ها قد حلَّ الصيف، وبدأت الأشياء تشتعل حرفياً، فقد اجتاحت أول موجة حرّ كبيرةٍ الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسبانيا وبعض الدول الأخرى، وبينما يُتوقع أن يتجه النصف الشمالي من الكرة الأرضية إلى فصل صيفي أشد حرارة من المعتاد، سيتعرض عدد أكبر من الناس لمستويات خطرة من درجات الحرارة العالية والرطوبة.
كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على الإنسان؟
وفقاً لما ذكرته مجلة Time الأمريكية، فإن موجات الحر تقتل عدداً أكبر من الناس كل عامٍ مقارنة بالأعاصير والبرق والزوابع والفيضانات والزلازل مجتمعةً.
وقد قُدِّر أن إحدى موجات الحر في عام 2003 بأوروبا تسببت في 70 ألف حالة وفاة.
ومع ذلك فإن القليلين فقط يدركون تأثير الحرارة المرتفعة على جسم الإنسان، وربما يكون السبب هو أن التفكير في الأمر مروّع للغاية.
ووفقاً لما ذكره موقع جامعة بوسطن الأمريكية، يمكن أن تؤدي الأيام الحارة إلى إصابة الناس بالجفاف والإجهاد الحراري وفي الحالات القصوى ضربة الشمس.
لكن الأيام الحارة ترتبط أيضاً بارتفاع مخاطر الإصابة بعدد من الحالات الأخرى التي لا يُعتقد عادةً أنها "مرتبطة بالحرارة"، مثل مشاكل الكلى والتهابات الجلد والولادة المبكرة بين النساء الحوامل.
في الواقع، تمثل ضربة الشمس والإجهاد الحراري والجفاف جزءاً صغيراً نسبياً من إجمالي المخاطر الصحية المرتبطة بأيام الحرارة الشديدة.
ووفقاً لموقع Scientific American، عندما يتعرض الشخص للحرارة لفترة طويلة جداً تصبح أنظمة جسم الإنسان التي تُمكنه من التكيف مع الحرارة مرهقة، وأول شيء يتوقف عن العمل هو القدرة على التعرق، فلا تبرد الأوعية الدموية؛ وبالتالي ترتفع درجة حرارة الجسم، وتبدأ سلسلة من بروتوكولات الطوارئ لحماية الوظائف الحيوية.
يزداد تدفق الدم إلى البشرة فيجهد القلب أكثر، فمقابل كل ارتفاع في الحرارة بمقدار نصف درجة مئوية، يرتفع معدل ضربات القلب للشخص العادي 10 ضربات في الدقيقة، ما يؤدي إلى نبضات متسارعة والشعور بالدوار.
فيرسل الدماغ إشارات إلى العضلات بالإبطاء، ما يُسبب الإجهاد، وتختل الخلايا العصبية بدورها مُؤدية إلى الشعور بالصداع والغثيان أو حتى القيء.
ثم يؤدي فرط التعرق إلى اضطراب الإلكتروليتات؛ ما قد يؤدي إلى التقلصات العضلية.
وما سبق هو بداية أعراض الإعياء الحراري، الذي ما لم يُعالَج بالابتعاد عن الشمس، والراحة وتناول شيء بديل للإلكتروليتات، يمكن أن يتحول سريعاً إلى شيء أشد خطورة.
وإذا استمرت درجة حرارة الجسم في الارتفاع متجاوزةً 40 درجة مئوية، تبدأ الأعضاء في التوقف وتتدهور حالة الخلايا، وقد تحدث سكتة قلبية، بسبب فرط الإجهاد، وهذه هي أعراض ضربة الشمس.
قد يبدأ المرضى بالهلوسة أو يصابون بالتشنجات، ويمكن أن يتوقف بعضهم عن التعرق تماماً وتظل بشرتهم جافة وساخنة فقط، أما داخلياً فتتسارع الالتهابات لتزيد الضغط على الكليتين.
ماذا يحدث عند الإصابة بضربة شمس؟
يبدأ الشخص بالتعرق بغزارة، وعندما يتوقف ذلك، يصبح الجسم شديد الحرارة.
في النهاية يبدأ ذلك في التأثير على الدماغ، وعندها يبدأ الناس في الارتباك ويمكن أن يفقدوا وعيهم.
التشبيه الذي نستخدمه هو أنك إذا كنت تقود سيارة ولاحظت أن ضوء درجة الحرارة يضيء، فإن ما يحدث هو أن نظام تبريد السيارة أصبح غارقاً.
إذا قمت بإيقاف تشغيل السيارة وتركتها تبرد في النهاية، يمكنك البدء في القيادة مرة أخرى.
لكن إذا واصلت قيادة السيارة، فإن المشكلة تتجاوز نظام التبريد لتؤثر على المحرك، وفي النهاية ستتوقف السيارة.
قبل أن يصاب شخص ما بضربة شمس كاملة، ما ردود فعل الجسم المبكرة للحرارة الزائدة؟
طفح حراري وتشنجات عضلية، هما علامتان مبكرتان على الناس الذين يتعرضون للحرارة، وإذا لم يتم التعامل مع هؤلاء، فقد يؤدي ذلك إلى أعراض أكثر حدَّة.
يمكن أن يكون التقلص العضلي ناتجاً عن عدد من المشكلات المختلفة، من ضمنها عدم وصول الشوارد إلى العضلات.
يجب أن يدرك الناس أن احمرار بشرتهم وجفافها مؤشران على أن الحرارة تؤثر عليهم.
كيف تؤثر الحرارة على الدماغ والصحة العقلية؟
تشير مجموعة متزايدة من الأدلة إلى أن ارتفاع درجات الحرارة في الأيام الحارة، قد يؤثر سلباً على صحتنا العقلية.
على سبيل المثال، وجدت دراسة حديثة بنيويورك في عام 2021، أجرتها مجلة علم البيئة الكلية "Science of The Total Environment"، أن للحرارة تأثيرات مهمة على الإدراك والمزاج والجوانب الأخرى لصحتنا العقلية ورفاهيتنا، إذ إن الأيام الحارة مرتبطة بارتفاع مخاطر زيارات غرفة الطوارئ، بسبب اضطرابات المزاج والقلق والفصام والخرف، إضافة إلى ارتفاع مخاطر الإصابات في الأعمال المهنية.
ما العوامل التي تجعل الشخص أكثر عرضة للتأثر بالحرارة؟
تُعرض الأيام الحارة جداً الجميع للخطر، ولكن لا شك في أن بعض المجموعات وبعض المجتمعات معرضة لخطر أكبر من غيرها.
العمال في الهواء الطلق- مثل عمال الزراعة وعمال البناء وتنسيق الحدائق- معرضون بشكل خاص لخطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالحرارة.
كما أن كبار السن، والنساء الحوامل، والأشخاص الذين يعانون من أمراض معينة موجودة مسبقاً، والذين لا يمكنهم الوصول إلى الأماكن المكيفة هم أيضاً أكثر عرضة لخطر الإصابة.