أعادت طموحات روسيا في السيطرة على قطعة من أوكرانيا إلى الأذهان حدثاً مشابهاً لعبت أمريكا دور البطولة فيه قبل عقود، حينما سيطرت على مساحات شاسعة من المكسيك مستغلةً الطموحات الانفصالية لتلك الرقعة من البلاد.
وامتدت المكسيك على مساحة بلغت قرابة 4 ملايين كيلومتر مربع من المقاطعات والأقاليم بعد استقلالها عام 1821 من الاحتلال الإسباني الذي سيطر عليها منذ عام 1521.
لكن سرعان ما تآكلت تلك المساحة إلى النصف بعد تداعيات الحرب الأمريكية المكسيكية، وسيطرت الجارة الشمالية على تكساس وغيرها من الولايات التي تُعرف اليوم بولايات جنوب غربي أمريكا.
تحريض واستدراج للحرب
بحسب الموسوعة البريطانية Britannica، بدأت إجراءات الضم بسرعة بعد انتخاب الرئيس الأمريكي جيمس ك. بولك عام 1844، والذي دعا إلى "إعادة ضم" تكساس و"إعادة احتلال" إقليم أوريغون.
كما وضع بولك عينيه على كاليفورنيا ونيو مكسيكو وبقية ما يعرف اليوم بجنوب غربي الولايات المتحدة. وعندما تم رفض عرضه شراء تلك الأراضي، حرَّض على القتال، من خلال نقل القوات إلى منطقة متنازع عليها بين نهر ريو غراندي ونويسيس التي اعترف بها كلا البلدين في السابق كجزء من ولاية كواويلا المكسيكية.
في 25 أبريل/نيسان 1846، هاجم سلاح الفرسان المكسيكي مجموعة من الجنود الأمريكيين في المنطقة المتنازع عليها تحت قيادة الجنرال زاكاري تايلور؛ مما أسفر عن مقتل نحو عشرة.
ثم فرضوا حصاراً على حصن أمريكي على طول نهر ريو غراندي. استدعى تايلور التعزيزات، وتمكن بمساعدة البنادق والمدفعية المتفوقة، من هزيمة المكسيكيين في معارك بالو ألتو وريساكا دي لا بالما.
بعد تلك المعارك، أخبر بولك الكونغرس الأمريكي بأن "كأس الصبر قد نفدت، حتى قبل أن تتجاوز المكسيك حدود الولايات المتحدة، وتغزو أراضينا، وتسفك الدماء الأمريكية على الأراضي الأمريكية".
وبعد يومين أعلن الكونغرس الحرب، على الرغم من معارضة بعض المشرعين الشماليين. في حين لم يأتِ أي إعلان رسمي للحرب من المكسيك.
وقد تركَّز الصراع برمته على نزاع محدد، وهو جمهورية تكساس المستقلة، التي كانت جزءاً من شمال المكسيك بتعداد كان بداية الخلاف مع دولتهم، حيث تكوّن من مكسيكي واحد بين كل 10 أشخاص من غالبية البيض.
لذلك كان ذلك القطاع ينادي بالاستقلال عن المكسيك، وبالفعل أعلن قيام دولة تكساس المستقلة التي امتدت لنحو 10 سنوات كاملة، لكن سرعان ما اختارت الانضمام إلى الولايات المتحدة الأمريكية مع نهاية الحرب مع المكسيك.
من هنا استغل الرئيس جيمس بولك الخلاف السياسي في المكسيك، لأنه أراد بالفعل مزيداً من ولايات التجارة المرتبطة ببيع العبيد، لذلك تمكنت تكساس رسمياً من إعلان إقامة دولة مستقلة في ذلك العام بالتحديد، ونالت اعترافاً من فرنسا وبلجيكا وهولندا، وطبعاً أمريكا.
وفي حقيقة الأمر، كان توسيع الولايات المتحدة عبر ضم هذا الطريق الجديد جزءاً رئيسياً من حملة بولك الانتخابية الترويجية، لأنه وعد بازدهار استثنائي لرجال الأعمال الذين اعتمدوا بشكل رئيسي على تجارة العبيد.
حيث رأى بولك وآخرون أن الاستحواذ على تكساس وكاليفورنيا وأوريغون ومناطق أخرى جزء من خطة ناجحة لفرض الهيمنة الأمريكية وتحقيق مكاسب اقتصادية طائلة، بحسب موقع History لتوثيق الأحداث التاريخية.
ضم أمريكي تدريجي لـ"ولايات جديدة" ومعاهدة لترضية المكسيك
في ذلك الوقت، كان يعيش نحو 75.000 مواطن مكسيكي فقط شمال ريو غراندي. ونتيجة لذلك، تمكنت القوات الأمريكية بقيادة الكولونيل ستيفن دبليو كيرني والعميد البحري روبرت إف ستوكتون، من احتلال تلك الأراضي بأقل قدر من المقاومة.
وبالمثل، لم يواجه الجنرال الأمريكي تايلور صعوبة كبيرة في التقدم، فاستولى على مونتيري في سبتمبر/أيلول.
وبعد عدد من المعارك قام جيش الولايات المتحدة الذي كان معظمه من المتطوعين، بتأمين السيطرة على المكسيك بعد سلسلة من المعارك، وتم توقيع معاهدة غوادالوبي هيدالغو في 2 فبراير/شباط 1848.
وبحسب موقع Constitution Center الأمريكي، كان هذا أول نجاح واسع النطاق لقوة عسكرية أمريكية على أرض أجنبية.
في المقابل، تلقت المكسيك ما يزيد على 18 مليون دولار فقط تعويضاً من الولايات المتحدة كجزء من المعاهدة.
وحددت الاتفاقية حدوداً بين تكساس والمكسيك وتنازلت عن ولايات كاليفورنيا ونيفادا ويوتا ونيو مكسيكو ومعظم أريزونا وكولورادو وأجزاء من أوكلاهوما وكانساس ووايومنغ للولايات المتحدة.
كما أدى نقلهم إلى سيطرة الولايات المتحدة إلى خفض المساحة الإقليمية للمكسيك إلى النصف تقريباً.
بموجب المعاهدة الجديدة، أصبح نهر ريو غراندي وليس نهر نيوسيس هو الحدود بين دولة الولايات المتحدة والمكسيك، إذ اعترفت الأخيرة أيضاً بضم الولايات المتحدة لتكساس، ووافقت على بيع كاليفورنيا وبقية أراضيها شمال ريو غراندي مقابل 15 مليون دولار، إضافة إلى بعض التعويضات الهامشية.
انتصار واسع لكن العواقب وخيمة
على الواجهة، بدت نتيجة الحرب بمثابة ثروة مجانية وقعت بين يدي الولايات المتحدة. لكن الاستحواذ على كثير من الأراضي مع قضية العبودية التي لم يتم حلها أشعل الفتيل الذي أدى في النهاية إلى اندلاع الحرب الأهلية في عام 1861.
إذ إن القضية الأساسية كانت كيف أن إضافة دول وأقاليم جديدة ستغير التوازن بين الدول الحرة والعبودية كانت أمراً بالغ الأهمية، بحسب موقع History State للمعلومات التاريخية.
فقد أعادت الحرب فتح قضية الرق والعبودية، التي كانت خاملة إلى حد كبير.
وفي 8 أغسطس/آب 1846، حاول النائب ديفيد ويلموت من ولاية بنسلفانيا إضافة تعديل على مشروع قانون مخصصات المعاهدة.
صحيح أنه لم يتم تمرير قانون ويلموت، الذي يحظر العبودية من أي منطقة يتم الحصول عليها من المكسيك، إلا أنه أدى إلى نقاش حاد وساهم بشكل كبير في تصاعد العداء القطاعي.
بالتدريج، تمت تسوية وضع العبودية في الأراضي المكتسبة حديثاً، من خلال تسوية عام 1850، ولكن فقط بعد أن اقتربت الأمة بشكل خطير من الحرب الأهلية الأمريكية، التي وقعت بالفعل نتيجة احتدام الخلاف، بحلول عام 1861 في عهد الرئيس أبراهام لينكولن.