من اللقاحات ضد الاوبئة إلى مكيفات الهواء، قدَّم العالم الحديث وسائل راحة عديدة يسهل اعتبارها أمراً بديهياً رغم أنَّ لكلٍ منها تاريخاً طويلاً وغنياً من ابتكارات علماء وروّاد غالباً ما تغاضى العالم عن أسمائهم.
الإجابات التقليدية عن سؤال: "ما هي أفضل الاختراعات الصحية؟"، ستتضمن أنواعاً مختلفة من الأمصال، أو المضادات الحيوية، أو ربما أجهزة الكشف الطبي الحديثة.
ويغيب عن الذهن أن المرحاض أنقذ البشرية من الفناء بسبب تراكم القاذورات، التي تعد السبب الرئيسي في انتشار الأمراض والأوبئة، والتي أبادت بالفعل ملايين البشر على مر التاريخ.
قد تكون المراحيض الحديثة المزوَّدة بنظام شطاف بالماء (المعروفة أيضاً باسم مرحاض التدفق) إحدى أسهل وسائل الراحة اليومية التي يمكن اعتبارها حقيقة بديهية- ربما أكثر من أي اختراع آخر. لكن مَن هو مخترع المرحاض في المقام الأول؟
من اخترع المرحاض؟
طوّرت حضارات لا حصر لها طرقها الخاصة للتخلّص من الفضلات البشرية. حرص الناس دائماً على نظافة مساحاتهم الشخصية منذ آلاف السنين، بدايةً من مستوطنة موهينجو دارو في حضارة وادي السند عام 2800 قبل الميلاد مروراً بروما القديمة إلى مراحيض العصور الوسطى.
ولكن قبل ظهور آليات الصرف الصحي الداخلي للمنازل، كانت المراحيض المبكرة عبارة عن قواعد حجرية أو خشبية تحتوي على مزالق تنقل الفضلات إلى مصارف في الشوارع، حسب موقع All That's Interesting.
بدأ ظهور المراحيض بتصميمها الحديث عندما أصبحت أنظمة الصرف الصحي الأكثر تطوراً نمطاً معتمداً في بريطانيا الفيكتورية، حيث رُبطت مصارف الصرف الصحي للمنازل بمصارف عامة، في حين أنَّ عمر هذه التقنية نفسها يبلغ الآن ما يقرب من 500 عام.
ابتكر السير جون هارينغتون أول مرحاض يعمل بنظام الشطف بالماء في عام 1596 في حين طوَّر المهندس توماس كرابر نموذجاً مُعدّلاً منه في ستينيات القرن الـ19. فلا عجب أنَّ دورة المياه لا يزال يشار إليها أحياناً في اللغة العامية في بريطانيا باسم "جون".
ومع ذلك، يبقى التاريخ الكامل لمبتكر المرحاض أكثر إثارة للدهشة.
كيف كان شكل مراحيض العصور القديمة والوسطى؟
كانت المراحيض في بداية الأمر وسيلة مترفة غير متاحة إلا لأعضاء الطبقة العليا. وأشارت سجلات قديمة تعود إلى عام 2800 قبل الميلاد إلى أنَّ أثرياء مستوطنة موهينجو دارو في حضارة وادي السند هم فقط الذين كانوا يمتلكون مقاعد خشبية مدعمة بالطوب مع مجرى مائل منزلق يربط فتحة هذه المقاعد بمصارف عامة في الشوارع.
وبينما كانت أنظمة مجاري الصرف الصحي هذه متطورة للغاية في ذلك الوقت، أشارت حفريات مكتشفة حديثاً في شمال غرب الهند إلى وجود أنظمة صرف صحي أقدم يعود تاريخها إلى عام 4000 قبل الميلاد. لكن أكثر تاريخ متفق عليه عالمياً بشأن تصميم أول مرحاض هو عام 3000 قبل الميلاد في مستوطنة منسوبة إلى العصر الحجري الحديث بأسكتلندا أو في قصر كنوسوس باليونان حوالي عام 1700 قبل الميلاد.
على الرغم من أنَّ هذه الأنظمة عملت بصورة بدائية من خلال إنشاء فتحات في القواعد المصنوعة من الحجر أو الخشب لكي تندفع من خلال الفضلات إلى أسفل عبر مزالق باستخدام الماء. شكَّلت هذه الآلية المبكرة تمهيداً لظهور المراحيض الرومانية القديمة التي جرى توصيلها بمجاري صرف صحي عامة في الشوارع.
وبحلول عام 315 بعد الميلاد، كان لدى روما 144 دورة مياه عامة، اعتمدتها إنجلترا في العصور الوسطى.
وفي الوقت الذي كان يجمع فيه فقراء إنجلترا فضلاتهم في دلاء ويفرغونها في الشوارع، كان الأثرياء يستخدمون غرفاً مُخصّصة لقضاء الحاجة عُرفت باسم "حجرة اللبس" أو "حجرة المرحاض".
كانت في الأساس عبارة عن غرفة بارزة إلى الخارج من جدران القلعة بها حفرة على الأرض تسقط فيها الفضلات مباشرةً في خنادق أو خزانات تحت الأرض عبر أنبوب منزلق، ومنه إلى بالوعة ليأتي من كانوا يعرفون باسم "gong farmers" لجمعها واستخدامها كسماد، حسب موقع History.
متى اُخترع المرحاض؟
صمَّم رجل البلاط الملكي الإنجليزي، السير جون هارينغتون، أول مرحاض على شكل وعاء أو حوض بيضاوي مُغلَّف بالشمع والصمغ والقطران بعمق قدمين. جعلت هذه المواد المقوّية وعاء المرحاض مقاوماً للماء الذي سوف يتدفق إليه من خلال صهريج أرضي مرتفع. تطلَّب هذا النظام 7.5 غالون من الماء ولزم الاستخدام حوالي 20 مرة قبل تدفق المياه لشطف وعاء المرحاض.
ركب هارينغتون نموذج عمل في منزله في كيلستون وآخر في قصر ريتشموند للملكة إليزابيث. وصُمَّمت خاصية تدفق المياه بصمام طرد لأسفل، وهو ما تسبب بوجود رائحة الفضلات الكريهة المنبعثة من المجاري.
ثم حصل المخترع الإنجليزي ألكسندر كومينغ على براءة اختراع مصيدة المياه بشكل حرف "S" في عام 1775، وهي عبارة عن أنبوب ملتوٍ يُثبَّت أسفل المرحاض. يمتلئ هذا الأنبوب المتصل بالمرحاض بالمياه بصورة طبيعية بفضل تصميمه الملتوي المنحني لأسفل، ومن ثمَّ يُشكّل حاجزاً مائياً لمنع المياه غير النظيفة والغازات والروائح الكريهة من الارتداد إلى الغرفة المُخصَّصة لاستخدام المرحاض.
ولاحقاً، أدخل المخترع جوزيف براما تحسيناً على تصميم هارينغتون، حيث أضاف رفرفاً مفصلياً في وعاء المرحاض بعد سنوات قليلة من إضافة كومينغ لمصيدة المياه حرف S.
مَن اخترع المراحيض العامة؟
في عام 1851، ابتكر السباك جورج جينينغز أول نظام للمراحيض العامة في حديقة هايد بارك لندن. بلغت تكلفة استخدام تلك المراحيض فلساً واحداً واشتملت على ميزات إضافية، منشفة ومشط وملمع أحذية.
لكن الطقس الحار عام 1858 سبب تفاقم رائحة فضلات بشرية على ضفاف نهر التايمز، في واقعة عُرفت باسم "النتن العظيم"، وهو ما دفع سكان لندن للمطالبة بحلول حديثة.
وبحلول أواخر خمسينيات القرن الـ19، باتت معظم منازل الطبقة المتوسطة في بريطانيا مجهزة بمراحيض نظيفة عندما استطاع مهندس السباكة توماس كرابر ابتكار نموذج مُعدَّل لخطوط الصرف الصحي.
إذ حصل كرابر على براءة اختراع "صمام العوامة" (ballcock)، الذي يسمح بحفظ منسوب المياه في الخزانات، بالإضافة إلى استحداث مصيدة المياه على شكل حرف "U" لحجب الروائح الكريهة.
كلَّف الأمير إدوارد (الذي سيصبح لاحقاً الملك إدوارد السابع) توماس كرابر ببناء مراحيض في القصور الملكية في إنجلترا عام 1861. عندما رُبطت مجاري الصرف الصحي العاملة في لندن أخيراً بهذه المراحيض المُحدّثة المزودة بنظام الشطف بالمياه في ثمانينيات القرن الـ19، عرف الناس استخدام النظام الخالي من الروائح الكريهة للمراحيض كما نعرفه الآن.
العالم بحاجة لمزيد من المراحيض
ينقص العالم حوالي 2.5 مليار مرحاض إضافي، إذ إنّ 37% من سُكان العالم لا يملكون مراحيض، أو لا يمتلكون مراحيض صالحة للاستخدام الآدمي.
وفي عام 2012، تسببت فيضانات سيراليون، في تجريف الفضلات البشرية إلى الشوارع، ما تسبب في انتشار وباء الكوليرا، وإصابة 25 ألف شخصٍ به.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن ثلث سكان العالم اليوم، لا يمتلكون نظام صرف صحي.
كما تقول المنظمة إن أكثر من 430 ألف إنسان، يموتون سنوياً، بسبب العدوى الوبائية، وسوء أنظمة المجاري، والتخلص من الفضلات البشرية.