ماذا لو سافرت بسرعة الضوء أو أكثر؟ تصور مثلاً مشهد "باتمان" أو "سوبرمان" وهو يطير أسرع من رصاصة انطلقت مسرعة من سلاح ناري، ماذا لو حدث في الحقيقة؟ لو طار بنصف سرعة الرصاصة فإن معدل ابتعاد الرصاصة عنه سينخفض إلى النصف، أما إذا سافر أسرع من الرصاصة فسوف يتفوق عليها.
هذا الكلام علمي، وطرحته آراء نيوتن عن المكان والزمان: أن مواضع وحركات الأجسام في الفضاء يجب أن تكون جميعها قابلة للقياس بالنسبة إلى إطار مرجعي مطلق وغير متحرك، وقد تمسك العلماء بوجهة نظر نيوتن في أوائل القرن العشرين، إلى أن جاء عالم الرياضيات والفيزيائي الألماني ألبرت أينشتاين وأطلق النظرية النسبية، التي طرحت فكرة: لا يوجد إطار مرجعي، كلُّ شيءٍ نسبي، حتى الوقت.
هناك مبدآن مهمان يدعمان نظرية أينشتاين، نصَّ الأول على أن نفس قوانين الفيزياء تنطبق بالتساوي في جميع الأطر المرجعية المتحركة باستمرار، أما الثاني فأفاد بأن سرعة الضوء -حوالي 186 ألف ميل في الثانية (300 ألف كيلومتر في الثانية)- ثابتة ومستقلة عن الرصد أو مصدر الضوء. ووفقاً لأينشتاين، إذا طارد سوبرمان شعاعاً ضوئياً بنصف سرعة الضوء فسوف يستمر الشعاع في الابتعاد عنه بنفس السرعة.
تبدو هذه المفاهيم بسيطة بشكل مخادع، لكن لها بعض الآثار، تمثل المعادلة الشهيرة لأينشتاين واحدة من أكبر المعادلات E = mc²، حيث E هي الطاقة، وm الكتلة، وc هي سرعة الضوء.
وفقاً لهذه المعادلة فإن الكتلة والطاقة هما نفس الكيان المادي، ويمكن تغييرهما إلى بعضهما البعض، وبسبب هذا التكافؤ فإن الطاقة التي يمتلكها الجسم بسبب حركته ستزيد من كتلته.
بمعنى آخر، كلَّما تحرك الجسم بشكل أسرع زادت كتلته، ويصبح هذا ملحوظاً فقط عندما يتحرك الجسم بسرعة كبيرة، إذا كان يتحرك بسرعة 10% من سرعة الضوء، على سبيل المثال، فإن كتلته ستكون 0.5% أكثر من المعتاد، لكن إذا تحرك بسرعة 90% من سرعة الضوء فإن كتلته ستتضاعف.
وعندما يقترب الجسم من سرعة الضوء ترتفع كتلته بشكل حاد، إذا حاول جسم ما السفر بسرعة 186 ألف ميل في الثانية تصبح كتلته غير محدودة، وكذلك الطاقة المطلوبة لتحريكه؛ لهذا السبب لا يمكن لأيِّ جسمٍ عادي أن يسافر بسرعة أو أسرع من سرعة الضوء.
هذا يجيب عن سؤالنا، لكن دعونا نستمتع قليلاً ونعدِّل السؤال قليلاً.
ماذا لو سافرت بسرعة الضوء أو أكثر؟
غطّينا السؤال الأصلي، ولكن ماذا لو قمنا بتعديله ليقول "ماذا لو سافرت بسرعة تقارب سرعة الضوء؟" في هذه الحالة قد نواجه بعض التأثيرات المثيرة للاهتمام، إحدى النتائج الشهيرة هي شيء يسميه علماء الفيزياء تمدُّد الوقت، والذي يصف كيف يمرُّ الوقت ببطء أكبر للأجسام التي تتحرك بسرعةٍ كبيرة.
إذا حلّقت على صاروخ يسافر 90% من سرعة الضوء، فإن مرور الوقت بالنسبة لك سينخفض إلى النصف، وستتقدَّم ساعتك لمدة 10 دقائق فقط، بينما تمر أكثر من 20 دقيقة بالنسبة للمراقب الذي يشهد ذلك، كما شرح موقع How Stuff Works الأمريكي.
أيضاً قد تواجه بعض النتائج البصرية الغريبة، إحدى هذه النتائج تسمى الانحراف، وهي تشير إلى كيفية تقلص مجال رؤيتك بالكامل إلى "نافذة" صغيرة على شكل نفق أمام مركبتك الفضائية، ويحدث هذا لأن الفوتونات (تلك الحزم الصغيرة جداً من الضوء) -حتى الفوتونات خلفك- يبدو أنها تأتي من الاتجاه الأمامي.
بالإضافة إلى ذلك، ستلاحظ تأثير دوبلر بشكلٍ شديد، وهو من شأنه أن يتسبَّب في ازدحام موجات الضوء من النجوم أمامك معاً، ما يجعل الكائنات تظهر باللون الأزرق، وتنتشر موجات الضوء القادمة من النجوم خلفك وتظهر باللون الأحمر.
كلما تقدمت بشكل أسرع أصبحت هذه الظاهرة أخطر، حتى يتحوَّل كلَّ الضوء المرئي من النجوم أمام المركبة الفضائية والنجوم إلى المؤخرة تماماً عن الطيف المرئي المعروف (الألوان التي يمكن للبشر رؤيتها)، وعندما تتحرك هذه النجوم بعيداً عن الطول الموجي المحسوس، فإنها تبدو ببساطة وكأنها تتلاشى إلى اللون الأسود أو تختفي في الخلفية.
بالطبع، إذا كنت تريد السفر أسرع من الفوتون فسوف تحتاج إلى أكثر من تقنية الصواريخ نفسها التي نستخدمها منذ عقود.
في ورقة بحثية نُشِرَت، في مارس/آذار 2021، في مجلة Classical and Quantum Gravity، اقترح عالم الفيزياء الفلكية إريك لينتز من جامعة غوتنغن في ألمانيا فكرة إعادة ترتيب الزمكان لإنشاء فقاعة يمكن للمركبة الفضائية أن تسافر بداخلها بسرعةٍ أكبر من سرعة الضوء.
لكن هل الضوء أسرع ما في هذا الكون؟
اكتشف علماء فيزياء فلكية نظرية مفادها أن انفجارات أشعة غاما تسافر أسرع من الضوء، ولكن من دون أن تتعارض مع نظرية ألبرت أينشتاين بأن الضوء هو أسرع ما في هذا الكون، قد يبدو الأمر مربكاً لكن تفسيره منطقي جداً ومتوافق مع النظريات.
نحن نعلم أن الوقت يتحرك في اتجاه واحد فقط، لكن في العام الماضي اكتشف الباحثون أحداثاً في بعض نبضات انفجار أشعة غاما، التي بدت وكأنها تكرر نفسها كما لو كانت تتراجع في الزمن، وقد أثار الأمر استغراب المراقبين، وعكفوا على دراسة سبب حدوث ظاهرة العودة في الزمن!
البحث الجديد الذي نشرته مجلة The Astrophysical Journal يقترح إجابة محتملة عما قد يتسبب في تأثير انعكاس هذا الوقت، وعندما ينتقل الضوء عبر وسيط (مثل الغاز أو البلازما) تكون سرعته أبطأ قليلاً من سرعة الضوء في الفراغ، وهو على حد علم العلماء الحد الأقصى للسرعة في الكون، ولا شيء أسرع من الضوء، على الأقل حتى الآن.
لكن العلماء وجدوا أن انفجارات أشعة غاما قد تتجاوز سرعة الضوء، وتسبب انعكاس الزمن، ووفقاً لنظرية أينشتاين للنسبية العامة، لا شيء يمكن أن يسافر أسرع من سرعة الضوء في الفراغ، ومع ذلك تحدث العديد من الأشياء الغريبة في الفضاء، بما في ذلك إطلاق رشقات من أشعة غاما أو انفجارات أشعة جاما التي تسافر أسرع من الضوء، ما يجعلها شديدة اللمعان والتوهج.
ومع ذلك، فإن هذا البحث الذي أجراه عالم الفيزياء الفلكية جون هاكيلا من كلية تشارلستون وروبرت نيميروف من جامعة ميتشيغان التكنولوجية لا يتعارض مع نظرية أينشتاين. لكن ما وجده العالمان هو أنه في حين أن هذه الانفجارات تتجاوز سرعة الضوء في السحب الغازية المحيطة، فإن هذا يحدث فقط في الوسط النفاث، وليس في الفراغ.
ويعتقد علماء الفيزياء الفلكية أيضاً أن هذه النفاثات فائقة اللمعان يمكن أن تخلق قابلية انعكاس الوقت، التي يمكن ملاحظتها في منحنيات ضوء انفجار أشعة جاما، فتبدو وكأنها حصلت أكثر من مرة، ويشبه جون هاكيلا ما وجدوه بقذف الحجارة على سطح مياه البركة، أي إذا قام شخص ما بإلقاء مثل هذا الحجر فإن الحجر سوف يمر عبر الهواء بين القفزات بشكل أسرع من تحرك الموجات التي يسببها عبر الماء.
وكلما اقترب الحجر من الجهة الأخرى سيرى الناظر على الضفة الأخرى الموجات التي تنتجها كل قفزة بترتيب عكسي، وستصل إليه آخر الموجات التي تسبب بها الحجر، تليها الموجات الأولى بعد زمن.
وأوضح هاكيلا أن "نماذج انفجار أشعة غاما القياسية التي تمت دراستها حتى الآن أهملت خصائص منحنى الضوء القابل للانعكاس بمرور الوقت"، بحسب ما نشر موقع Science Alert.
تصور إلكتروني فني لانفجارات أشعة غاما – iStock
ولكن ما هي انفجارات أشعة غاما؟
تنبثق انفجارات أشعة غاما (GRBs) من الطرد العنيف للمواد في نهاية التطور الضخم للنجوم المصاحبة لتشكيل الثقب الأسود. وهي الأحداث الكهرومغناطيسية الأكثر سطوعاً وطاقةً في الكون، وقد رصدها العلماء في مجرات بعيدة جداً.
بعد وميض أولي من أشعة غاما، عادةً ما ينبعث "الشفق اللاحق" الأطول عمراً بأطوال موجية أطول (الأشعة السينية، والأشعة فوق البنفسجية، والبصرية، والأشعة تحت الحمراء، والميكروويف، والراديو).
ويمكن أن تستمر من بضعة أجزاء من الألف من الثانية إلى عدة ساعات، فهي مشرقة بشكل غير عادي، ولا يعرف العلماء حتى الآن أسبابها، وكانت ملاحظات رصدها علماء العام 2017 بيّنت أن تصادم النجوم النيوترونية يمكن أن يخلق انفجارات من أشعة غاما.
يعتقد علماء الفلك أيضاً أن مثل هذه الانفجارات تحدث عندما ينهار نجم ضخم وسريع الدوران في ثقب أسود، ما يؤدي بعنف إلى إخراج المواد في الفضاء المحيط في فرط نوفا هائل.
ثم يُحاط هذا الثقب الأسود بسحابة من مواد تراكمية حول خط الاستواء، وإذا كان يدور بسرعة كافية فإن ارتداد المادة المنفجرة في البداية سيؤدي إلى إطلاق نفاثات نسبية من المناطق القطبية، منتفخة عبر الغلاف الخارجي للنجم السابق قبل إنتاج رشقات أشعة غاما.
تم اكتشاف انفجارات أشعة غاما لأول مرة في عام 1967 بواسطة أقمار Vela الصناعية، التي صُممت للكشف عن تجارب الأسلحة النووية السرية.
بعد اكتشافها، طرح العلماء مئات النماذج النظرية لتفسير هذه الانفجارات، مثل الاصطدام بين المذنبات والنجوم النيوترونية، وكانت المعلومات القليلة المتاحة غير كافية للتحقق من هذه النماذج حتى اكتُشف عام 1997 الأشعة السينية والتوهجات البصرية اللاحقة، الأمر الذي سمح بتقدير مسافات بُعدها عن الأرض وآثار ما بعد انفجارها.
قد يهمك أيضاً: أول ثانية من عمر الكون تحمل السر.. عدم تجلّي المادة المظلمة يعني إعادة النظر في الانفجار العظيم