في عصر "الترند" يسهل لك أن تلاحظ مدى حب الناس لتتبُّع أخبار المشاهير ومعرفة المزيد عن أسرار حياتهم الخاصة، ورغم أن البعض يفعل ذلك على سبيل التسلية لا أكثر، فإن هذه السلوكيات تتطور لدى آخرين إلى مرض يُعرف في علم النفس باسم "متلازمة عبادة المشاهير".
حتى إن المصابين بهذه المتلازمة يختلفون فيما بينهم، فبعضهم يكتفي بمتابعة المشهور المفضل لديه باهتمام قد يصل حد الهوس وبعضهم الآخر قد تتطور حالتهم إلى مستويات تدفعهم إلى تعقُّب المشهور المفضل لديهم ومضايقته وإزعاجه، وإذا كان المشهور سيئ الحظ مثل… فقد يكون الموت مصيره.
ما هي متلازمة عبادة المشاهير؟
يطلق هذا المصطلح على أولئك المهتمين بالمشاهير بشكل مفرط لدرجة أن متابعة أخبارهم وتفاصيل حياتهم الشخصية تتحول إلى إدمان أو نوع من الوسواس القهري. وقد يشمل المشاهير الذين يحوزون اهتماماً مرَضياً من الجمهور، السياسيين والكُتاب والشخصيات العامة، لكن هذا الهوس يصيب، بشكل أكبر، الأشخاص المهتمين بمتابعة نجوم السينما والتلفزيون وعالم الغناء.
وقد صيغ مصطلح "متلازمة عبادة المشاهير" للمرة الأولى، من قِبل الأكاديمية لين ماكوتشون وزملائها الباحثين، في أوائل عام 2000.
مع ذلك يُعتقد أن أول من استخدم هذا المصطلح هو الصحفي جيمس تشابمان في مقال نشره بصحيفة الـ"ديلي ميل"، إذ تحدث المقال عن دراسة نشرها الطبيب جون مالتبي وزملاؤه في مجلة الأمراض العصبية والعقلية، بعنوان "تفسير سريري للمواقف والسلوكيات المرتبطة بعبادة المشاهير". كما وصف الصحفي سلوك أولئك الذين تناولتهم الدراسة بأنه "مرض جنون الأيقونة".
عبادة المشاهير.. مرض المستويات الثلاثة
ويصنف الباحثون الأشخاص المصابين بهذه المتلازمة إلى ثلاثة مستويات:
المستوى الأول: وهو الأقل حدة بين المستويات الثلاثة، وفيه يكون المصاب منجذباً إلى مشهور معين، بسبب الهالة التي أحاطته الشهرة بها، ويكون هذا المشهور محور أحاديث الشخص المصاب بالمتلازمة، ويميل دائماً إلى إيجاد أصدقاء يشاركونه اهتماماته ويعجبون بالمشهور ذاته، لكن الحديث عن المشاهير والإعجاب بهم في هذا المستوى لا يتعدى كونه وسيلة من وسائل الترفيه الاجتماعي.
المستوى الثاني: في هذا المستوى يتطور وضع المصاب بمتلازمة عبادة المشاهير فيطور مشاعر قوية تجاه شخصيته المحبوبة المفضلة، ويبدأ بالتعامل مع المشهور المفضل لديه على أنه فرد من أفراد أسرته أو أصدقائه المقربين، فيتبنى أفكاره ومبادئه ويدافع عنها بشراسة؛ بل يهاجم من يخالفها.
المستوى الثالث: في هذه الحالة يصل المصاب بالمتلازمة إلى حد خطير يطور معه أوهاماً وتصورات غير حقيقية حول هذا المشهور، وقد يصل به الهوس بالشخصية المشهورة إلى حد ملاحقتها وإزعاجها.
تشخيص المصابين بمتلازمة عبادة المشاهير
وفقاً لما ورد في موقع Psychology Today، فقد نشر مالتبي وزملاؤه العديد من الأوراق البحثية حول عبادة المشاهير، ووجدوا أن هناك علاقة بين هذه المتلازمة وضعف الصحة العقلية لدى المصابين بها في المملكة المتحدة
وشملت أعراض ضعف الصحة العقلية لدى المصابين بمتلازمة عبادة المشاهير، كلاً من القلق الشديد، والاكتئاب، ومستويات عالية من التوتر.
ولخص مالتبي أبحاث فريقه في مقابلة مع BBC قائلاً:
"أظهرت بيانات جُمعت من 3000 شخص أن نحو 1% فقط يُظهرون ميولاً هوسية بالمشاهير. وأظهر نحو 10% من الأشخاص الذين يميلون إلى أن يكونوا عصبيين ومتوترين وعاطفيين ومزاجيين اهتماماً شديداً بالمشاهير. وقال نحو 14% إنهم سيبذلون جهداً خاصاً للقراءة عن المشاهير المفضلين لديهم والاختلاط مع الأشخاص الذين يشاركونهم اهتمامهم. ولم يبدِ الـ75% الآخرون اهتماماً بحياة المشاهير".
هل لـ"عبادة المشاهير" تفسير بيولوجي؟
سعت الدراسة نفسها للحصول على آراء علمية أخرى من زاوية بيولوجية. وأفادوا بما يلي:
يقول علماء الأحياء التطوريون إنه من الطبيعي أن يتطلع البشر إلى الأفراد الذين يتلقون الاهتمام، لأنهم قد يعتبرونهم مثالاً للنجاح في المجتمع.
في عصور ما قبل التاريخ، كان الناس يحترمون الصيادين والشيوخ والقادة باعتبارهم الشخصيات العامة الأكثر شهرة وأهمية في مجتمعاتهم. ولكن بما أن الصيد على سبيل المثال لم يعد الآن مهارة أساسية، فإن الصيادين لم يعودوا موضع تبجيل.
بدلاً من ذلك، تطلعت الجماهير إلى المشاهير، إذ يرغب كثيرون في تحقيق شهرتهم وثروتهم.
وقال عالم الأنثروبولوجيا التطورية فرانشيسكو جيل وايت، من جامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا، لمجلة New Scientist: "من المنطقي بالنسبة لك تصنيف الأفراد وفقاً لمدى نجاحهم في السلوكيات التي تحاول نسخها وتقليدها، لأن من يحصل على مزيد مما يريده الجميع ربما يستخدم أساليب أعلى من المتوسط".
مع ذلك قال الدكتور روبن دنبار، عالم الأحياء التطوري في جامعة ليفربول، إن متابعة المشاهير لا تعني بالضرورة أنه يُنظر إليهم على أنهم قدوة، إنما يدرك الناس أنهم هم من جعلوا أولئك المشاهير في مركز الضوء، لذلك يحبون أن يمارسوا هذا النوع من الرقابة على حياتهم.
فيرساتشي الذي قتلته شهرته
ولعل أبرز الأمثلة على المصابين بحالات متقدمة من متلازمة عبادة المشاهير، هو أندرو كونانان الذي قتل مصمم الأزياء الإيطالي الشهير جيوفاني فيرساتشي .
كان كونانان مهووساً بالمصمم جيوفاني فيرساتشي، وكان دائماً ما يتفاخر بصداقته والعلاقة الوثيقة التي تربطه به أمام عائلته وأصدقائه، على الرغم من أن الرجلين لم يتقابلا قط، وفقاً لعائلة فيرساتشي.
وقد بقي كونانان يلاحق فيرساتشي حتى قتله أخيراً برصاص بندقية بينما كان عائداً من نزهته الصباحية التي اعتاد أن يقضيها على الشاطئ.
وعلى الرغم من أن ملابسات الجريمة تلك لا تزال غامضة، خاصةً أن كونانان انتحر بعد قتله للمصمم الشهير بـ8 أيام، فإنه من المرجح أن كونانان كان مصاباً بمرض نفسي جعله يلاحق فيرساتشي.
عبادة "حرفية" للأمير فيليب
وبعيداً عن متلازمة عبادة المشاهير والشخصيات العامة، سنروي لكم قصة طريفة عن "عبادة" بالمعنى الحرفي لأحد الشخصيات العامة في يومنا هذا.
ففي قرية معزولة تقع في نهاية طريق طويل مُوحل بإحدى أبعد بقاع الأرض، يعيش شعبٌ يعبد الأمير فيليب زوج الملكة إليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا.
قرية تانا بدائية فلا كهرباء فيها ولا طرق مجهزة، يعتمد أهلها على الصيد وغالبيتهم كانوا يبقون عراة، ونظراً إلى أن جزيرتهم تقع في الجنوب الأقصى للكرة الأرضية فلم تصلها الديانات السماوية حتى، فبقيت معزولة عن العالم حتى وصول البرتغاليين إليها.
ولأن فطرة الإنسان الطبيعية دائماً ما كانت تبحث عن معتقد قوي تبحث عنه لتعبده، فإن أهالي الجزيرة كانوا يؤمنون بقصة أسطورية رواها لهم أحد أنبيائهم والمدعو "فريد" الذي توفي قبل سنوات. ومن هذه الأساطير أن هناك رجلاً وُلد من الحمم وسيعود ليحميهم من البركان.
وفي سنة 1974 زار الأمير فيليب رفقة زوجته الملكة إليزابيث مجموعة جزر الأرخبيل؛ لكونها تقع تحت حكم الملكة، وكانت قرية تانا على مقربة من جولتهما.
لاحظت مجموعة من شباب القرية الملكة إليزابيث وكمية الاحترام التي تحظى بها من رجال الاستعمار والجنود والمرافقين، ورأوا بجانبها الأمير فيليب فاعتقدوا أنه الرجل المذكور في نبوءة نبيهم، وبدؤوا بعبادته منذ ذلك الوقت.