هل يوقف “الإخصاء الكيميائي” جريمة اغتصاب الأطفال؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/04/19 الساعة 12:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/19 الساعة 12:14 بتوقيت غرينتش
اغتصاب- أرشيف- شتر ستوك

اغتصاب الأطفال والتحرش الجنسي بهم أصبح جريمة العصر التي تتصدر أخبارها بشكل مخيف وسائل التواصل الاجتماعي المرئية والمقروءة وشبكات الأخبار.

وفي البحث عن حل لهذه الجريمة الشنيعة والاعتداءات الجنسية المستمرة على الأطفال، يرتفع صوت العديد من المنظمات الحقوقية الدولية والعالمية، التي تطالب بفرض قانون الإخصاء الكيميائي لمغتصبي الأطفال كحلٍّ يمنع المجرمين من تكرار جريمتهم بعد إطلاق سراحهم، ويخيف مَن تسول له نفسه ارتكاب الجريمة.

ولكن ماذا يعني الإخصاء الكيميائي، وما الدول التي تقوم بتطبيقه، والأهم هل هو حل مستدام لإيقاف جرائم الاغتصاب القذرة؟

سنناقش التفاصيل كاملة في هذا التقرير.

الإخصاء الكيميائي
صورة تعبيرية \ شترستوك

أرقام وإحصائيات مرعبة لنسب الاعتداء الجنسي على الأطفال حول العالم

وفقاً لمؤشر جديد يصنف ترتيب الدول على مستوى تواجد خطر الاعتداء والاستغلال الجنسيين ضد الأطفال فيها، والصادر عن The Economist Intelligence Unit ومؤسسة الطفولة العالمية، فإن 40 دولة يتعرض فيها الأطفال لنسبة خطيرة من الاعتداء وتتصدر المؤشر تمثل 70% من أطفال العالم.

وأخطر دولة هي الكونغو، ومصر بالمرتبة الحادية عشرة، والسعودية بالمرتبة 16، والمغرب 27.

صورة للمؤشر الذي يصف أخطر الدول على الأطفال

وقد أشار التقرير السنوي الصادر عن الأمم المتحدة في عام 2020 إلى ارتفاع عدد الأطفال ضحايا الاغتصاب أو الاختطاف حول العالم بشكل مأساوي، خاصة في مناطق النزاعات، وأن مستوى هذا الارتفاع وثّق بمعدل "90% للاختطاف والاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي بمعدل 70%".

وفي حين أن بعض الدول تحاول تطبيق عقوبات صارمة تصل للسجن مدى الحياة مع الأشغال الشاقة أو حتى الإعدام، إلا أن دولاً أخرى تحدد عقوبة السجن ببضع سنوات فقط، وفي دولٍ غيرها لا توجد عقوبة واضحة رادعة للمغتصبين.

لذلك فإن الكثير من المنظمات تطالب بفرض عقوبة الإخصاء كوسيلة قد تخيف المعتدين من ارتكاب جرائمهم أو تكرارها، خاصة بعد إطلاق سراحهم.

الإخصاء ليس كيميائياً فقط، فقد يكون جراحياً بإزالة الأعضاء نفسها

الإخصاء طبياً هو إجراء يتم في بعض حالات السرطان أو الأمراض المستعصية، أو لخفض نسبة الهرمونات الذكورية، وله نوعان الإخصاء الكيميائي والجراحي.

 يتم إجراء الإخصاء الكيميائي عن طريق إعطاء دواء مشابه لهرمون البروجسترون الأنثوي، عن طريق الحقن أو الحبوب. يؤثر هذا الإجراء على مستويات الهرمون الذكوري، وقد يسبب تقلصاً في مظهر الخصيتين بمرور الوقت.

تستمر تأثيرات الأدوية في فترة تناولها فقط، لكن بمجرد أن تتوقف فلا يبقى لها أي مفعول.

أما الإخصاء الجراحي، ويسمى أيضاً استئصال الخصية، فهو إزالة إحدى الخصيتين أو كليهما. ويمكن لهذا الإجراء أن يخفض هرمون التستوستيرون في الدم بنسبة 90 إلى 95%، وفقاً لموقع Health line.

التشيك من أولى الدول التي فرضته، ولكنه طوعي في معظم أوروبا

استخدمت أوروبا كلاً من الإخصاء الجراحي والإخصاء الكيميائي في الماضي والحاضر، كعقوبة لمرتكبي الجرائم الجنسية.

ومن بين الدول التي تطبق الإخصاء الكيميائي بولندا وروسيا وإستونيا ومقدونيا والتشيك وكوريا الجنوبية وأوكرانيا والهند، إلى جانب بعض الولايات الأمريكية.

تعتبر جمهورية التشيك من أكثر الدول تشدداً في فرض عقوبة على جرائم الاغتصاب؛ إذ إنها الدولة الوحيدة التي تقوم بالإخصاء الجراحي كعقاب لجريمة الاغتصاب، بموجب قانون صدر عام 1966.

وقالت عالمة الاجتماع التشيكية كاترينا ليسكوفا، من جامعة ماساريك لموقع DW: "هذه هي الطريقة الوحيدة الموثوقة لعلاج أكثر المجرمين عدوانية". 

ووفقاً لموقع The News، خضع ما يقارب 85 شخصاً للإخصاء الجراحي في جمهورية التشيك بين عامي 2000 و2011.

وحتى عام 2012، عرضت ألمانيا أيضاً على مرتكبي الجرائم الجنسية خيار الإخصاء الجراحي، لكن هذه الممارسة أُلغيت رداً على انتقادات من لجنة مجلس أوروبا لمنع التعذيب والعقوبات اللاإنسانية أو المهينة.

واليوم تقدم ألمانيا "الإخصاء الكيميائي" كخيار في أماكن الطب النفسي الشرعي لمرتكبي الجرائم الجنسية، الذين يعانون من أمراض عقلية وخطيرة، ويتم إيواؤهم في مستشفيات ذات إجراءات أمنية مشددة.

صورة تعبيرية \ شترستوك

وفي الدول الأوروبية بشكل عام يعتمد الإخصاء على الموافقة، إذ يتم إعطاؤه لمرتكبي الجرائم الجنسية على أساس طوعي، يحصل المجرم فيه على فترة حكم أقل، أو يتم إطلاق سراحه شريطة التزامه بتناول الأدوية الهرمونية حتى يقرر القاضي أنه لم يعد بحاجة إليها.

على الجانب الآخر، في عام 2011 أصبحت كوريا الجنوبية أول دولة آسيوية تستخدم عقوبة الإخصاء الكيميائي. تلتها إندونيسيا في عام 2016.

وفي عام 2021 أقر البرلمان الباكستاني قانوناً جديداً لمكافحة الاغتصاب، يسمح للمحاكم بالأمر بالإخصاء الكيميائي للمعتدين المتكررين، أو بعض المجرمين الضالعين في الاغتصاب الجماعي، والمتحرشين جنسياً بالأطفال.

وكذلك قامت إندونيسيا في العام نفسه بتطبيق عقوبة الإخصاء الكيميائي ضد المتحرشين بالأطفال، بهدف زيادة الردع ضد هذه الجريمة.

لكن هل سيحول الإخصاء دون ارتكاب جرائم في المستقبل؟

"الإخصاء الكيميائي" ليس إجراءً سريعاً، إذ يتم وصف الأدوية المثبطة للرغبة الجنسية لفترة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات، أو إلى أجل غير مسمى في حالات شبه نادرة.

ومن المحتمل أن تؤدي هذه الأدوية إلى آثار جانبية شديدة، بما في ذلك نمو الثدي والاكتئاب وخطر الإصابة بهشاشة العظام وأمراض نفسية كثيرة أخرى، قد يكون أثرها سيئاً جداً على مجرم مغتصب تم إطلاق سراحه مجدداً.

كما أنه لا يعتبر حلاً مستداماً، خاصة بعد توقف الأدوية، إذ إن الهرمونات الذكورية لن تختفي تماماً أثناء تلقي الأدوية، وستعود إلى الارتفاع بعد توقف الأدوية، كما أنها لا تمنع العنف الجنسي أو السلوك العدواني.

حتى خفض مستوى التستوستيرون إلى الصفر لا يلغي فرص العودة إلى الإجرام، فالتحرش بالطفل أو اغتصابه يمكن أن يتم بطرق مختلفة.

وقد تمت تجربة تقنية الإخصاء الكيميائي في السويد والدنمارك ودول أخرى، وتشير بعض المعطيات إلى أنها قد تقلل معدل تكرار الاعتداء مرة أخرى على الأطفال بنسبة من 5% إلى 40%.

صورة تعبيرية شترستوك

لكنّ الباحثين والخبراء يرون أن الإخصاء لا يمكن أن يوقف جرائم الاغتصاب، وأن هذه المعطيات لم تمنع حدوث الجريمة بالدرجة الأولى. فهو مجرد حل مؤقت فقط، ولا يعالج جذور المشكلة، خاصة عندما يقدم كخيار لإطلاق سراح المجرم مجدداً أو التخفيف من حكمه كما هو الحال في معظم دول أوروبا.

ففي الهند على سبيل المثال وصلت الجرائم الجنسية حداً جنونياً، ما دفع الحكومة الهندية إلى تشديد القوانين، وخيّرت المغتصبين بين عقوبة الإعدام أو الإخصاء الكيميائي في عام 2013.

لكن على ما يبدو فإن القصاص العنيف لم يكن له أي تأثير، إذ تشير إحصائيات مكتب الشرطة في نيودلهي إلى أن حوادث الاغتصاب المبلغ عنها في البلاد زادت بنسبة %35 بين عامي 2011 و2016.

ورغم وجود القوانين الصارمة المتعلقة بالجرائم الجنسية، خاصة البيدوفيليا، ومن بينها الإخصاء الكيميائي في العديد من الولايات، فإن أمريكا تسجل في كل عام مراتب متقدمة بين بلدان العالم في عدد حالات الاغتصاب المبلغ عنها. 

ووفقاً لعالم الاجتماع أندريه كونيغ، فإن ألمانيا ليس لديها دليل إحصائي يثبت أن الإخصاء الكيميائي الذي تطبقه لسنوات يقلل من فرصة عودة المجرم لارتكاب جريمته بعد إيقاف الأدوية.

خاصة أن الكثير من السجناء قد يختارون الإخصاء الكيميائي إذا شعروا بأنه قد يقلل من وقت سجنهم، أو يساعد في تأمين إطلاق سراحهم المشروط مبكراً.

وفي حين أن عدد الجرائم الجنسية قد ينخفض بشكل طفيف في البلدان التي تطبق الإخصاء- جراحياً أو كيميائياً- كعقوبة، إلا أن هذا يثير مشكلة جديدة، وهي قتل المزيد من ضحايا الاغتصاب، لأن المغتصبين يخافون من القبض عليهم وإخصائهم.

تحميل المزيد