سماع شخص ما وهو يتحدث يُعد أمراً مهما، لكن الاستماع فعلياً لما يشاركك به من مشاعر وأفكار يُعد أمراً مختلفاً تماماً.
ومع القليل من الممارسة والتدريب والوعي، من الممكن أن تتعلم كيف تكون مستمعاً أفضل وداعماً، وأكثر استيعاباً عند الاستماع للآخرين.
عدم تلقي الاهتمام العميق أثناء الحديث يؤذي الشخص المتكلم
من المحتمل أنك قد تعرضت لهذا الموقف، أنت تشارك شيئاً مهماً وتتحدث عنه باهتمام، لكن الشخص الذي تتحدث معه يركز على شيء آخر أكثر من انتباهه لكلماتك.
مثلاً هذا المُستمع ينظر إلى هاتفه، أو يجول بنظره في أرجاء الغرفة، فتشعر وكأنهم غير مرتبطين أو منتبهين كلياً لفحوى ما تقول، لذلك قد تنهي حديثك وأنت تشعر بعدم الرضا، أو قد تعاني من مشاعر سلبية عميقة، وأنك وحيد وغير مسموع.
لكي لا تكون مثل ذلك الرجل، ولكي تصبح مستمعاً فعالاً وتقوي اتصالاتك في التفاعلات اليومية في مختلف أنواع العلاقات قد تساعدك بعض المؤشرات التي نستعرضها في هذا التقرير.
ما هو الاستماع الجيد؟
في تجربتنا العامة يعتقد معظم الناس أن الاستماع الجيد ينبع من القيام بثلاثة أشياء على الأغلب، وفقاً لموقع Harvard Business Review:
- لا تتحدث عندما يتحدث الآخرون.
- السماح للآخرين بمعرفة أنك تستمع من خلال تعابير الوجه والأصوات اللفظية التي تقر عليهم الاستماع أو الاتفاق مع الكلام.
- القدرة على تكرار ما قاله الآخرون.
في الواقع تشير الكثير من نصائح الاستماع إلى القيام بهذه الأشياء بالذات، وتشجيع المستمعين على التزام الصمت والإيماء وترديد "مممم" أو "هممم" بشكل مشجع، ثم كرر مرة أخرى للمتحدث شيئاً مثل: "إذن دعني أتأكد من أنني أفهم. ما تقوله هو أنه…".
ومع ذلك تشير الأبحاث الحديثة إلى أن هذه السلوكيات قاصرة كثيراً عن وصف مهارات الاستماع الجيدة الحقيقية.
وبحسب تجارب أجرتها جامعة Harvard فإن الاستماع الجيد هو أكثر بكثير من الصمت والاستماع بينما يتحدث الشخص الآخر.
على العكس من ذلك، يرى الناس أن أفضل المستمعين هم أولئك الذين يطرحون بشكل دوري أسئلة تعزز الرغبة في الاكتشاف والبصيرة والوعي بأبعاد الحديث.
بمعنى أن الجلوس هناك والإيماء بالرأس بصمت لا يوفر دليلاً أكيداً على أن الشخص يستمع، ولكن يطرح سؤال جيد يخبر المتحدث أن المستمع لم يسمع فقط ما قيل، بل فهمه جيداً بما يكفي ليريد معلومات إضافية.
كما كان يُنظر إلى الاستماع الجيد باستمرار على أنه حوار ثنائي متبادل، وليس تفاعلاً أحادي الاتجاه "المتحدث مقابل المستمع".
ويضمن الاستماع الجيد التفاعلات التي تبني احترام الشخص لذاته، إذ يجعل أفضل المستمعين المحادثة تجربة إيجابية للطرف الآخر، وهذا لا يحدث عندما يكون المستمع سلبياً.
الاستماع الجيد هو تواصل تفاعلي ونقاش فعال
المستمع الجيد يجعل الشخص الآخر يشعر بالدعم ويمده بالثقة.
ويتميز الاستماع الجيد بخلق بيئة آمنة، يمكن فيها مناقشة القضايا والاختلافات بصراحة ووضوح، بحيث يُنظر إلى الاستماع الجيد على أنه محادثة تعاونية.
ففي هذه التفاعلات تتدفق التعليقات بسلاسة في كلا الاتجاهين، مع عدم اتخاذ أي من الطرفين موقفاً دفاعياً بشأن التعليقات التي أدلى بها الآخر.
على النقيض من ذلك، كان يُنظر إلى المستمعين الفقراء على أنهم منافسون، حيث يستمعون فقط لتحديد الأخطاء في التفكير أو المنطق، ويستخدمون صمتهم كفرصة لإعداد استجابتهم التالية. قد يجعلك هذا مناظراً ممتازاً، لكنه لا يجعلك مستمعاً جيداً.
قد يتحدى المستمعون الجيدون الافتراضات ويختلفون، لكن الشخص الذي يتم الاستماع إليه يشعر أن المستمع يحاول المساعدة، ولا يريد كسب الجدال أو توجيه الانتقادات فقط لكي يبدو أنه أكثر وعياً أو فهماً، بحسب Harvard.
نصائح لمساعدتك على تطوير مهارات الاستماع الفعالة
في عالم اليوم الذي يتميز بالتقنية والسرعة والضغط العالي أصبح الاتصال أكثر أهمية من أي وقت مضى، ومع ذلك يبدو أننا نخصص وقتاً أقل للاستماع إلى بعضنا البعض.
ومع ذلك، الاستماع الجيد يساعد في بناء العلاقات وحل المشكلات وضمان الفهم وحل النزاعات وتحسين الدقة، وذلك سواء بالاستماع في العمل، أو المنزل، أو لأفراد مقربين.
من خلال الخطوات التالية يمكن تحسين مهارة الاستماع الفعال للآخرين، بحسب مجلة Forbes:
الخطوة 1: وجّه السماعة وحافظ على التواصل البصري
التحدث إلى شخص ما أثناء ترتيب الغرفة أو التحديق في شاشة الكمبيوتر أو الهاتف لا يُعد استماعاً حقيقياً.
في معظم الثقافات الغربية يعتبر الاتصال بالعين مكوناً أساسياً للتواصل الفعال. عندما نتحدث ننظر في أعين بعضنا البعض، هذا لا يعني أنه لا يمكنك إجراء محادثة عبر الغرفة، ولكن الرغبة في تواصل أفضل ستجعلكما تحاولان التواجد أمام بعضكما البعض.
لذا في المرة المقبلة للنقاش مع أحدهم ضع جانباً الأوراق والكتب والهاتف والمشتتات الأخرى، وانظر إليهم، حتى لو لم ينظروا إليك بدورهم.
إذ يمكن أن يؤدي الخجل وعدم اليقين والخزي والشعور بالذنب أو غير ذلك من العواطف إلى جانب المحرمات الثقافية، إلى منع التواصل البصري لدى بعض الأشخاص في ظل ظروف معينة.
الخطوة 2: كن منتبهاً
الآن بعد أن قمت بالاتصال بالعين استرخ، ليس عليك التحديق في الشخص الآخر بثبات وتهديد، ويمكنك النظر بعيداً بين الحين والآخر.
الشيء المهم هو أن تكون منتبهاً.
كذلك حاول ألا تركز على لهجة المتحدث أو أسلوب الكلام إلى الحد الذي يصبح فيه مصدر إلهاء، بحسب صحيفة New York Times.
أخيراً، لا تشتت انتباهك بأفكارك أو مشاعرك أو تحيزاتك الشخصية.
الخطوة 3: حافظ على عقل متفتح
استمع دون الحكم على الشخص الآخر أو انتقاد الأشياء التي يخبرك بها في ذهنك. إذا كان ما يقوله الآخر يزعجك فاستمر في الشعور بالقلق، لكن لا تقل لنفسك "حسناً"، كانت هذه عبارة غبية.
وبمجرد أن تنغمس في التشويش على الأحكام تكون قد عطلت فاعليتك كمستمع.
كذلك استمع دون القفز إلى الاستنتاجات، وتذكر أن المتحدث يستخدم اللغة لتمثيل الأفكار والمشاعر داخل دماغه، وأنت لا تعرف ما هذه الأفكار والمشاعر والطريقة الوحيدة لكي تكتشفها هي من خلال الاستماع المتفتح.
الخطوة 4: استمع إلى الكلمات وتخيل ما يقوله المتحدث
اسمح لعقلك بإنشاء نموذج عقلي للمعلومات التي يتم توصيلها.
سواء كانت صورة حرفية، أو ترتيباً لمفاهيم مجردة فإن عقلك سيقوم بالعمل الضروري إذا بقيت مركزاً، مع تنبيه كامل حواسك عند الاستماع.
وعند الاستماع لفترات طويلة ركِّز على الكلمات والعبارات الرئيسية وتذكرها.
عندما يحين دورك في الاستماع لا تقضِ وقتك في التخطيط لما ستقوله بعد ذلك. لا يمكنك التخيُّل والاستماع في نفس الوقت، فكِّر فقط فيما يقوله الشخص الآخر.
أخيراً، ركز على ما يقال حتى لو كان مملاً، إذا بدأت أفكارك في الشرود أجبر نفسك فوراً على إعادة التركيز.
الخطوة 5: لا تقاطع ولا تفرض "الحلول" الخاصة بك
اعتاد الأطفال على تعلُّم أنه من الوقاحة مقاطعة الكبار عند الحديث.
فالمقاطعة ترسل مجموعة متنوعة من الرسائل. مفادها:
- "أنا أكثر أهمية منك".
- "ما يجب أن أقوله هو أكثر إثارة للاهتمام أو دقة أو صلة من حديثك".
- "أنا لا أهتم حقاً بما تعتقده".
- "ليس لدي وقت للاستماع لرأيك".
- "هذه ليست محادثة، إنها مسابقة، وسأفوز".
كلنا نفكر ونتحدث بمعدلات مختلفة، إذا كنت مفكراً سريعاً ومتحدثاً لبقاً رشيقاً فإن العبء يقع على عاتقك لتهدئة وتيرتك من أجل تواصل أبطأ والأكثر تأملاً.
عند الاستماع إلى شخص يتحدث عن مشكلة امتنع عن اقتراح الحلول.
معظمنا لا يريد أن يتحدث من أجل الحصول على نصيحة بقدر ما يرغب في التخفف من خلال المشاركة فقط.
على أي حال، إذا رغبنا النصيحة فقد نطلب ذلك ببساطة. يفضل معظمنا اكتشاف حلوله الخاصة، لكن في حال امتلكت فعلاً فكرة رائعة قد تساعده فاحصل أولاً على إذن المتحدث في طرحها.
على سبيل المثال، اسأل: "هل ترغب في سماع أفكاري؟".
الخطوة 6: انتظر حتى يتوقف المتحدث مؤقتاً لطرح أسئلتك
بالطبع يجب أن تطلب من المتحدث أن يشرح لك إذا لم تتمكن من الفهم كما ينبغي.
ولكن بدلاً من المقاطعة انتظر حتى يتوقف استرسال الحديث مؤقتاً. ثم قل شيئاً مثل "انتظر ثانية، لم أفهم ما قلته للتو…".
الخطوة 7: اطرح الأسئلة فقط لضمان الفهم وليس للمناظرة
أحياناً أسئلتنا تقود الناس إلى اتجاهات لا علاقة لها بالمكان الذي اعتقدوا أنهم ذاهبون إليه عند إجراء النقاش، أحياناً نعود إلى الموضوع الأصلي، لكن في كثير من الأحيان لا نفعل ذلك.
عندما تلاحظ أن سؤالك قد يؤدي إلى تشتيت المتحدث، تحمل مسؤولية إعادة المحادثة إلى مسارها الصحيح.
الخطوة 8: حاول أن تشعر بما يشعر به المتحدث
إذا شعرت بالحزن عندما يعبر الشخص الذي تتحدث معه عن حزنه، وبالفرح عندما يعبر عن فرحه، والخوف عندما يصف مخاوفه -وتنقل له هذه المشاعر من خلال تعابير وجهك وكلماتك- فعندئذٍ تكون فاعليتك كمستمع مضمونة.
التعاطف هو قلب وروح الإنصات الجيد.
لتجربة التعاطف عليك أن تضع نفسك في مكان الشخص الآخر وتسمح لنفسك أن تشعر بما هو عليه الحال في تلك اللحظة، هذا ليس بالأمر السهل القيام به. يتطلب طاقة وتركيزاً، ولكنه عمل لطيف ومفيد، ويسهل التواصل.
الخطوة 9: امنح المتحدث ملاحظات بانتظام
أظهِر أنك تفهم من أين يأتي المتحدث من خلال عكس مشاعر المتحدث، مثلاً قل عبارات مثل "أستطيع أن أرى أنك في حيرة من أمرك".
الفكرة هي إعطاء المتحدث بعض الأدلة على أنك تستمع، وأنك تتبع مسار النقاش، ولست منغمساً في تخيلاتك الخاصة أثناء حديثه.
الخطوة 10: انتبه لما لا يُقال- للإشارات غير اللفظية
نحن نجمع قدراً كبيراً من المعلومات عن بعضنا البعض دون أن ننطق بكلمة واحدة. حتى عبر الهاتف يمكنك معرفة الكثير عن أي شخص من نبرة صوته وإيقاعه أكثر من أي شيء يقوله.
ووجهاً لوجه مع شخص ما يمكنك اكتشاف الحماس أو الملل أو الغضب بسرعة كبيرة في التعبيرات حول العينين، وزم الشفتين، ومستوى ارتفاع الكتفين.
هذه أدلة لا يمكنك تجاهلها، لذا عند الاستماع تذكّر أن الكلمات تنقل جزءاً بسيطاً فقط من الرسالة.