر القصور في زنجبار بذلك الوقت، إضافة إلى القصور التي كان يُشيدها السلاطين لزوجاتهم وأبنائهم، مثل بيت الواتورو والبيت الثاني وبيت الرأس.
ويوجد قصر السلطان برغش الفاخر، الذي بناه على أعمدة ضخمة من الحديد تدور به الشُّرَف من جهاته الأربع وزيَّنه بكتابة القرآن الكريم بماء الذهب. وفي منتصف الساحل الغربي لجزيرة زنجبار توجد مدينة زنجبار التي هندسها المهندسون العمانيون على شكل مثلث، وما زالت تحتوي على بعض المباني ذات الأحجار الكبيرة البيضاء ذات الطابع الإسلامي العربي.
السياحة في زنجبار
زنجبار وجهة فريدة ومناسبة للسياحة التراثية، بصرف النظر عن ستون تاون، أحد مواقع التراث العالمي، فقد تم وضع علامة على مجموعة من المباني باعتبارها الأكثر أهمية ثقافياً ومعمارياً في زنجبار وضمن ذلك قصر ماروهوبي ومساجد كيزيمكازي.
إضافة إلى ذلك تقدم جزر زنجبار العديد من الميزات في مكان واحد، حيث تجمع بين سحر الطبيعة الخضراء والبحر والشواطئ الذهبية التي توفر الاستجمام والاسترخاء والتراث التاريخي والثقافي، ومن أهم مناطقها:
جزيرة بمبا: هي الجزيرة الثانية من حيث الحجم والمساحة في مجموعة جزر زنجبار، بطول 78 كم وعرض 23 كم، تتميز بتربة رملية خصبة وتشتهر بزراعة جوز الهند والقرنفل والأرز والموز، وهي منتج لأجود فصوص القرنفل في العالم.
حديقة جوزاني تشواكا باي الوطنية: هي محمية طبيعية تبلغ مساحتها 50 كيلومتراً مربعاً، وهي وجهة سياحية لتجربة الأدغال اإأفريقية، تشمل النباتات الاستوائية الكثيفة والمتشابكة والأشجار والحيوانات والفراشات المختلفة.
ستون تاون: يقع الجزء التاريخي القديم من زنجبار على الساحل الغربي للجزيرة، وهو أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، والمنطقة موطن للمواقع التاريخية والمباني القديمة والآثار، وشبه جزيرة متصلة بزنجبار، وأحياناً جزيرة منفصلة بسبب عوامل المد والجزر، على أساس الشعاب المرجانية والطين، وتمتد المدينة الحجرية على مساحة 83 كم2 وتضم 23 مجمعاً تجارياً و50 مسجداً وكنيستين.