وافقت الولايات المتحدة على إطلاق مليارات البعوض المعدل وراثياً للحد من انتقال الأمراض، لكنَّ المراقبين يشيرون إلى وجود عواقب محتملة غير مقصودة قد تكون تبعاتها وخيمة على النظام البيئي العالمي.
هل يساهم التعديل الوراثي في مكافحة انتشار الأمراض؟
تعتقد وكالة حماية البيئة الأمريكية (EFA) أن الكائنات المعدلة وراثياً يمكنها الحد من التفشي العالمي للأمراض من خلال الحشرات.
وقد وافقت الوكالة على إطلاق أكثر من ملياري بعوضة تم تعديلها وراثياً خصيصاً لتقليل انتقال الأمراض المعدية المميتة مثل مرض زيكا والشيكونغونيا وحُمَّى الضنك والحمى الصفراء.
وسيتم تنفيذ البرنامج في فلوريدا وكاليفورنيا من قِبَل شركة التكنولوجيا الحيوية البريطانية Oxitec التي تعدل البعوض وراثياً في المختبر.
وبعدها سيتزاوج البعوض مع الإناث، فقط لتمرير الجين المعدل الذي سيقتل ذرية الإناث. نتيجة لذلك، سيبقى الذكور فقط على قيد الحياة؛ لأن الإناث فقط هي التي تنشر المرض.
وقالت الشركة في بيان نشرته رسمياً يوم 8 مارس/آذار الماضي، إن فعالية التكنولوجيا ستظهر في بيئات مناخية مختلفة.
وبالرغم من أن هذه العملية تُعتبر تجريبية، لكن ليست جديدة. ففي أبريل/نيسان من العام 2022، أطلق عمال الشركة 12,000 ذكر من بعوض الزاعجة المصري في فلوريدا كمرحلة أولى من التجربة.
تهديد بيئي مُحتمل
تصف Oxitec البرنامج بأنه آمن ومستدام وتزعم أنه يتحكم بشكل فعال في البعوض الناقل للأمراض، والتي غزت المجتمعات في فلوريدا وكاليفورنيا وولايات أمريكية أخرى.
لكن منتقدي البرنامج يشككون في أن العواقب المحتملة للبرنامج شبه مؤكدة، مشددين على أن التجربة قد تحل مشكلة وتخلق مشكلة أخرى بالخطأ.
وبحسب منظمة أصدقاء الأرض، وهي منظمة بيئية مقرها واشنطن، في تصريحات لموقع صحيفة يو إس إيه توداي: "عندما تتدخل في نظام الكوكب البيئي ولو بتعديل طفيف، فإن الأثر دائماً ما سيكون كبيراً".
وخلصت وكالة حماية البيئة مارس/آذار الماضي إلى أن إطلاق البعوض آمن، لكنها أعلنت بعض الاحتياطات اللازمة.
وقالت مثلاً بحسب TRT، إنه يجب إطلاق البعوض على بعد 500 متر على الأقل من المصادر المحتملة للتتراسيكلين، وهو مضاد حيوي يُستخدم في الزراعة ويعمل كمضاد للسمات القاتلة للبعوض الأنثوي.
كما حدت الوكالة من إطلاق البعوض على مسافة 500 متر من مرافق الصرف الصحي وبعض مرافق الفاكهة التجارية والماشية.
وأظهرت دراسة أن البعوض المُعدل وراثياً من قبل لم يقلل من انتشار أعداد البعوض الحاملة للأمراض، بل نتج عنها بعوض هجين أكثر ضراوة ومقاومة للمبيدات الحشرية.
وفي حالة حدوث اكتشاف غير متوقع لتلك التجربة الجديدة، سيكون هناك حق في إلغاء العملية في أي وقت خلال فترة الـ24 شهراً التالية لإطلاقها.
مخاطر البعوض على البشر يفوق تأثير الحروب
عبر تاريخ البشرية، يُعتقد أن الحروب والمعارك والصراعات أدت إلى مقتل حوالي مليار شخص. لكن هذا لا شيء مقارنة بعدد البشر الذين قتلهم البعوض.
تشير مجلة Nature العلمية إلى أن ما يقرب من نصف البشر الذين عاشوا خلال الخمسين ألف سنة الماضية على الأقل، ماتوا بسبب الحشرة القاتلة وقدرتها على نقل مرض واحد بالتحديد، وهو الملاريا.
إذ يُعد البعوض عنصراً أساسياً في انتشار الملاريا، التي تسببها طفيليات، والتي قتلت أكثر من نصف مليون شخص في عام واحد، بحوالي 627٫000 شخص في عام 2020 فقط.
وذلك بالإضافة إلى نقلها لفيروسات مثل زيكا وحمى غرب النيل وحمى الضنك.
وغالباً ما يُطلق على بعوضة Anopheles gambiae، الشائعة في المناطق الريفية في إفريقيا، بأنها "أخطر أنواع الكائنات على الأرض"، وفقاً لدراسة أجريت عام 2020 ونشرت في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences العلمية.
هل يمكن أن يكون قتل البعوض هو الحل؟
وصف بيل جيتس البعوض بأنه "أخطر حيوان في العالم" لنشره المستمر للأمراض الفتاكة مثل الملاريا حول العالم، التي قتلت ما يقدر بنحو 429،000 في عام 2015 وحده.
وقالت منظمة الصحة العالمية WHO التي قدمت هذا التقدير، إن ما يقرب من نصف العالم يعيش في خطر الإصابة بالمرض بسبب البعوض.
اعتماداً على المكان الذي تعيش فيه، قد يتراوح البعوض من مصدر إزعاج يسبب الحكة إلى تهديد دائم قد يودي بحياة الحيوانات والبشر والنباتات على حد سواء.
وقد راودت العلماء مراراً سؤال ماذا سيحدث لو تم القضاء نهائياً على الناموس أو البعوض؟ وهل سيخل ذلك بالنظام البيئي بشكل أو بآخر؟
يوجد أكثر من 3500 نوع من البعوض حول العالم اليوم، لكن القليل منها فقط يؤثر على صحتنا، بعدد يُعقد أنه 100 بعوضة تقريباً.
وكما أسلفنا، تحمل الأنوفيلة الغامبية الملاريا. بينما وصلت بعوضة الزاعجة المصرية إلى الولايات المتحدة على متن سفن العبيد قديماً، ونشرت الحمى الصفراء، وزيكا وغيرها.
لذلك قد لا نحتاج إلى قتل جميع أنواع البعوض لتقليل الوفيات المرتبطة بالبعوض، بحسب الخبراء، وفقاً لموقع Live Science العلمي.
التأثير المُحتمل لاختفاء البعوض على نظامنا البيئي
يُعد البعوض مصدراً غذائياً رئيسياً للأسماك والطيور والسحالي والضفادع والخفافيش والعديد من الحيوانات الأخرى. ومع ذلك، لا توجد أنواع تعتمد عليها بشكل أساسي ووحيد، بحسب تقرير لمجلة Nature العلمية نُشر عام 2010.
وبينما يساعد البعوض في تلقيح آلاف النباتات، قالت جانيت مكاليستر، عالمة الحشرات في المركز الأمريكي للسيطرة على الأمراض، لذات المجلة، إن تلقيح البعوض ليس بالغ الأهمية لأي نبات يعتمد عليه البشر.
ويقول فيل لونيبوس، عالم الحشرات بجامعة فلوريدا، إن أي حشرة ستحل محل البعوض يمكن أن تكون "غير مرغوب فيها ومؤذية للبشر بشكل متساوٍ أو أكثر من ناحية السلامة والصحة العامة"، بحسب موقع BBC.
من ناحية أخرى، يرى الكاتب والباحث العلمي ديفيد كوامن أن البعوض يحمي الغابات الاستوائية المطيرة التي ينمو فيها، ويساعد البشر – ويحد من إزالة الغابات في آنٍ واحد.
لذلك يُعتقد بشكل قاطع أن غياب البعوض سيؤدي إلى تغيير نظمنا البيئية. لكن هل ستكون هذه التحولات جذرية، مؤقتة أم طويلة الأمد؟ مرة أخرى، لا نعرف على وجه اليقين.
النظام البيئي معقد؛ ما يساهم في اختلاف الخبراء حول القضية.