العديد منا قد قرأوا أو سمعوا أو حتى شاهدوا أفلاماً عن حوادث تحطُّم الطائرات نتيجة ارتطامها بجبل ما، أو بسبب عطل في المحرك أو الطقس السيئ، أو حتى نفاد الوقود، ما قد يتسبب في كارثة، أو في أفضل الحالات قد ينتهي بهبوط اضطراري في محاولة لإنقاذ الركاب.
لكن قصة هبوط الطائرة التي في هذه المادة مختلفة عن كل ما سبق، فهي لم تحدث إلا بعد دقائق من الإقلاع، ولم يكن سببه عطل في الطائرة أو مشكلة في الطقس أو أي ارتطام، كما أن الطائرة لم تهبط على الأرض ولم تتحطم في السماء! إليكم قصة هبوط الطائرة "معجزة نهر هدسون".
سرب من الطيور يضرب الطائرة ويعطلها
في 15 يناير/كانون الثاني عام 2009، أقلعت رحلة الخطوط الجوية الأمريكية رقم 1549 من مطار لاغوارديا في نيويورك عند الساعة 3.15 مساءً، وعلى متنها 150 راكباً وخمسة من أفراد الطاقم متوجهين إلى مطار شارلوت دوغلاس الدولي.
ولكن بعد 6 دقائق من الإقلاع فقط، وعند الساعة 3.27 مساءً، اصطدم قطيع من الأوز الكندي بالطائرة، ودخلت الطيور في محركات الطائرة، ما سبّب دوياً عالياً وتصاعدت ألسنة اللهب من الطائرة وتعطلت محركاتها على الفور.
أدرك القبطان تشيسلي سولينبيرجر أن الهبوط الاضطراري هو الطريقة الوحيدة لإنقاذ الركاب والطاقم، بعد فشله في إعادة تشغيل المحرك.
طلب مراقبو الحركة الجوية من قبطان الطائرة التوجه إلى مطار تيتر بورو القريب، ولكن سولينبيرجر أدرك أن ذلك لم يكن خياراً متاحاً وأن الطائرة قد تنفجر أو تتحطم قبل الوصول إلى هناك، لذلك أخبرهم بهدوء أنه لن يستطيع الوصول إلى هناك، ولكن المفاجأة كانت عندما أخبرهم بقراره بأنه سيهبط في وسط نهر هدسون وسط نيويورك!
هبوط وسط الماء ينقذ الركاب والطاقم بأكمله
في محاولة لإنقاذ الطاقم والركاب، أخبر الكابتن سولينبيرجر الركاب بقراره بالهبوط بالطائرة فوق نهر هدسون، ما أصاب الجميع بالذعر.
وبدأ المضيفون فوراً بمساعدة الركاب للوصول إلى سترات النجاة، وأرشدوهم إلى مخارج الطوارئ التي عليهم التوجه لها بعد الهبوط، كما يشير موقع The Sun.
في طريقها إلى الماء، مرت الطائرة على ارتفاع أقل من 900 قدم فوق جسر جورج واشنطن، حين أخبر سولينبرجر طاقمه والركاب بأن يستعدوا للاصطدام، وفي الساعة 3.31 مساء هبطوا في منتصف نهر هدسون.
بمجرد هبوط الطائرة في النهر، ساعد الطاقم الركاب على الخروج إلى أجنحة الطائرة لانتظار قوارب الإنقاذ، إلا أن بعض الركاب قرروا النزول إلى النهر وسبحوا بعيداً عن الطائرة خوفاً من أن تنفجر.
وصلت سفينة الإنقاذ الأولى إلى الطائرة بعد أربع دقائق فقط لإنقاذ الركاب، ومن ثم سارع أسطول من عبّارات الركاب والقوارب وسفن الإنقاذ إلى مكان الحادث.
أصيب أحد الناجين بكسر في ساقيه وعولج آخرون من إصابات طفيفة أو انخفاض في درجة حرارة الجسم، لكن لم تحدث أي وفيات أو إصابات شديدة.
وكان القبطان سولينبرجر آخر من غادر الطائرة التي بدأت في الغرق بعدما تأكد من خلوها تماماً من الركاب.
لماذا تم التحقيق مع سولينبرجر؟
في الأشهر التي أعقبت حادثة نهر هدسون، أجرى المجلس الوطني لسلامة النقل والكونغرس الأمريكي واتحاد الطيارين جميعاً تحقيقات منفصلة في الرحلة، وقرار سولي بالهبوط في هدسون بدلاً من محاولة إعادتها إلى مطار قريب.
وفقاً لصحيفة The Guardian، يعد هذا إجراءً قياسياً لمجلس سلامة النقل الوطني في جميع حوادث تحطم الطائرات، حتى وإن كان الهبوط ناجحاً ولم يؤدِ لأي وفيات.
حتى إن سولينبرجر قد صرح بأنه لم يكن متأكداً من أنه اتخذ القرار الصائب في الأشهر التي أعقبت هبوط الطائرة، وقد أخبر صحيفة نيوزويك: "لم نكن متأكدين لعدة أشهر بعد التحقيق من أننا اتخذنا بالفعل القرارات الصحيحة، وأنه سوف تتم تبرئتنا في النهاية".
نتائج التحقيق
قرر المجلس الوطني لسلامة النقل أن القبطان سولينبرجر اتخذ القرار الصحيح في الهبوط على النهر بدلاً من محاولة العودة إلى المطار. وأظهرت عمليات المحاكاة التي أُجريت في مركز تدريب إيرباص أوروبا في تولوز أن الرحلة 1549 كان من الممكن أن تعود إلى لاغوارديا لو أن تلك المناورة بدأت فوراً بعد اصطدام الطيور، إلا أن ذلك لم يكن ممكناً، لأن الطيارين كانوا بحاجة لوقت لفهم وتقييم الوضع، وكان من الممكن أن يتسبب الرجوع بوقوع حادث تحطم داخل منطقة مكتظة بالسكان، وفقاً لموقع Wired.
فلم يروِ قصة "معجزة نهر هدسون"
في عام 2016، تم إصدار فيلم بعنوان Sully المبني على القصة الحقيقية لهبوط الطائرة في نهر هدسون من بطولة الممثل الأمريكي توم هانكس.
كما أصبح سولينبرجر المؤلف الأكثر مبيعاً في قائمة نيويورك تايمز عندما أصدر كتابه بعنوان Sully: My Search for What Really Matters، الذي يروي القصة المباشرة لحادث 2009.
تقاعد سولينبرجر من الخطوط الجوية الأمريكية بعد 30 عاماً في ممارسة المهنة، في 3 مارس/آذار 2010، ومنذ ذلك الحين كرس وقته للاستشارات والخطابات التحفيزية والتحدث عن سلامة الطيران.