إذا تسبب لك الطقس البارد والأيام القصيرة في الشعور بكآبة الشتاء فأنت لست وحدك، إذ إنه من الشائع الشعور بالتعب والحزن وصعوبة التركيز واضطراب في جدول نومك خلال فصل الشتاء، نظراً للتغيّرات المناخية التي تُصبح أشد حدة كل عام.
وعلاوة على ارتباط المطر في الأفلام وكليبات الأغاني بالحزن والبكاء والشعور "بالألم العاطفي"، يعاني البعض فعلاً من مشاعر الضيق جراء المطر والسُّحب الغائمة، وقد انتشرت بالفعل العديد من الرسوم الكوميدية حول الموضوع لشدة ارتباطه.
وبالنسبة للبعض يكون هذا التغيير في الحالة المزاجية مؤقتاً، ويمكن إدارته بسهولة من خلال تعديلات نمط الحياة للتماشي مع ساعات النهار القصيرة.
لكن بالنسبة للآخرين يمكن أن تتحول كآبة الشتاء إلى نوع أكثر حدة من الاكتئاب، يسمّى الاضطراب العاطفي الموسمي.
الخبر الجيد هنا هو أنه بإمكانك القيام ببعض الخطوات والتغييرات في نمط حياتك اليومية لكي تتغلب على حالة اكتئاب الشتاء القاسية والشعور بالحزن طوال فترة الأشهر الباردة الممطرة.
ووفقاً لجورجيا غافراس، الأستاذة الأمريكية في الطب النفسي، فإن الاختلاف الرئيسي بين الاكتئاب الشتوي الطبيعي والاضطراب النفسي المتعلق باختلاف الفصول له علاقة بالحدة والوظيفة والتأثير، بمعنى أنه يختلف باختلاف "الحزن" مقابل "الاكتئاب".
الفارق بين حزن الشتاء والاكتئاب الموسمي
يشعر الناس أحياناً بالحزن، خاصة إذا لم تشرق الشمس بالدرجة المعتادة، ولا حرج في ذلك، إذ إن امتلاك المشاعر هو جزء مما يجعلنا بشراً وليس شيئاً عارضاً نريد إخماده أو معالجته.
الشعور بالحزن أو الحزن الموسمي، خاصة خلال أشهر الشتاء، علامة من ضمن أعراض كآبة الشتاء. ومع ذلك عندما يتعارض الحزن مع القدرة على العمل والتفاعل وتأدية مهام حياتك اليومية فقد يكون الأمر أكثر خطورة.
وبحسب تصريحات غافراس لموقع Very Well Mind للصحة العقلية، فإن أشهر الخريف والشتاء تثير بعض الكآبة والحزن لكثير من الناس، ويرتبط الكثير من ذلك بنقص ضوء الشمس.
وتتابع: "خلال أشهر الشتاء، يترك الناس منازلهم في الظلام للذهاب إلى العمل، ويقضون اليوم كله في مكتب بلا نوافذ، ثم يغادرون العمل للعودة إلى المنزل مرة أخرى في الظلام. الأمر الذي يمكن أن يؤثر على تصرفات معظم الناس".
أما إذا كنت تعمل من المنزل، ولا تخرج قبل العمل أو أثناء ساعة الغداء، فقد لا تغادر منزلك على الإطلاق بعد أن أصبح الظلام يحلّ بشكل مبكر عن المعتاد.
الاضطرابات العاطفية المرتبطة بالشتاء
الاضطراب العاطفي الموسمي هو اضطراب أكثر تعقيداً من مجرد حزن عابر، إذ يعاني الأشخاص المصابون باضطراب القلق الشتوي الموسمي علامات اضطراب اكتئابي كبير، بما في ذلك صعوبة النوم وتناول الطعام، والتي يمكن أن تأتي مع تقلبات ملحوظة في مستويات الطاقة والوزن.
كما قد تبدأ أيضاً في عزل نفسك والشعور باضطراب انعدام التلذذ، وهو عدم القدرة على الاستمتاع بالأشياء التي تجلب السعادة عادةً.
ومن الأعراض الشائعة للاضطراب بحسب موقع NHS البريطاني للصحة، مشاعر اليأس والإحباط، والإعياء، والخمول، ومشاكل النوم، وصعوبة التركيز، والتغيرات الحادة في الشهية.
ويمكن أن يصبح هذا الأمر شديداً بدرجة كافية لدرجة لجوء الشخص إلى الإدمان، وحتى تكون لديه أفكار عن إيذاء النفس أو الانتحار.
وإذا اشتدت الأعراض إلى هذا الحد فمن الضروري البحث عن خدمات الصحة العقلية المتخصصة على الفور.
خطوات لمواجهة الاكتئاب والحزن الشتوي
1- ممارسة الرياضة
إن أبسط وسيلة للتغلب على كآبة الشتاء هي إجبار نفسك على البقاء نشيطاً معظم ساعات اليوم، حتى عندما يكون الجو مظلماً وبارداً وكئيباً.
وقد أظهرت الأبحاث بحسب صحيفة The Guardian، أنه حتى المشي لمدة 15 دقيقة في منتصف اليوم يكفي لزيادة النواقل العصبية الحاسمة، مثل الدوبامين والنورأدرينالين، والتي تساعد في تنشيط الدماغ وتنظيم إيقاعات الساعة البيولوجية.
إذا كان بإمكانك ممارسة الرياضة في وقت مبكر من اليوم، وامتصاص ضوء النهار الطبيعي خلال ساعتين من الاستيقاظ ، فسيكون ذلك أكثر فائدة.
2- العقلية الصحيحة
تتبنى الدول الاسكندنافية، مثل الدنمارك مثلاً، التي تعاني بعض أطول فصول الشتاء وأكثرها كآبة على هذا الكوكب، مفهوم hygge، لتغيير مفهوم الكآبة المرتبط بالغيوم والشتاء البارد.
وتتمثل الفكرة الأساسية في الاستمتاع بفصل الشتاء كوقت للاسترخاء، والاستمتاع بالوجود في المنزل، وحميمية قضاء بعض الوقت في الداخل مع الأصدقاء والعائلة وتبادل بعض الطقوس الدافئة.
على سبيل المثال، تناول بعض الأطعمة المثيرة للدفء مثل مشروبات الشوكولاتة أو الكستناء والبطاطا الحلوة المشوية، كذلك القراءة أمام المدفئة النارية أو الكهربائية، وارتداء الجوارب الصوفية واستخدام الشموع.
3- تناول الكربوهيدرات المعقدة
تمنحنا الكربوهيدرات المكررة الدهنية مثل البيتزا والخبز والكعك العربي والبسكويت وغيره متعة قصيرة الأمد، لكنها ستجعلك تشعر بالخمول أكثر خلال أشهر الشتاء.
لكن بالنسبة للكربوهيدرات الأكثر تعقيداً، مثل البروكلي والسبانخ والكوسا والعدس فهي تستغرق وقتاً أطول للهضم، ما يعني أنها لا تسبب ارتفاعات مفاجئة في نسبة السكر في الدم، والتي يمكن أن تلحق الضرر بمزاجك.
وهي تساعد في الحفاظ على دفء الجسم والشعور بالشبع، بحسب موقع Evergreen Life البريطاني للمنوعات.
4- مكملات زيت السمك وفيتامين "د"
يلعب فيتامين "د" دوراً في تنظيم الحالة المزاجية، والحفاظ على مستويات السكر في الدم، وتقوية جهاز المناعة لدينا، ولكن أشعة الشمس هي أحد المصادر الطبيعية الرئيسية لفيتامين "د".
وهذا يعني أن نسبة كبيرة من سكان العالم يعانون من نقص في فيتامين "د"، خلال أشهر الشتاء. ووجدت إحدى الدراسات بحسب The Guardian أنه عندما تم إعطاء البالغين الذين يعانون من كآبة الشتاء 400-800 وحدة دولية من فيتامين D3 يومياً، فإن مزاجهم يتحسن بشكل كبير.
كذلك قد تكون مكملات أوميغا 3 مفيدة أيضاً، على سبيل المثال تعاني أيسلندا من أشد فصول الشتاء بين الدول الأوروبية، ولكنها تتمتع بأقل معدلات اكتئاب الشتاء.
ويُعتقد أن أحد أسباب ذلك هو استهلاك المواطنين الكبير للأسماك، مثل السلمون وسمك القد والماكريل، وهي نوعيات غنية بأحماض أوميغا 3 الدهنية المتعددة غير المشبعة.
إذ يُعتقد أن أوميغا 3 لها تأثير مضاد للاكتئاب عن طريق تحسين عمل الخلايا في الدماغ والدم.