في اليوم الخامس عشر من شهر فبراير/شباط من كل عام، تحتفل الصين وبعض الدول الآسيوية الأخرى بعيد الفوانيس الذي يعلن نهاية رأس السنة الصينية وبداية العام القمري الجديد مع اكتمال البدر في هذا اليوم.
تقليد متوارث عبر الأجيال منذ آلاف السنين
على مر العقود، تطور عيد الفوانيس ليتضمن قيماً مختلفة يحتفل بها الشعب الصيني، من بينها الاحتفاء بلمّ شمل الأسرة وقيمة التربية والتسامح والحرية، بينما يضم أيضاً التقاليد الروحية القديمة التي تم توارثها على مر التاريخ.
وعادة ما تجتمع العائلات الصينية في ليلة رأس السنة الجديدة، وتزور الأصهار في اليوم الثاني من العام الجديد. كما تفتح المتاجر والشركات أبوابها في اليوم الخامس، وبعد ذلك تختفي طقوس الاحتفالات تدريجياً.
ولكن في اليوم الخامس عشر من العام الجديد يحل موعد عيد الفوانيس، وفيه ينزل الجميع إلى الشوارع للاحتفال وإضاءة الفوانيس النارية أو المضاءة بالكهرباء والبطاريات تماشياً مع العصر الحديث.
ويعتبر البعض أيضاً أن مهرجان الفوانيس هو يوم عيد الحب الصيني.
وهذا لأنه في الصين القديمة قبل قرون، عندما لم يُسمح للنساء في كثير من الأحيان بالخروج من المنزل، تمكنت الصينيات لأول مرة من الخروج والتجول في الأماكن العامة احتفالاً بمهرجان الفوانيس، وحينها وقع الكثير من الشباب في حب الفتيات اللاتي قابلوهن لأول مرة بشكل مباشر، بحسب موقع China Highlight للتقاليد الشعبية في الصين.
نشأة عيد الفوانيس في التاريخ الصيني القديم
يُعتقد أن مهرجان الفوانيس بدأ منذ أكثر من 2000 عام خلال عهد أسرة هان. وفي ذلك الوقت، كانت البوذية تحظى بشعبية داخل الصين وفي رواج مع أول اعتقاد بها.
وقد سمع الإمبراطور مينغ من أسرة هان أن الرهبان يشعلون الشموع لبوذا في اليوم الخامس عشر من الشهر القمري الأول، لذلك أمر القصر الإمبراطوري والمعابد بإضاءة الشموع وحث المواطنين على تعليق الفوانيس.
كما تحكي أسطورة أخرى تتعلق بأصل المهرجان حكاية الإمبراطور اليشم (يو دي)، وهو حاكم الجنة وجميع نواحي الوجود بما في ذلك البشر والجحيم وفقاً لنسخة الأساطير الطاوية في الثقافة الشعبية الصينية، الذي غضب من بلدة معينة بسبب قتل إوزة.
وبعد أن قرر تدمير المدينة بالنار، حاولت إحدى الجنيّات أن تحبط مخطط الإمبراطور ونصحت الناس بإضاءة الفوانيس في جميع أنحاء المدينة في اليوم المحدد للتدمير.
حينها افترض الإمبراطور، الذي خدعته تلك الإضاءة، أن البلدة قد غمرتها النيران بالفعل. وهكذا نجت المدينة من التدمير، وامتناناً لتلك الحيلة، واصل الناس الاحتفال بالحدث سنوياً من خلال حمل الإضاءة والشعلات الملونة في عيد الفوانيس في جميع أنحاء المدينة، ثم الإمبراطورية بأكملها.
ومنذ ذلك الحين استمرت عادة استخدام الفوانيس كتقليد للشعب الصيني طوال السلالات التي تلت ذلك العهد، وتم تبني الطقس وتطويره لاحقاً من قبل عامة الشعب وانتشر في جميع أنحاء الصين وأجزاء أخرى من قارة آسيا.
ما هو تقليد إضاءة الفوانيس؟
أصبحت الفوانيس رمزاً لمهرجانات الصين الشعبية احتفالاً بالعام القمري الجديد، وفي العصر الحديث في يومنا هذا، يمكن رؤية الفوانيس الحمراء معلقة في كل الأحياء والأماكن الصينية بأي دولة حول العالم وليس في الصين وحدها.
وغالباً ما يصور الفلكلور الصيني التقليدي الفوانيس والأحاجي والقطة الذهبية الجالبة للحظ والرخاء المادي كرموز تشير لهذا المجتمع وعاداته وتقاليده الضاربة في التاريخ.
وعلى مر العقود تم تطوير أشكال لا حصر لها من الفوانيس الصينية للاحتفال بعيد الفوانيس، بداية من الكرات الصغيرة بحجم راحة اليد إلى عوامات الاستعراض الضخمة ذات الشعلات النارية أو الإضاءة الكهربائية.
وتقليدياً، كانت الفوانيس تُهدى للعروسين أو الأزواج الذين ليس لديهم أطفال لتمرير البركات وتغيير حظيهم في الحصول على السلالة. كما تحصل المرأة الحامل أيضاً على زوج من الفوانيس الصغيرة لتمني الصحة والسلامة لكل من الأم والطفل.
وفي بعض المناطق، يتم حرق الفوانيس لتحديد جنس الطفل المستقبلي من شكل الرماد بحسب موقع National World التاريخي.
طقوس الاحتفال بعيد الفوانيس الممتدة حتى اليوم
مهرجان الفوانيس، الذي يُطلق عليه أيضاً مهرجان يوان شياو، يتم الاحتفال به في الصين والدول الآسيوية الأخرى في اليوم الخامس عشر من الشهر الأول (يوان) من التقويم القمري.
ويمثل العيد أول قمر مكتمل في العام القمري الجديد ونهاية العام الصيني الجديد وخلال المهرجان، تُزيَّن المنازل بالفوانيس الملونة التي يغلب عليها اللون الأحمر، وكثيراً ما تكُتب عليها الألغاز والصلوات.
كما تشمل احتفالات المهرجان أيضاً رقصات دُمى ورقية أو قماشية يرتديها الاستعراضيون على هيئة الأسد والتنين من المعتقدات والأساطير الصينية القديمة.
وبحسب الموسوعة البريطانية Britannica، يتم تناول كرات الأرز اللزج الصغيرة المليئة بالفواكه والمكسرات، والتي تسمى يوانكسياو أو تانغيوان، خلال المهرجان. ويرمز الشكل الدائري للكرات إلى الكمال والوحدة داخل الأسرة.
كما يتجول الأطفال والناس من مختلف الأعمار في الشوارع حاملين الفوانيس الملونة ويتبادلون التهاني والدعوات بالرزق والرخاء في العام الجديد.