كان ثورة في عالم العقاقير الطبية.. قصة اختراع دواء الحساسية الذي منح مخترعه جائزة نوبل

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/15 الساعة 12:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/15 الساعة 12:35 بتوقيت غرينتش
العقار تم تطويرة في منتصف القرن الماضي - iStock

مضادات الهيستامين هي دواء يستخدم لمواجهة آثار إثارة إفراز الهيستامين في الجسم، وهي المادة الكيميائية التي تطلقها خلايا معينة في الجسم أثناء تفاعل الحساسية.

وعلى الرغم من أن مضاد الهيستامين لا تغير سبب رد الفعل التحسسي الأساسي، إلا أنها تثبط الأعراض المصاحبة للحساسية خلال النوبة، وقد غيرت جودة حياة المصابين بالحساسية بشكل جذري.

يعاني المصاب بالحساسية من رد فعل مناعي غير دقيق - iStock
يعاني المصاب بالحساسية من رد فعل مناعي غير دقيق – iStock

ما هو الهيستامين وكيف يفرزه الجسم؟

عند بعض البشر، يتصور الجهاز المناعي أن المواد المهيجة مثل حبوب اللقاح أو وبر الحيوانات وغيرها من مثيرات الحساسية، أنها مواد غريبة خطيرة على الجسم يجب طردها.

وعندما يتم استنشاقها في الجسم، تبحث الأجسام المضادة عن المهيج وتتحد معه. ثم تُطلق خلية دم كبيرة تُعرف باسم الخلايا القاعدية، أو الخلية البدينة، مركب الهيستامين في الجسم، الذي يربط نفسه بخلايا المستقبِل في الأغشية المخاطية.

وبحسب موقع Nature للأبحاث العلمية في المجال الطبي، يتسبب الهستامين في تمدد الأوعية الدموية المحلية، ويتزامن ذلك مع انخفاض في ضغط الدم وزيادة نفاذية جدران الأوعية، ما يسمح للسوائل من الدم بالهروب إلى الأنسجة المحيطة.

وتؤدي ردة الفعل تلك إلى حدوث الحكة و"سيلان الأنف والدموع"، وهي الأعراض التي تحدث عند التعرُّض للبرد أو الحساسية، حيث يحاول الهيستامين من خلالها تخليص الجسم من المهيجات.

بدايات اختراع مضاد الهيستامين

تم وضع الأساس لتطوير مضاد الهيستامين في النصف الأول من القرن العشرين بواسطة عالم الصيدلة السويسري الإيطالي دانيال بوفيت.

وبحسب ورقة بحثية بعنوان "لحظات عظيمة في الصيدلة" نُشرت عام 1966، أدى عمل بوفيت إلى اكتشاف وإنتاج مضاد الهيستامين للتخفيف من الحساسية، وحصل إثر ذلك على جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء والطب عام 1957.

وأثناء عمله في قسم الكيمياء العلاجية في معهد باستير في باريس، اكتشف بوفيت أن بعض المواد الكيميائية تصادف تفاعلات الهيستامين في خنازير الاختبار.

وكان أول مضاد للهستامين تم تحديده يسمى المركب F929، الذي وصفه بوفيت وزملاؤه في عام 1937. إذ لاحظ العالِم أن المركب F929 يحمي خنازير الاختبار من الهيستامين بجرعات عالية للغاية لدرجة قاتلة.

كما يقلل F929 أيضاً من أعراض الحساسية المفرطة، وهو رد فعل تحسسي شديد يؤدي غالباً إلى انسداد مجرى الهواء والصدمة والموت.

على الرغم من أن المركب F929 أثبت أنه غير مناسب للاستخدام السريري في البشر بسبب الضعف والسمية العالية له، فإن اكتشافه فتح الباب للسعي وراء عامل مضاد الهستامين المناسب للاستخدام السريري.

الحساسية تنبع من فرط إفراز الهيستامين - iStock
الحساسية تنبع من فرط إفراز الهيستامين – iStock

وبحلول عام 1942، تم تطوير أول مضاد للهستامين يستخدم بنجاح لعلاج البشر في فرنسا ثم تم تنقيح الدواء في عام 1944. وقدم العلماء في الولايات المتحدة ديفينهيدرامين وثلاثيلينامين في عام 1946 كتطوير للعقار المضاد للهيستامين، وكلاهما ظل قيد الاستخدام حتى نهاية القرن.

تبع ذلك موجة من تطوير مضاد الهيستامين، مع اشتقاق كل شيء تقريباً من المركب الأصلي F929.

وبحلول عام 1950، تم إنتاج مضادات الهيستامين بكميات كبيرة ووصفت على نطاق واسع كدواء مفضل لمن يعانون من الحساسية. كما وصفت مضادات الهيستامين بأنها "أدوية مدهشة"، وغالباً ما كان ينظر إليها عن طريق الخطأ من قبل الجمهور على أنها علاج لنزلات البرد الشائعة.

استخدام مضادات الهيستامين في علاج الربو

وعلى الرغم من أن مضادات الهيستامين ليست علاجاً من أي جانب، فإنها قدمت الراحة المبدئية التي يمكن الاعتماد عليها لبعض أعراض البرد.

ووصف الأطباء مضادات الهيستامين للحالات المرتبطة بأي شكل من الأشكال باستجابة الحساسية، بما في ذلك الربو، بحسب موقع Encyclopedia.

وهكذا بدأ النقاش المستمر لفترة طويلة بعد عام 1950 حول الفوائد والمخاطر التي ينطوي عليها السيطرة على الربو ومضادات الهيستامين.

ففي عام 1948 أظهرت الأدبيات الطبية أن الهيستامين يمكن أن يسبب انقباض الشعب الهوائية لدى مرضى الربو، لذلك تم التوصية بمضادات الهيستامين لمنع هذا التأثير، قبل أن يتم التراجع عن القرار في 1955 لتأثير الدواء في زيادة لزوجة إفرازات الرئتين ما يفاقم من أعراض الربو وخطورته على المرضى.

تطوير مضادات الهيستامين وبيعه على نطاق واسع في الأسواق

مع تطوير تركيبات مختلفة، وجد العلماء في النهاية مؤشرات إضافية لاستخدام مضاد الهيستامين. أصبح ديفينهيدرامين متاحاً كمستحضر للنوم وعلاج للحكة والحساسيات المختلفة بحسب الموسوعة البريطانية Britannica.

ثم تم استخدام مجموعة من تطويرات المادة الأصلية في مضادات الهيستامين لمنع دوار الحركة وكدواء مضاد للغثيان ومهدئ للأعصاب.

وقد أدت هذه الخصائص الواسعة النطاق للأدوية المتاحة للحساسية إلى احتمال الإفراط في الاستخدام، وفي بعض الأحيان، إدمان مضاد الهيستامين.

لذلك عانى المرضى الذين يتناولون مضادات الهيستامين من آثار جانبية أثرت على أنشطتهم اليومية في الحياة. وأشارت الدراسات إلى أن ثلث المرضى الذين يتلقون مضاد الهيستامين يعانون من نعاس كبير بما يكفي لإضعاف تركيزهم.

في حين أن هذا ربما كان نتيجة مرغوبة في الليل، إلا أنه كان من المضاعفات الخطيرة المحتملة أثناء ساعات الاستيقاظ.

ويُنصح المرضى بعدم قيادة السيارة أو تشغيل المعدات الخطيرة التي تتطلب التنسيق الحركي الدقيق أثناء تناول مضادات الهيستامين. كما تم تشجيع المرضى أيضاً على تناول جرعات زمنية وفقاً لجداولهم وإيقاعات الجسم لتقليل الآثار الجانبية، بدلاً من الالتزام بجدول زمني صارم.

تم تطوير العديد من العقاقير من مركب دواء الحساسية الأصلي - iStock
تم تطوير العديد من العقاقير من مركب دواء الحساسية الأصلي – iStock

وعلى الرغم من الآثار الجانبية، فقد أصبحت مضاد الهيستامين مستخدمة على نطاق واسع لمجموعة متنوعة من المشاكل الطبية. ويُعد استخدامهم الواسع في الطب في مطلع القرن الحادي والعشرين شهادة على أهمية اكتشاف بوفيت.

جائزة نوبل على إجمالي أعمال بوفيت

حصل عالم الصيدلة السويسري دانيال بوفيت على جائزة نوبل في الطب أو علم وظائف الأعضاء عام 1957 "لاكتشافاته المتعلقة بالمركبات الاصطناعية التي تثبط عمل بعض مواد الجسم، وخاصة تأثيرها على الأوعية الدموية والعضلات الهيكلية".

ومن بين مساهماته العديدة كان عمله الرائد على أدوية مضادات الهيستامين، والتخدير والأدوية التي تؤثر على الدماغ.

ملحوظة مهمة حول المعلومات الطبية الواردة في المقالة

يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.

إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.

تحميل المزيد