هل سبق وأن فشلت في التعرف على صديق مقرّب أو أحد أفراد العائلة، خاصة عندما تراهم بشكل غير متوقع في مناسبة عامة أو بعد أن يحصلوا على تصفيفة شعر جديدة؟
إذا كان الأمر كذلك، فقد تكون مصاباً باضطراب يُسمَّى عمى الوجوه، الذي يُطلق عليه رسمياً عمى التعرف على الوجوه أو prosopagnosia.
ويعاني حوالي شخص واحد من بين كل 50 شخصاً من درجة معينة من عمى التعرف على الوجوه، على الرغم من أن العديد منهم يعيشون حياة طبيعية دون أن يدركوا أنهم مصابون بهذا الاضطراب.
كيف يمكنك معرفة ما إذا كنت مصاباً بعمى الوجوه؟
تختلف الأعراض بشكل كبير بين المصابين بهذه الحالة. إذ قد يجد البعض صعوبة في التعرف على تعبيرات الوجه لدى الآخرين.
بينما لدى البعض يمكن أن تكون مشاهدة التلفزيون أو الأفلام مهمة شاقة، بحيث يجاهد الأشخاص المصابون بهذه الحالة لتذكر الشخصيات المختلفة في العمل.
أما عند مقابلة شخص جديد فقد يحاول الأشخاص المصابون بعمى الوجوه أيضاً تذكّر ملابسهم أو تسريحة شعرهم بدلاً من وجوههم، وفقاً لموقع خدمة الصحة الوطنية البريطانية NHS.
ليس من المستغرب أن هناك سمة أخرى تترافق عادةً مع عمى الوجوه وهي القلق الاجتماعي. لأنه يمكن أن يؤدي عدم فهم تعابير الوجه إلى صعوبة تكوين العلاقات أو تكوين الصداقات أو التفاعل بشكل طبيعي وسط المجموعات.
كذلك قد يتجنب الأشخاص المصابون بعمى التعرُّف على الوجوه التفاعل الاجتماعي ويصابون باضطراب القلق الاجتماعي وحتى يعانون من فترات من الاكتئاب واضطرابات نفسية أخرى.
كيف تكون معاناة المصابين بعمى التعرُّف على الوجوه؟
قالت هيذر سيلرز، مؤلفة كتاب بعنوان "أنت لا تبدو مثل أي شخص أعرفه"، لمجلة TIME، في مقابلة عام 2010، إن الإصابة بعمى الوجوه تجعل الذين يعانون من المشكلة وكأنهم يعانون من إعاقة في التعلُّم. مشبهة الاضطراب بأنه مثل "عسر القراءة" عندما يتعذر على الشخص تمييز الكلمات.
وتشير الدراسات إلى أن عمى الوجوه غير مرتبط بالذكاء العام أو الذاكرة الأوسع في القدرات العقلية للشخص المصاب. وعادةً ما تكون مشكلة تستمر مدى الحياة عند المصابين.
أسباب الإصابة بهذا الاضطراب والأشخاص الأكثر عرضة له
يُعد عمى التعرُّف على الوجوه التنموي -الذي يشير إلى الإصابة بعمى تمييز الوجوه دون حدوث تلف في الدماغ- هو النوع الأكثر شيوعاً لدى المصابين حول العالم.
كما أن الاضطراب قابل للتوريث بدرجة كبيرة، وفقاً لنتائج دراسة علمية قادها فريق من الباحثين الألمان في عام 2006.
وتكهن أحد مؤلفي الدراسة، توماس جروتر، من معهد علم الوراثة البشرية في ألمانيا، بأن الحالة على الأغلب تكون عن خلل في جين واحد مهيمن. قد يعني هذا أنه إذا كان أحد الوالدين يعاني من عمى التعرُّف على الوجوه، فسيكون لكل طفل فرصة بنسبة 50% لوراثة ذلك الاضطراب.
وتشير الدراسة الألمانية السالف ذكرها، إلى أن حوالي 2% من الناس تظهر عليهم علامات عمى الوجوه التنموي.
وبالرغم من أن تمييز ملامح الآخرين من بين أكبر التحديات عند المصابين بالتوحد، إلا أن عمى الوجوه لا يكون دائماً عرضاً معيارياً للتوحد، ولكن يبدو أنه أكثر شيوعاً لدى المصابين بالتوحد منه لدى عامة الناس.
ومن المفترض أن يكون عمى الوجوه جزءاً مما يعيق أحياناً التنمية الاجتماعية للأشخاص المصابين بالتوحد، بحسب موقع Healthline للصحة والطب.
من ناحية أخرى، يُصاب بعض الأشخاص أيضاً بعمى التعرف على الوجوه بعد تعرضهم لأضرار في الدماغ، مثل إصابة في الرأس أو سكتة دماغية أو الارتجاج. ويُعرف هذا باسم عمى التعرف على الوجوه المكتسب، وهو نادر نسبياً بالمقارنة مع النوع التنموي الراجع لخلل في الجينات، وفقاً لترجيحات الخبراء.
كيف يتم تشخيص الشخص المصاب بعمى الوجوه؟
إذا كنت تواجه مشكلة في التعرف على الوجوه، فسيحيلك طبيب الرعاية الأولية إلى طبيب أعصاب لتحديد ما إذا كنت مصاباً أم لا. حينها قد يطلب منك طبيب الأعصاب إجراء تقييم لقدرتك على التعرف على ملامح الوجه.
قد يقيِّم الاختبار الطبي المتخصص قدرتك على:
- التعرف على الوجوه التي لم ترها من قبل أو وجوه عائلتك.
- تحديد الاختلافات أو التشابه في ملامح الوجه في مجموعات من الوجوه المعروضة أمامك.
- تحديد التعبيرات والإشارات العاطفية من مجموعة من الوجوه.
- تقييم معلومات مثل العمر أو الجنس وفقاً لمجموعة من الوجوه المعروضة إمام المصاب خلال الاختبار.
كيف يتم علاج عمى الوجه؟
لا يوجد علاج أساسي لعمى الوجوه. وبحسب موقع Medicinenet الطبي، يركز التعامل مع الاضطراب على مساعدة الأشخاص المصابين بهذه الحالة في العثور على آليات التأقلم لتحديد الأشخاص من حولهم بشكل أفضل.
يمكنك، على سبيل المثال، تعلُّم التركيز على القرائن المرئية أو اللفظية الأخرى لتحديد هوية الأشخاص عوضاً عن الاعتماد بشكل أساسي على ملامح الوجه.
إذ يمكن أن يشمل ذلك ملاحظة شعرهم الأشقر المجعد، أو طولهم الأقصر من المتوسط، أو صوتهم الحاد أو الأجش بصورة مميزة.
قد تلاحظ أيضاً سلوكيات معينة تستطيع تحديد الأشخاص من حولك وفقاً لها، مثل مدى سرعة المشي أو معاناة الشخص من لازمة عصبية معيدة، مثل ترديد كلمة بعينها، أو رعشة في العين، أو إيماءة لا إرادية بالرأس أو غيرها.
تبعات الإصابة بعمى الوجوه وتأثيرها على الحياة العامة
يمكن أن يؤثر عمى الوجوه على قدرة الشخص على إقامة علاقات شخصية ومهنية. هذا يمكن أن يؤدي إلى القلق الاجتماعي أو الاكتئاب ومشاكل التوتر والقلق والعُزلة.
إذا كنت تعاني من قلق اجتماعي أو اكتئاب بسبب عمى الوجوه، فاستشر معالجاً متخصصاً في علم الأعصاب. إذ يمكنهم مساعدتك في تطوير تقنيات أخرى مثل:
التواصل بشكل أفضل مع الناس، وبناء علاقات شخصية أقوى، وإدارة القلق الاجتماعي أو أعراض الاكتئاب.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.